كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:
يُصبح الحدث في بلدة الجاهلية الجبلية صغيراً، حين تنتقل عدسات المصوّرين إلى عملية «درع الشمال» التي أعلنت عنها تل أبيب لإحباط أنفاق حفرها «حزب الله» من الأراضي اللبنانية اخترقت الحدود والسياج الأمني إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. فتلك الأنفاق التي يتم العمل على اكتشافها بتقنيات عالية تمهيداً لتدميرها، هي «أنفاق هجومية» تُعطي إسرائيل مسوغاً دفاعياً يُساهم في تأمين ما تحتاجه من غطاء دولي للقيام بعمل عسكري ضد «حزب الله» الذي تعتبره خطراً متفاقماً على أمنها.
العملية، وفق المتابعين، تأتي في سياق تفكيك مواقع القوّة لدى «حزب الله» وإيران سواء في سوريا أو لبنان. فقبل أيام، قامت إسرائيل بضرب سلسلة أهداف في جنوب سوريا وريف دمشق بعد توقف فرضته حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق اللاذقية في أيلول الماضي، وهذا تطوّر بارز في ظل المعلومات التي تسرّبت عن أن الضربات تناولت «حزب الله».
لكن ضباب هجمة الوزير السابق وئام وهاب على رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس الشهيد رفيق الحريري، حجب التركيز على الضربات الإسرائيلية ودلالاتها، نتيجة التداعيات التي تلت توجّه قوة مؤللة من «شعبة المعلومات» إلى منزل وهاب في الجاهلية بهدف إحضاره إنفاذاً لإشارة النيابة العامة التمييزية. تداعيات لم تحدثها وفاة مرافق وهاب في إطلاق نار حصل على خلفية عملية «شعبة المعلومات» يوم السبت الماضي، بل ما حملته هذه العملية من رسائل لشخص وهاب الذي توارى عن منزله لدى وصول القوّة إليه، ولمن يقف وراءه، خصوصاً أنها أتت بعد «غزوة سيّارة» لقرى الجبل ليل الخميس – الجمعة من قبل مناصري وهاب، استدعت ردود فعل من مناصري الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وكادت الأمور أن تتحوّل إلى صدام على الأرض لولا تدخل الجيش.
عودة استهداف «حزب الله» في سوريا عكست إحياءً للاتفاق الإسرائيلي – الروسي حول آلية منع الاحتكاك، الذي أعقب تدخل موسكو في الحرب السورية، حيث لم يحل وجود القوات الروسية ومنظوماتها الجوية دون منع تل أبيب من شن غارات جوية متتالية ضد مراكز لـ «الحزب» والحرس الثوري الإيراني ومخازن أسلحة وصواريخ ومنصات وقوافل تسليح في طريقها إلى لبنان تحت عنوان حماية أمن إسرائيل الذي ضمنته موسكو، على رغم تحالفها مع طهران لمنع سقوط رأس النظام السوري المتمثل ببشار الأسد.
ولا يمكن قراءة ما يجري في لبنان وعلى حدوده بمعزل عن جملة التطوّرات في الإقليم، والتي تحصل في معظمها تحت مظلة المواجهة الأميركية – الإيرانية. فتعطيل تأليف الحكومة في لبنان جزء من المواجهة، ويتم ربط الإفراج عنها بشكل أو بآخر، بمسار إتمام تأليف الحكومة في العراق ومدى الاستجابة لمعركة تكريس نفوذ أذرع إيران السياسية والأمنية والعسكرية فيه، والتي يتجسّد فصلها الراهن بالموافقة على ترشيح فالح الفياض لحقيبة وزارة الداخلية وعودته إلى موقع رئاسة هيئة الحشد الشعبي. بات اليوم يُنظر، وفق قراءة البعض، إلى أن «بارومتر» لبنان هو العراق وليس سوريا، إذ أن اللاعبين المؤثرين هم أنفسهم على الساحتين اللبنانية والعراقية، فيما اللاعبون مختلفون في سوريا، فالأوراق هي بيد روسيا وأميركا وتركيا، في وقت ثمة تلاقي مصالح روسية – أميركية – إسرائيلية وحتى تركية في خروج القوات الإيرانية وأذرعها العسكرية من سوريا.
في المعطيات التي سمعتها شخصيات لبنانية زارت الفاتيكان أن الأسد أخذ الخيار الروسي، ما وفّر له البقاء في موقعه على رأس النظام. وفي الخيار الروسي، لجهة التزامات موسكو، فإن لا مكان لوجود عسكري للقوات الإيرانية ولأذرعها في الجنوب السوري. ولا تواجد لها في منطقة الشمال السوري الخاضعة للاتفاق التركي – الروسي، حيث تحدّد وجود الميليشيات الموالية لإيران في حماة وغرب حمص وريف دمشق، وهي المناطق التي عادت تتعرّض للضربات الإسرائيلية، في وقت تدرك طهران أنها غير قادرة على الردّ من سوريا، لأن أي رد فعل غير محسوب قد يؤول إلى خسارة نهائية لنفوذها العسكري المتبقي في هذا البلد، والذي تجهد للمحافظة عليه من أجل حفظ مكان لها على طاولة الحل السياسي.
على أن تقييد يد إيران و«حزب الله» في سوريا يقف وراء ارتفاع منسوب القلق في لبنان، لا سيما وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أودع الأمم المتحدة خرائط قال إنها لمخازن صواريخ حول مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وهو يعتبر أن إيران نجحت بتزويد «حزب الله» بصواريخ دقيقة، وهو ما أكد أمين عام «حزب الله» الحصول عليه، حين أعلن أن ما تخشاه إسرائيل قد حصل، وأن «الحزب» بات يملك صواريخ دقيقة.
والمخاطر تزداد، ذلك أن الإعلان عن عملية «درع الشمال» أتت على وقع اجتماع نتنياهو ووزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في بروكسل، في وقت تمحورت مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته مسقط حول ضرورة سحب إيران للصواريخ الدقيقة من يد «حزب الله» في لبنان ورفض تحويل جنوب سوريا إلى ما يشبه جنوب لبنان تحت أي اعتبار كان، وفي وقت تضيق فيه قدرة التحرك أمام طهران في ساحات الصراع الأخرى، لا سيما في اليمن التي أصيب فيها الحوثيون بخسارة عسكرية أضعفت موقعهم، وفي غزة حيث يتم العمل مصرياً على احتواء حركة «حماس»، وتشتد مفاعيل ضغوط العقوبات الأميركية على إيران، ما يجعل لبنان الملعب الأكثر توفراً وملاءمة لإيران في مقارعة واشنطن من بوابة إسرائيل، وإن كان لا يزال الاعتقاد الحالي بأن طهران ليس في مصلحتها حرق أوراقها قبل أن تنجلي الاتجاهات التي ستحكم طريق التفاوض، الذي يتحدث متابعون عن أنه يتم في النمسا، ولا يزال على مستويات متدنية ولم يحقق اختراقات ولو ضئيلة حتى الساعة، وأن الانتقال إلى استخدام الورقة العسكرية مع إسرائيل سيكون سقوطاً متهاوياً في ظل استعار المواجهة، بحيث لن تجد إسرائيل نفسها وحيدة بل أنها ستقدم نفسها على أنها تدافع ليس فقط عن أمنها بل عن الأمنين الإقليمي والدولي.
بدأ الحديث يدور في بعض الأروقة السياسية التي بحوزتها معطيات دبلوماسية حول الدخول في مسرح الضربات المتكررة التي لن تنتهي إلا بعمل عسكري إسرائيلي كبير، من شأنه أن يُغيّر موازين القوى الإقليمية ويمهد لمعادلة سياسية جديدة في لبنان. المقاربة تتم مع حقبة العام 1982 التي شهدت نهاية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وبداية مرحلة جديدة!.
اقرأ ايضاً:
“حزب الله” ليس بوارد فتح معركة كبرى