كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
«نحن مَن أنقذ البلد»، يؤكّد «حزب الله» تعليقاً على ما حصل في الجاهلية السبت الفائت. وكما في الجاهلية كذلك في الملف الحكومي يرى الحزب أنّ رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري يُخطئ و»لا يتصرّف بحكمة». وفي المقابل يسأل متابعون، كيف أنقذ «الحزبُ» البلد؟ بعدم استخدامِه سلاحه في الداخل هذه المرة؟ وبرميه كرة العرقلة الحكومية بين يدي الحريري. ألا يمون الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على حلفائه النواب الستة السنّة بالتنازل لـ»إنقاذ البلد» فعلاً؟
«أنقذنا البلد»، عبارة يُكرّرها «حزب الله» في كل استحقاق سياسي أو أمني أو حتى اقتصادي. بالنسبة إلى «حزب الله» هو أنقذ البلد من العدوّ الإسرائيلي، وفي 7 أيار 2008، وفي ضلوعه في الحرب في سوريا، وفي تواجده في دول أخرى وبتأييده للنظام السوري والتنسيق معه، وبحَمله ملفّي الفساد وإعادة النازحين… فيما يجد معارضوه أنّ مواقفه وأفعاله هذه هي التي تُضرّ بالبلد ويرون أنّ الحزب يقبض على الدولة ويُفلت قبضته حين يرى في ذلك فائدةً له.
وحتى إذا قام بتضحيات أو اتّخذ مواقف مفيدة، إلّا أنها بالنسبة للمعارضين تفصيلية تحت العنوان الأساس والأهم وهو أنه «يُحكم قبضته على لبنان»، سجّاناً جيداً كان أو سيّئاً، فالسجّان سجّان، فيما أنّ المدماك الأساس لقيام أيّ دولة هو: السيادة والاستقلال والاستقلالية.
منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة في أيار الماضي، حرص «حزب الله» على الظهور في ثوب المُسهِّل. حاز غالبية نيابية وعلى رغم ذلك لم يتمسك بمكاسب وزارية، ولم يسعَ لإلغاء رئيس الحكومة ذات الهوية الـ14 آذارية، ولم يطالب بمقاعد إضافية له ولحلفائه توازي حجمه وتمثيله. ويرى البعض أنّ الحزب استغلّ النزاع الوزاري بين حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، فتركهما يتحاربان على «تناتش» الحقائب كمّاً ونوعاً لأشهر وجلس على كرسي المُتفرِّج، إلى حين أوقف رئيس «القوات» سمير جعجع العَرض وقَبِل بما عُرض عليه «إنقاذاً» للبلد. هنا كان لا بدّ للحزب من استعادة قبضة التحكّم بالعَرض، وترك كرسي المُتفرج والبروز في الواجهة: التمسك بتمثيل نواب «اللقاء التشاوري» السُنّة الستة، الذين يرفض الحريري تمثيلهم لا بل حتى الالتقاء بهم، وذلك لأنهم بالنسبة إلى الحريري كتلة مُفتعلة هدفها إزعاجه وإحراجه لإخراجه، عبر تقزيم حضوره وتقليص قوته «السنية» مثلما حصل في مجلس النواب.
هنا يُقدّم «حزب الله» نفسَه أيضاً مُنقذاً للبلد من «الآحادية السنية» ومحافِظاً على الدستور الذي ينصّ على «تمثل الطوائف بصورة عادلة في تأليف الحكومة» ومتمسّكاً بالوفاء للحلفاء وبالحفاظ على حقوقهم. إلّا أنّ المعارضين يرون أنّ الحزب لا يريد حكومة ويستغل «العقدة السنية» لعرقلة التأليف. ويقولون: «إن كان الحزبُ يريد فعلاً حكومة سريعاً فليطلب من حلفائه النواب الستة التنازل».
هذا الطرح غير وارد عند الحزب، حسب ما تؤكّد مصادره لـ»الجمهورية». وتسأل: «لماذا سنطلب من نواب مُنتخَبين ولديهم تمثيل شعبي التنازل عن تمثيلهم؟ فسابقاً كانوا يقولون إن لا تمثيل شعبياً لهم فكنّا نقبل بذلك. ولكن اليوم لن نضغط على النواب الستة بل سنؤيّدهم وندعمهم مثلما فعلنا مع كل حلفائنا».
وتؤكّد المصادر، «أننا لسنا نحن مَن نوقف البلد والكلام عن أننا لا نريد حكومة غير صحيح، مَن يُعرقل البلد وتأليف الحكومة هو الحريري الذي يرفض استقبال نواب مُنتخَبين، وممثلين للشعب في مجلس النواب. فليوافق الحريري على تحديد موعد للالتقاء بالنواب الستة، فتُحلّ المشكلة بنصف ساعة. وليستمع إليهم، فربما تُحلّ العقدة بطريقة مرضية له».
وتوضح المصادر «أننا لا نطالب بل نقف وراء المُطالب. ونحن لسنا أمام هؤلاء النواب بل خلفهم. ولا مُشكلة لدينا بأيِّ أمر أو تسوية يرضون بها. ولا سقف لنا أو غاية. ما يتفقون عليه ويبلغوننا إياه نقبل به، وحينها نُسلِّم أسماء وزرائنا مباشرةً إلى الحريري».
لكنّ «حزب الله» ينأى بنفسه عن المبادرة إلى طرح تسوية تحلّ عقدة التأليف و»تُنقذ البلد». وتبرّر المصار ذلك، لأنّ «المعني بهذا الموضوع هم النواب الستة لا الحزب، وهم في الواجهة وليس الحزب الذي يدعمهم ويؤيّد موقفهم فقط. والتسوية يجب أن تُجرى معهم وليس مع الحزب».
أما «الحلّ الإنقاذي» بالنسبة إلى «حزب الله»، فهو أن «يبدّل الحريري رأيه ويستقبل النواب الستة المُنتخَبين فهو رئيس حكومة كل لبنان وليس فقط فريق معيّن. كذلك هم سُنة وهو «بيّ السنّة» مثلما قال، فألا يستقبل الأبُ أولاده؟».
لا يأخذ «حزب الله» الأحداث والمجريات في لبنان أو المنطقة بـ»المفرق» ويربطها بـ»استهدافه» أو «إضعافه»، ويعتبر نفسه «أم الصبي» في «إنقاذ البلد» عند كل حدث. على لسان النائب نواف الموسوي أكّد الحزب أنّ «حكمتنا هي التي حالت دون إدخال البلاد السبت في آتون فتنة يعلم الله مداها، فنحن مَن أنقذ البلد، وأيقظ بعض الناس الذين ما زالوا يتصرفون بعنجهية وبتكبّر ومكابرة».
وقال الموسوي على أثر أحداث الجاهلية وبعد شرحه لماذا يصرّ «حزب الله» على تمثيل النواب الستة السنة: «إذا كان هناك مَن يفكر بالتعويض عن هزيمته في سوريا بنقل المعركة إلى لبنان، فليعلم أنّ تصدّينا له في لبنان، سيكون بأشدّ ممّا فعلنا في سوريا».
معارضو الحزب يستفزّهم كلام «حزب الله» هذا، ويعتبرون أنه «تذكير» في كل مناسبة بأنّ الحزب هو مَن يَحكم ويتحكّم بالدولة اللبنانية واللبنانيين. ويسأل أولئك: كيف أنقذ البلد؟ هل يقصد أنه لم يستخدم سلاحه في وجه القوى الأمنية إلى جانب رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب؟
مصادر «حزب الله» تنفي أنّ «القصد هو إمكانية تحرّكه»، وتعتبر أنّ «هذا كلام إعلامي»، مشدّدة على أنّ «الحزب مع السلم الأهلي والحفاظ عليه فلقد دفع دماءً ليحمي أمن لبنان».
وتوضح أنّ المقصود بـ»أننا أنقذنا البلد»، أي أنّ «دورَنا كان «إطفائياً». والذي حدث كان خطأً قانونياً وإجرائياً وأمنياً. وكان يُمكن أن تتوسع ذيولُه وتمتد ولو فلت الوضع لكان حجمُ التداعيات والفلتان الأمني كبيراً جداً».
وتكشف المصادر «أننا «هدّينا الوضع»، من خلال اتصالاتنا، وعبر طلبنا من وهاب عدم القيام بأيِّ ردات فعل خاطئة. كذلك، من خلال اتصالات غير مباشرة مع الحريري ومع القضاء المعني».
وإذ تشير إلى «أننا مع تحقيقٍ واضح وشفاف في مقتل مرافق وهاب»، ترى أنّ «الهدف السياسي من عملية الجاهلية «تكسير راس» وتوقيف وهاب وتسجيل موقف. وأنّ هذه العملية كانت خطأً كبيراً من بدايتها، فالذي قرّر أخطأ، كذلك الذي قرأ الموضوع بطريقة خاطئة والذي توقّع نتائجه».
وتؤكّد مرة جديدة على «إنقاذنا البلد من الخطأ الذي حدث السبت»، وذلك من خلال «سعينا للتهدئة ولإيقاف العملية».