كتب نذير رضا في صحيفة “الشرق الأوسط”:
سيضع الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، تعثر تشكيل الحكومة، في حال الاستمرار به، في عهدة مجلس النواب، من غير أن يُكشف عن موضوع الرسالة التي ينوي إرسالها إلى البرلمان والمطالب التي تتضمنها، في وقت تحدث مصدر مقرب من الرئيس المكلف سعد الحريري بأنه يرفض «الإخلال بالتوازنات»، كما يرفض تقليص تمثيله السياسي في الحكومة، وفرض «أعراف جديدة»، واقتراح تشكيل حكومة من 32 وزيراً.
ويسعى الرئيس عون لوضع الأمور بعهدة البرلمان الذي يصوت أعضاؤه لاختيار الرئيس الذي يكلف بتشكيلها، وللبرلمان صلاحية المصادقة على بيان الحكومة الوزاري، في وقت تزداد التحديات الاقتصادية الداخلية، والتحديات الأمنية، تحديداً على الحدود الجنوبية، إثر تهديدات إسرائيل بتوسيع رقعة عملياتها إلى الداخل اللبناني بعد اكتشاف نفق يمتد من الجنوب إلى ما وراء الحدود اللبنانية.
ورغم العقبات والضغوط التي يمارسها «السنة المستقلون» المتحالفون مع «حزب الله» على الرئيس المكلف سعد الحريري، وتحميله مسؤولية عدم الاستجابة لمطالبهم، إلا أن أوساط «تيار المستقبل» تؤكد أن هناك وقائع لا مفر منها، أهمها أن لا بديل عن الرئيس الحريري، والحاجة إلى مظلة دولية وعربية يوفرها وجوده على رأس الحكومة. وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «ثقة المجتمعين العربي والدولي معقودة للحريري بما يمثله من دعم ومصداقية، فضلاً عن أنه يحظى بإجماع لبناني على ضوء تكليفه من قبل 111 نائباً، وبالتالي سيستمر رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة». وأكدت أنه «من الأفضل للجميع إفساح الطريق أمام الحريري للوصول إلى حكومة مؤلفة من فريق متجانس تستطيع أن تنجز وتواجه التحديات والاستفادة من مقررات مؤتمر (سيدر) لتأمين حل للمشكلات الاقتصادية الداخلية».
لكن مسار التشكيل الآن، وبعد الجهد الذي بُذل لتمثيل القوى الفائزة في الانتخابات النيابية الأخيرة في الحكومة، كل بحسب حجمه، يصطدم بعقبة تمثيل «السنة المستقلين» الستة التي طالب بها «حزب الله» مطلع الشهر الماضي، بعد تذليل العقبات الأخرى.
وأكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، أمس، «أن فخامة الرئيس يعتبر أن حق تسمية دولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة منحه الدستور إلى النواب من خلال الاستشارات النيابية الملزمة (المادة 53 – الفقرة 2). وبالتالي، فإذا استمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، فمن الطبيعي أن يضع فخامة الرئيس هذا الأمر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه».
ويُرجع «تيار المستقبل» العرقلة إلى «تعطيل إعلان حكومة كان متوافقاً عليها بين الرئيسين عون والحريري، بمعرفة ورضا الرئيس بري في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما سحب (حزب الله) ورقة من تحت الطاولة، هي ورقة النواب الستة الذين جمعهم على عجل لمحاولة قضم وزير إضافي ولتعطيل التكليف، وربما لأهداف أخرى مثل الثلث المعطل وغيرها»، بحسب ما قال عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجار لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «من يعطل التأليف اليوم هو (حزب الله)».
وقال الحجار: «الرسالة التي سيرسلها الرئيس عون إلى البرلمان، هي حقه الدستوري، ولا أحد يناقش بهذا الحق الدستوري والمنصوص عليه بمنحه صلاحية واضحة بهذا الاتجاه». ومع ذلك، أكد الحجار أنه «لا يمكن لأي طرف أن يصل إلى مكان للنيل أو تحجيم أو الحد من صلاحيات الرئيس المكلف ومحاولة فرض أعراف جديدة تمس الدستور، وتتجاوز الأحكام الدستورية الواضحة ومقتضيات الوثاق الوطني».
وعما إذا كانت رسالة تصعيد في ظل التعثر في الاتفاق على تشكيل الحكومة، قال الحجار: «البعض يحاول إشراك البرلمان بنقاش للضغط على المعطل الأساسي وهو (حزب الله) ليوقف تعطيله»، رافضاً الإجابة على افتراضات حول ما إذا كان «المستقبل» قد يشارك في جلسة نيابية يدعو إليها رئيس البرلمان للتباحث بمضمون رسالة رئيس الجمهورية للبرلمان.
وجدد الحجار التأكيد على أن مقترح الـ32 وزيراً سحب من التداول، ولا فائدة في العودة إليه، ولم يطرأ أي جديد بعد 29 أكتوبر الماضي، مشدداً على أن «طرح أفكار تريد مسخ أو تحجيم الحجم التمثيلي السياسي لرئيس الحكومة أو فرض أعراف جديدة على الدستور وأصول تأليف الحكومات، هو أمر لن يمر».
وقال الباحث في القانون الدستوري الدكتور وسيم منصوري، إن النظام الداخلي لمجلس النواب تحدث عن آلية استقبال رئاسة المجلس للرسالة، وعرضها على النواب خلال اجتماع للمجلس يدعوه فيه للانعقاد والتباحث بشأن الرسالة، مشيراً إلى أن الرسالة من الناحية القانونية «غير ملزمة للنواب لأن البرلمان هو سيد نفسه، لكن لها قوة معنوية كونها مرسلة من رئيس البلاد، ويتم التعاطي معها بقدر كبير من الجدية بالنظر إلى موقعه». وأكد منصوري أنه «ليست هناك شروط تقع على البرلمان لكيفية التعاطي معها، وهو أمر غير منصوص عليه في الدستور، وبالتالي يتعاطى معها البرلمان بالطريقة التي يراها مناسبة» لناحية اتخاذ إجراءات أو القيام بأي خطوة أخرى.
وقال منصوري إن السؤال اليوم حول مضمون الرسالة، وما إذا كانت هناك طلبات محددة، موضحاً: «إذا كانت الرسالة تحث البرلمان على تشكيل الحكومة، فهنا لا دور للبرلمان ولا قدرة له على التدخل كون تشكيل الحكومة، بحسب الدستور، هو من مهمة الرئيس المكلف تشكيلها ورئيس الجمهورية»، مشيراً إلى أن السؤال اليوم عن فحوى الرسالة، وماذا سيطلب رئيس الجمهورية من البرلمان فيها.
ولفت منصوري إلى أن إرسال الرئيس عون رسالة إلى المجلس حول تشكيل الحكومة، هو الأول من نوعه منذ «اتفاق الطائف»، رغم أن إرسال رؤساء رسائل إلى البرلمان حصل في وقت سابق، حين أرسل الرئيس السابق ميشال سليمان رسالة إلى مجلس النواب حول إقرار قانون للانتخابات، وكانت مسألة معنوية بما يتخطى أن يكون لها أي تأثير دستوري.