كتبت ميرا جزيني عساف في صحيفة “اللواء”:
تعزّز أزمة تشكيل الحكومة المخاطر التي يتعرّض لها لبنان على أكثر من صعيد ليس آخرها عملية «درع الشمال» التي أطلقها الاسرائيليون بمحاذاة الحدود الجنوبية بحثا عن أنفاق يزعمون أنّ حزب الله حفرها للوصول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة الى أزمة النازحين السوريين الذين تتعذّر عودتهم لاعتبارات دولية، وقد تجسّد ذلك بانحسار المبادرة الروسية والكلام الصريح الذي صدر عن وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بول ريتشارد غالغر قبل أسبوعين والذي حمل في طيّاته دعوة الى إثارة الموضوع مع الإدارة الأميركية التي تعلّق أيّ عودة ربطا بالحلّ السياسي في سوريا.
لا تخفي مصادر سياسية متابعة أنّ الوضع في لبنان قد يدخل في مرحلة من الجمود الطويل الأمد اذا لم تتشكّل الحكومة في غضون أسبوع من الآن، بالتزامن مع مساع عادت الى الواجهة تفيد بإمكان تنازل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن الوزير السني من حصّته لصالح توزير من يمثّل سنّة الثامن من آذار ويكون مقبولا من الرئيس المكلّف سعد الحريري. وعليه، إذا سلك هذا الحلّ مساره، شرط عدم بروز عراقيل أخرى في وجه التأليف يصبح معها التساؤل عن جهات لا تريد حكومة واقعا ملموسا لا مجرّد تحليل، فإنّ لبنان يكون قد نجا مرّة جديدة من وقوعه في دوّامة فراغ قاتل هذه المرّة لتزامنه مع جملة معطيات لا يمكن معها التساهل أو الاسترخاء، وتتلخّص بالآتي:
أوّلا- إطلاق اسرائيل ما أسمته عملية «درع الشمال» بحثا عن أنفاق تقول إنّ حزب الله حفرها للوصول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهنا يتوقّف مراقبون عند توقيت الخطوة الاسرائيلية وما سبقها من لقاء بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومباركة واشنطن الخطوة الاسرائيلية على الحدود الشمالية مع لبنان. وإذ يؤيدون التحليلات التي تقول بعدم مصلحة تل أبيب، كما حزب الله، بإشعال حرب في الوقت الراهن نظرا الى ما يدور في اسرائيل من حملات بوجه نتنياهو على خلفية التهدئة في غزة والتهم بالفساد الموجّهة إليه والى زوجته، إلا أنّهم يرون في الخطوة الاسرائيلية تهديدا مستمرّا للبنان لا يمكن الاطمئنان لا الى خلفياته ولا الى تداعياته.
ثانيا- دخول أزمة النازحين السوريين في مسار من الجمود في ظلّ انحسار المباردة الروسية التي سبق أن أبصرت النور بعد قمّة هلسنكي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي دونالد ترامب. وقد تعزّز هذا الاتجاه بما سمعه مسؤولون لبنانيون من وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال غالغر بأنّ عودة النازحين مؤجّلة في الوقت الراهن، ولتحريكها يجب التحدّث الى الأميركيين الذين يربطونها صراحة بالحلّ السياسي المستدام في سوريا. ما يعني أنّ لبنان سيستمرّ تحت وطأة النزوح السوري ريثما تتبلور رغبة دولية مشتركة بالتوازي مع مسار سياسي يكون قد قسّم مناطق النفوذ وأرسى ما يريده من معادلات على الساحة السورية، وهو الأمر المتعذّر حاليا في ظلّ المراوحة التي تعيشها آخر مراحل الحرب في سوريا كما المساعي السياسية الى بلورة هكذا حلّ مستدام، وخير دليل الى ذلك استقالة المبعوث الأممي الى سوريا ستيفان دو مستورا.
ثالثا- تفاقم الوضع الاقتصادي في ظلّ تعثّر تشكيل الحكومة والتحديات الماثلة داخليا وأوّلها ما ينتج عن أزمة النزوح، لم يعد يتيح الاسترخاء لا سيما مع تأكيدات يُراد منها تطمين اللبنانيين إلى استقرار الوضع النقدي والمالي أقلّه الى سنة من الآن. وهنا يشير متابعون الى أنّ الوضع الاقتصادي الصعب قد يكون سيفا ذا حدّين، بمعنى أنّه يشكّل، بصعوبته وتعقيداته، عائقا أمام الانزلاق الى ايّة مغامرات سياسية او عسكرية لأنها ستعني حينذاك انهيارا على كلّ المستويات، ومن أبرز التداعيات سقوط الحاضنة الدولية للبنان التي تجسّدت بمؤتمر سيدر وما يُنتظر ان يتحقّق اذا نجح لبنان بإمرار تشكيل الحكومة، كخطوة أولى.