مرة جديدة أضاف الباحث في العلوم الوراثية في كلية جيلبير وروز ماري شاغوري للطب في الجامعة اللبنانية الاميركية (LAU) البروفسور بيار زلوعة، الى المكتشفات العلمية الجينية عن الفينقيين وهو الذي يلاحق اثار اجتماعهم وانتشارهم في حوض المتوسط وما يتصل به من مجتمعات واختار زلوعة جزيرة “إيبيزا” الاسبانية ليثبت ويظهر بالدليل الحسي ان الفينقييين كانوا اول من سكن تلك البقعة رغم انتفاء اثارهم الجينية حاليا.
وتمكن زلوعة من هذه النتيجة بفضل التعاون مع رفاقه في الابحاث البروفسورة ليزا ماتيسو سميث من جامعة اوتاغوا في نيوزيلند، ومجموعة من الباحثين من معهد برشلونة لعلوم التطور ومتحف إيبيزا لعلوم الاثار، الى جانب علماء اثار من لبنان وايطاليا عملوا على اجراء مقارنة ما بين بقايا اثار الحمض النووي للفينقيين القدامى في الجزيرة مع سكانها الحاليين، ليتبين “ان الصلة الجينية بين السكان الفينقيين القدامى للجزيرة وسكانها الحاليين في ايامنا هذه قد اضمحلت لدى النساء ولا تزال ظاهرة لدى بعض الرجال”.
وتوصل الفريق الى هذه النتائج بعد تحليل الحمض النووي “ميتوكوندريال” الذي ينتقل من الام الى اولادها والذي اعتمده الباحثون لتتبع اثار البصمات الجينية للامهات الاوائل اللواتي كن يسكن في الجزيرة قديما. كما قام الفريق برسم خريطة للجينات استنادا الى بقايات رفات فينيقية وجدت في الجزيرة”.
وقال البروفسور زلوعة ان هذا الاكتشاف مهم جدا والنتائج أتت مفاجئة لأنه كان يتوقع استمرارية بقاء جينات السكان الاصليين لكن تبين ان البصمة الفينيقية لا تزال موجودة لدى قلة من الرجال فقط. في حين حلت البصمة الجينية الكاتالونية مكانها لدى الغالبية من الرجال والنساء في الجزيرة وهذا أمر نادر الحدوث في العالم. وتعود اسباب هذا “الإستبدال الجيني” اذا صح التعبير الى حال عدم الاستقرار الاجتماعي والاوباء التي قد تكون اصابت السكان في جزيرة إيبيزا الاسبانية على مر العصور”.
وبرأي البروفسور زلوعة، فلقد وصل الفينيقيون الى هذه الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي في حوض المتوسط حوالى العام 645 قبل المسيح، وسكنوها ما يقارب الـ 700 سنة. ثم وصلتها دفعة ثانية من الفينيقيين من شمال افريقيا حوالى العام 400 قبل المسيح واندمجت مع الموجة الاولى من السكان الفينقيين. وبعد فترة طويلة من الازدهار والتطور انضمت الجزيرة وسكانها الى الامبراطورية الرومانية الى ان سقطت في يد المسلمين. وبعد ثلاثة قرون اخذ المهاجرون من جنوب اوروبا والبر الاسباني بإستيطان الجزيرة وطغوا على السكان، ما ادى الى استبدال جينات السكان الفينقيين الاوائل بجينات اخرى”.
اضاف:”وعلى الرغم من هذه التطورات، إلا ان الابحاث اظهرت بقايا جينات فينيقية في سكان إيبيزا المعاصرين، بحيث تبين وجود سمات شرق متوسطية على الخلايا Y التي تنتقل من الاب الى ولده الذكر. وهذا ما يعود برأي البروفسور زلوعة الى طغيان العنصر الذكوري الفينيقي على اماكن انتشار هذا الشعب على امتداد حوض المتوسط، وان الفينقيين لم يعملوا على اقتلاع الشعوب التي حلوا ضيوفا عليها.وشدد زلوعة على ان النتائج السالفة تؤكد ان التنوع والتعددية في الوحدة كان سمة مميزة في التجمعات الفينيقية.