Site icon IMLebanon

دولة القانون تخضع لقانون الأقوى!

كتب د. مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:

للأسف، لم يعد خافياً على اللبنانيين أنّ صاحب القوّة يُرسي قواعد اللعبة، ويفرض تطبيق القانون بما يحمي مصالحه. وحادثة بلدة الجاهلية، التي هزّت أمن لبنان الأهلي والسياسي، خير دليلٍ على ذلك.

في مراجعة للمشهد، أطلَّ الوزير السابق على الشاشات بدور الضحية، وقد استبق المسار القانوني الذي ستسلكه قضيّته، بعملية ممنهجة للتأثير على الرأي العام، عبر حرف المعلومات، وتحويل الأنظار عن مسار العدالة، فكان التهوين والتقليل من شأن القضية، التي صوّرها للعلن على أنّها مسألة قدح وذم، صدرت عنه في لحظة غضب وانفعال، أي «جريمة قولٍ» لا أكثر، اعتذر عنها بعد أنْ تناول الأعراض وكال الشتائم من العيار الثقيل، ما أغضب الشارع السنّي، وكاد يشعل فتنة، وقد حاول الرجُل الذي يتّقن فن المواربة استمالة جزء من الرأي العام، موهماً إيّاه بأنّ ما حصل هو تعدٍّ على حرمات الجبل من خلال «زَحف عسكري» نحو بلدة الجاهلية بهدف اغتياله.

وفي محاولة التفاف هجومية واضحة ذهب إلى حدّ إطلاق الوعيد تجاه شخصيات قضائية وأمنية قائلاً: «الآن أصبحت هناك دماء بيننا»، كما استعار قصة رئيس الجمهورية السورية العاشر أديب الشيشكلي، الذي اغتاله شاب درزي في البرازيل، انتقاماً من ممارساته العسكرية ضد الدروز في منطقة جبل العرب آنذاك. ولم يصدر أي رد فعل عن الأجهزة القضائية المختصة، إزاء هذا التهديد العلني الواضح، الذي يعاقب قانون العقوبات اللبناني عليه.

ببساطة، لم يكن الرجل ليفعل كل هذا لولا دعم حليفه الأقوى، الذي أحاطه بغطاءٍ حقّق له «توازناً بالردع» أساسه فائض القوّة، معزّزاً بذلك حضور الوزير السابق على الساحة السياسية عموماً والدرزية خصوصاً.

إنّ حادثة الجاهلية وما نتج عنها، كما سابقاتها من الحوادث، هي دلالةٌ على حتمية وقوع تعقيدات أمنية في كل مرّة يحاول القانون أن يأخذ مجراه بوجه طرفٍ «مدعوم»، بذريعة تفادي زعزعة السلم الأهلي، فيصبح القضاء هو الجلاد والطرف الآخر هو الضحية، وبذلك تتلاشى دولة القانون ويسود قانون البقاء للأقوى.

لذلك كلّه، يستحيل أنْ تحكم دولة القانون في لبنان، وأنْ تُعيد تكوين هيبتها، طالما هناك أطراف أقوى من الدولة ذاتها، وتُعتبر نفسها فوق القانون، وتستطيع أنْ تتحكم بمفاصل الحكم ومؤسسات الدولة.

لا يبقى سوى الشعور بالأسف على لبنان الرسالة والحضارة، الذي اقتادته الطبقة السياسية بفعل عنجهيّتها وأنانيّتها وقصر نظرها إلى عصر «الجاهلية» والجهالة.. حقاً هزُلت!