كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: أظهر تقرير صادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي في دبي أن إجمالي التكاليف المباشرة وغير المباشرة للبرنامج النووي الإيراني تجاوز 517 مليار دولار منذ عام 2006 وحتى اليوم، فيما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة يرجح أن تنفجر أورامها الاجتماعية مع اشتداد وطأة العقوبات الأميركية.
وقال التقرير، الذي صدر الأربعاء بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام المصرية، إن “التكاليف غير المباشرة للبرنامج النووي الإيراني، والمتمثلة في العقوبات الاقتصادية الدولية وتبعاتها على إيران، بلغت ما يقارب الـ500 مليار دولار. فيما تجاوزت التكلفة المباشرة، التي تشمل إنشاء البنية التحتية والمرافق الخاصة بالبرنامج النووي والتكلفة السنوية لتشغيلها، 50 مليار دولار تقريبا”.
وبيّن التقرير، الذي جاء تحت عنوان “التكلفة والتبعات الاقتصادية للبرنامج النووي الإيراني على الدولة والشعب”، أن هذه التكلفة للبرنامج النووي الإيراني تجعله “أحد أكثر المفاعلات النووية في العالم تكلفة على الإطلاق، على الرغم من قدرته التقنية المحدودة”، حيث تبلغ تكلفة المفاعلات الحديثة أقل من نصف هذه المبالغ.
ويعدّ هذا التقرير واحدا من التقارير والدراسات السنوية الصادرة عن المنتدى الاستراتيجي العربي الذي ينعقد تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي.
وتناول التقرير بشكل مفصّل تكلفة البنية التحتية وتشغيل مفاعل بوشهر والمرافق المرتبطة به، واستخراج وتخصيب اليورانيوم الخام واستيراده، والتسلسل الزمني لمراحل تطوير المفاعل، كما استعرض كافة مراحل العقوبات الدولية التي فرضت على إيران منذ اكتشاف مرافق نووية سرية فيها في العام 2002.
وسلط التقرير الضوء على تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية حاليا في إيران مع تدهور الأوضاع الاقتصادية على إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي العالمي، في شهر مايو الماضي، وإعلانها فرض عقوبات جديدة على إيران هي الأقسى عبر التاريخ.
وقال “أدّى تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية بصورة متكررة خلال الأعوام الماضية تنديدا بالارتفاع الحاد في التضخم، وزيادة البطالة، والفقر، والفساد”.
وأدّت العقوبات المتتالية على إيران، بحسب التقرير، إلى تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، كما ألغت الشركات الأجنبية عقود استثمار جديدة بعشرات المليارات من الدولارات خاصة في قطاع الطاقة، الذي يحتاج إلى ما بين 130 إلى 300 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة للحفاظ على إنتاجيته حتى عام 2020.
وطبقا للتقرير “ونتيجة لتراجع الاستثمار وتراجع النمو، ارتفعت معدلات البطالة في إيران، خاصة بين الشباب الذين لا يجد ثلثهم تقريبا فرص عمل، وهو ما يسهم في تأجيج عدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي”.
وأشار إلى انهيار قيمة الريال الإيراني نتيجة للعقوبات المتتالية، خاصة حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة، والتي أدت إلى تراجع سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء من 112 ألف ريال في أغسطس الماضي، وذلك مقارنة مع 36 ألف ريـال للدولار الواحد في السوق الرسمية مطلع العام ذاته أي قبل العقوبات الأميركية.
وقال التقرير إنه ونتيجة لذلك، فقد قفز معدل التضخم إلى مستويات قياسية تصل في بعض التقديرات إلى متوسط سنوي نسبته 203 بالمئة بنهاية عام 2018، وتأثرت القطاعات الاقتصادية المختلفة في إيران بالعقوبات المتتالية وتبعاتها، خاصة قطاع النفط الذي تراجع إنتاجه وصادراته، حيث يعتمد الاقتصاد الإيراني على عائداته بصورة كبيرة.
وحسب التقرير، تراجع الإنتاج الصناعي الإيراني، والذي استهدفته العقوبات بصورة صريحة، خاصة حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة، وذلك بالإضافة إلى تأثر قطاع الزراعة بضعف المكننة وغياب التقنيات الحديثة بسبب العقوبات، وعجز القطاع الصناعي المحلي عن تقديم البديل، وأدت العقوبات الدولية كذلك إلى تدهور البنية التحتية الإيرانية بسبب تراجع الإيرادات العامة من تصدير النفط، وإحجام الشركات الأجنبية عن الاستثمار في القطاع بسبب العقوبات، وهو ما يضاف إلى تأثير التراجع التقني نتيجة العقوبات وتقييدها لنقل المعرفة والمعدات الحديثة إلى إيران.
وأضاف التقرير أن فعالية العقوبات الأميركية ستعتمد في نهاية المطاف على استجابة الأطراف الدولية لها، سواء الحكومات أو الشركات، ومن المتوقع أن تستجيب الشركات الأوروبية للعقوبات تجنبا للخسائر المحتملة حال عدم استجابتها، في حين قد تستمر بعض الشركات الآسيوية في أعمالها مع إيران أو حتى تتوسع فيها، إلا إذا قررت الإدارة الأميركية الضغط على الحكومات الآسيوية باستخدام ملفات ثنائية أخرى.
ونقل التقرير عن البنك الدولي تقديره حاجة إيران إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة سنويا من عام 2015، وذلك فقط للإبقاء على معدل بطالة في حدود 10 بالمئة، لكن من الواضح أن الاقتصاد الإيراني لم ينجح في توفير هذا الكم من فرص العمل الجديدة بعد عام 2015، حتى في ظل تخفيف العقوبات الدولية، فقد ارتفع معدل البطالة في عام 2016 إلى 12.4 بالمئة، وتراجع قليلا إلى 11.8 بالمئة في عام 2016، قبل أن يرتفع مجددا إلى 12.1 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي.
ويقول التقرير إنه وبصورة إجمالية، بلغ إجمالي خسائر الاقتصاد الإيراني منذ عقوبات 2012 وحتى عام 2016، مع بدء التحسن الاقتصادي في أعقاب الاتفاق النووي ما بين 310 و390 مليار دولار أميركي، في صورة إنتاج غير متحقق، بسبب عدد من العوامل، في مقدمتها تراجع الصادرات النفطية وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، وحجب المعرفة والتقنيات الحديثة.
ويقدم المنتدى الاستراتيجي العربي، منذ عام 2001 استشرافات وتوقعات سنوية دقيقة حول الأحداث الهامة على مدار العام، حيث يتضمن المنتدى آراء الخبراء، وبيانات موثوقة المصدر وتحليلات متعمقة بهدف تسهيل عملية جمع الخبرات العالمية لاستشراف التحديات والفرص الإقليمية المستقبلية.