كتب القاضي الشيخ خلدون عريمط في “الجمهورية”:
ما زال «حزب الله» الذراع العسكرية للنفوذ الايراني وفريقه السياسي، يعيش عقدة الحريريّة الوطنيّة منذ تشكيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري حكومته الأولى في تشرين الأول عام 1992.
والملاحظ انّ هذه العقدة المعقّدة ما زالت مستمرّة مع كل حكومة حريريّة برئاسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو الرئيس سعد الحريري، ولن تكون الحكومة المنتظرة للحريري الإبن هي آخرَ حلقة من حلقات العداء لهذا المشروع الوطني العروبي الّذي يسعى للالتزام بوثيقة الوفاق الوطني الّتي أقرّها مجلس النواب اللبناني في مدينة الطائف السعودية وأصبحت بعدها دستوراً جديداً للجمهوريّة اللبنانيّة.
وعقدة «حزب الله» مع الحريريّة الوطنيّة هي جزء من مشروعه السياسي الّذي يرى أنّ هذه الحريريّة الّتي يقودها الرئيس سعد الحريري وفريقه السياسي ما زالت هي العقبة الأساسيّة الحائلة دون بسط إيران نفوذها السياسي والاجتماعي والثقافي على هذا البلد العربي، ويظهر ذلك جلياً من خلال مواقف «حزب الله» الّذي يقول امينه العام السيد حسن نصرالله «مشروعنا أن يكون لبنان ليس جمهوريّة اسلاميّة وانّما جزء من الجمهوريّة الاسلاميّة الكبرى الّتي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه في إيران». ومصطلح الجمهوريّة الاسلاميّة الكبرى، هو مصطلح ايراني مذهبي يقصد به إيران، أي بعد سيطرتها على المشرق العربي ودوله ومدّ نفوذها الى العالم الإسلامي بزعم انّه الموكل اليها حكم هذا العالم نيابة عن الامام الغائب، ولا يمكن هذا المشروع أن يرى في الحريريّة الوطنيّة او في الوطنيّة اللبنانية والعربيّة حليفاً أو رديفاً، لأنّ الحريريّة الوطنيّة والّتي تعني الوطنيّة اللبنانيّة بعمقها العربي هي مشروع مناقض تماماً لمشروع «حزب الله» السياسي، الّذي يرى نفسه جزءاً لا يتجزّأ من المشروع الايراني الفارسي الّذي يحلم برفع علم ايران في الحواضر والعواصم العربيّة كما عبّر عن ذلك عدد من قيادات ايران وحرسها الثوري.
ولذلك ليس مستغرباً افتعالُ المشكلات واستحداثُ العقد في مواجهة كل حكومة حريريّة سواءٌ كان ذلك بالاعتراض على أسماء بعض وزراء «القوّات اللبنانيّة» والحزب التقدمي الاشتراكي أو باختراقه الساحة الإسلاميّة السنّية وإحداث عقدة بعض النوّاب السنّة الملحقين بمشروع «حزب الله» أو بإيجاد الأعراف وتفريغ وثيقة الطائف من مضمونها والّتي تؤكّد حصريّة تأليف الحكومة بالرئيس المكلّف بالتشاور مع رئيس الجمهوريّة، وحتى في كل بيان وزاري يُشتمّ منه إبعاد لبنان عن المشروع الايراني الّذي استخدم قضيّة فلسطين وشعبها وقدسها كما استخدم بعض الحكّام سابقاً قضيّة قميص الخليفة الثالث عثمان بن عفّان رضي الله عنه.
ومنذ عام 1992 و«حزب الله» يرفض إعطاء الثقة لأيِّ حكومة من الحكومات الحريريّة حتّى ولو شارك في بعضها، بل إنّه يحرص في استمرار على إبراز العداء للأشقاء العرب وخصوصاً لدول الخليج العربي على رغم الاحتضان العربي الدائم للبنان وشعبه من حيث اعادة البناء والاعمار لمدنه وبلداته الجنوبيّة، سواء كان ذلك ناتجاً من الحروب العبثيّة او كان من آثار العدوان الاسرائيلي المتكرّر على لبنان الوطن والشعب.
وعندما تكون الحريريّة الوطنيّة تعني لبنان أوّلاً بعمقه العربي وتعني بناء الدولة القويّة السيّدة الحرّة المستقلّة فمن المؤكّد أنّ هذه الحريريّة الوطنيّة ستبقى مناقضة لمشروع «حزب الله» الّذي يسعى منذ تأسيسه الى ربط لبنان ثقافياً وفكرياً واجتماعياً وعسكرياً وأمنياً بمشروع الجمهوريّة الاسلاميّة الكبرى الّتي يسعى اليها الولي الفقيه. ولذلك كان قول السيّد نصرالله في اكثر من مناسبة «انّ موازنة «حزب الله» ومعاشاته وأكله وشربه وسلاحه ومصاريفه من الجمهورية الاسلاميّة في ايران».
فهل إيران ومشروعها السياسي وحرسها الثوري تقدّم هذا الدعم والإنفاق حسبة لوجه الله تعالى؟! أو أنّ تضحياتها هذه لإكمال ما تصبو اليه في هذا الشرق العربي والإسلامي؟
لبنان بالنسبة الى السيّد نصرالله ما هو إلّا جزء من ايران، ولبنان بالنسبة الى الحريريّة الوطنيّة هو سيّد، حر، عربي، مستقل، متعاون مع أشقائه العرب وملتزمٌ ميثاق جامعة الدول العربيّة الّتي شارك في تأسيسها منذ نشأتها عام 1945. ومن هنا نفهم التناقض الدائم بين هذين الخيارين المتعايشين قسراً، ولا بد من أن تحسم القوة السياسيّة خيارها وخصوصاً التكتّلات والتيارات والاحزاب الّتي تؤكّد في ادبيّاتها نهائيّة الوطن اللبناني ودوره الرسالي في أن يكون جسراً حضارياً بين الشرق العربي والغرب بكل تنوّعاته، ومن غير الإنصاف في شيء أن تبقى الحريريّة الوطنيّة والقليل من حلفائها في المواجهة غير المتكافئة، وأن يبقى بعض القوى في مرحلة الانتظار والمراقبة واللامبالاة.
فسيادة لبنان وعروبته واستقلاله، مسؤوليّة مشتركة ليبقى لبنان وطن الانسان والابداع والوجه العربي المشرق لهذا الوطن العربي الكبير الّذي يعاني من الطامعين والطامحين والمستكبرين.