كتبت كاتيا توا في “المستقبل”:
على وقع اللطم و«التطبير»، «افتتح» الموقوف الوحيد في جريمة اغتيال القضاة الأربعة في صيدا العام 1999 الفلسطيني وسام طحيبش، جلسة محاكمته أمام المجلس العدلي برئاسة القاضي جوزف سماحة، الذي نبّهه في مستهل الجلسة التي كانت مخصصة لاستجوابه، إلى الالتزام بالهدوء والإجابة على الأسئلة التي تُطرح عليه، ليوضح طحيبش أن ما أتاه نابع من كونه «مظلوم»، وقد «افتري» عليه في قضية لا علاقة له بها لا من قريب أو بعيد.
في المقلب الآخر داخل القاعة، وقفت جهة الادعاء التي مثّلت عائلات القضاة الشهداء، فحضر عن أرملة الشهيد حسن عثمان المحامي ياسر عاصي، وعن أرملة الشهيد عاصم بو ضاهر المحامي بلال بو ضاهر وعن أرملة الشهيد وليد هرموش التي حضرت الجلسة بالذات، المحامي منيف حمدان، فيما لم تتخذ عائلة القاضي الشهيد عماد شهاب صفة الادعاء الشخصي في هذه القضية. كما لم يحضر أي من المدعين الذين أصيبوا خلال ارتكاب الجريمة.
ينفي طحيبش، الذي أُعيد إلى السجن بتهمة اشتراكه في قتل القضاة الأربعة، بعد توقيف دام 11 عاماً في دعاوى أخرى تتصل بجرائم قتل وإرهاب، برّىء من معظمها، أي علاقة له في الجريمة فـ«أنا أخاف من ذبحة خروف»، لأنه يخاف «أعمال العنف والقتل»، وجاء تبريره حمل مسدس بشكل دائم في مخيم عين الحلوة، لكون المخيم كـ«باب الحارة حيث جميع الرجال يحملون خنجراً فيما نحن في المخيم نشأنا على حمل السلاح».
تركزت أسئلة المجلس كما جهة الادعاء على إفادة الشاهد عامر درويش الذي أدلى بتلك الإفادة بعد خمسة أشهر على وقوع جريمة الاغتيال الرباعية، والتي أكد فيها أن المتهم طحيبش كان أحد المشاركين فيها، وفق ما أخبره حسان الشهابي بذلك، ليأتي جواب المتهم بالنفي وإصراره على مواجهة الشاهد المذكور، موضحاً أن حسان الشهابي قُتل قبل 20 عاماً أثناء سرقته مصرفاً، وواصفاً أقوال الشاهد عنه بأنها «افتراء». وذهب طحيبش إلى اتهام «الموساد الصهيوني» بتنفيذ الجريمة، مستقياً معلوماته من المخيم، وهل هذا يعني أن عصبة الأنصار عميلة للموساد؟ قال طحيبش: «الله أعلم»، فيما ذكر أمام المحقق العدلي أن الذي اشترك في الجريمة ربما يكونان عبدالله الشريدي وحسان الشهابي، بعدما نفى علاقته بها.
تحدث طحيبش عن علاقته بتنظيم «عصبة الأنصار» الذي انتمى إليه بهدف الزواج من ابنة رئيس العصبة، فراح يشاركهم في الصلاة وسماع الخطب الدينية في مسجد الصفصاف في المخيم، وكان يوهم «العصبة» بولائه لها، إلى أن عقد القران على ابنة رئيسها حيث بات حينها مهدداً بالقتل بعدما اعتبر بأنه «خائن ومرتد وكافر»، وقد غدر بهم.
وحول ما ذكره الشاهد درويش من أن عبدالله الشريدي أخبره أن المتهم وحسان الشهابي دخلا إلى قصر العدل في صيدا وأطلقا النار داخل محكمة الجنايات في صيدا، أجاب المتهم: «هذا الكلام لا يرضي عدالتكم ولا عدالة السماء»، نافياً أن تكون لديه أي معلومات عن الجريمة «لو توافرت لأدليت بها أثناء توقيفي».
وسئل المتهم عن علاقته بباقي المتهمين الفارين، فنفى معرفته بكل من حسين محمد شاهين وجهاد عويدات السواركة، أما ابراهيم لطفي فقد قتل في العراق ومحمود حسين مصطفى فاستلم العصبة مكان أحمد السعدي «أبو محجن»، «إنما لم تكن لدي أي علاقة به».
وما معلوماته عن سبب اغتيال عبدالله الشريدي؟ قال المتهم إنه لا يعرف إنما كان برفقته مع آخرين في سيارة عندما جرى إطلاق النار عليهم «وقيل حينها إنهم جماعة فتح أبو عمار»، موضحاً أنه لم يسمع أن هذه الحادثة لها علاقة باغتيال القضاة الأربعة.
وبعدما أفاد بأنه يعرف عماد ياسين (موقوف في عدد من الملفات تتعلق بداعش والإرهاب)، نفى طحيبش علمه بما ذكره ياسين كشاهد في الجريمة بأن أبو محجن قتل حسين شاهين الذي كلفه من بين آخرين بالجريمة وعاد وقتله بسبب توقيت ارتكابها. وردّ على ما ذُكر في التحقيق بأن ثمة من شاهده في السيارة التي أقلت الجناة إلى قصر العدل في صيدا يوم الجريمة: «مش مظبوط ولدي شهود على أنني كنت في سوق الخضار حيث أعمل»، طالبت بمواجهة الذي ذكر هذه الواقعة.
أما لماذا بقي في المخيم طالما أنه كان مهدداً بالقتل؟ قال طحيبش: «كيف يعقل أن يغتالوا جميع الذين يكفرونهم في المخيم، وأنا مضطر للعمل كي أعيش». وأضاف: «أنا لم أتورط بالدم وأخاف من ذبحة خروف، واتهمت بقتل أمين كايد وقد برأتني محكمة الجنايات من ذلك».
ويروي طحيبش كيف أوقف سابقاً، فيقول إنه عندما اشتدت عليه الأمور داخل المخيم لجأ إلى مسؤول اللجنة الأمنية في المخيم عدنان الرفاعي وأخبره عن رغبته بتسليم نفسه لحماية عائلته حيث اتصل الأخير بثكنة محمد زغيب في صيدا فاستمهله مؤهل أسبوعاً ليخبره الأخير بأنه متورط بقضايا فيها دم، وأنه بعد فترة من ذلك اتصل باللواء عباس ابراهيم وكان حينها عقيداً في الجيش وأبلغه عن رغبته تلك، فطلب منه ابراهيم أن يحضر للنظر في أمره، إلا أن طحيبش خاف سوء العاقبة فهرب برّاً عن طريق التهريب إلى تركيا لمدة ثلاثة أشهر، ولكن بسبب شوقه إلى عائلته عاد إلى لبنان حيث أبلغ اللواء ابراهيم، عن طريق منسق العلاقات الفلسطينية – اللبنانية بعودته ليُصار إلى توقيفه أثناء دخوله إلى المخيم.
وفي رده على أسئلة الادعاء، بقي طحيبش على إنكاره حول معرفته بالشاهد درويش الذي ذكر أيضاً في إفادته أنه ليلة الجريمة شاهده يسير العرجاء في أحد الزواريب في المخيم، وأنه على معرفة بالمتهم ليجيب الأخير: «أبداً، أبداً ولا أعرف هذا الإنسان الذي يفتري علي». أضاف: «من هو درويش، وأين هو؟». وأوضح أن سبب إصابته في رجله نتيجة حادث صدم تعرض له عام 1993. وحول ما أدلى به المتهم من أنه يخاف الدم ويحمل مسدساً في الوقت نفسه، أجاب:«هذا ما حصل»، مشبهاً المخيم بباب الحارة حيث في الحارة يحمل الرجال الخناجر «فيما نحن في المخيم نحمل السلاح كما تربّينا».
وعاد الادعاء ليسأل المتهم عن تلك الإفادة التي أكد فيها درويش أنه كان يتردد إلى منزله وشاهده يحمل مسدساً نوع توغاريف، ليشبه المتهم قضيته بقضية الفنان المسرحي زياد عيتاني «الذي شاهدته في السجن يبكي لأنه مظلوم، وأنا كنت أبكي أيضاً وأقول له إنني مظلوم إنما أنا لا يوجد أحد ورائي إلا عدالتكم».
وخانت المتهم ذاكرته حين سئل عن تاريخ زواجه من ابنة رئيس عصبة الأنصار، وإذا كان ذلك قبل الجريمة أو بعدها؟ مؤكداً أنه لا يوجد خلاف بينه وبين عماد ياسين إنما منسق العلاقات اللبنانية – الفلسطينية طلب منه أن يبتعد عن ياسين لأنه كافر.
وتحدث المتهم عن مشاركته الأردني نصر أبو صيام في سرقة مصرف في صيدا «لأنني كنت أريد المال بقصد الزواج»، مشيراً إلى أن هذه الحادثة حصلت قبل العام 1999 على ما يذكر. وأضاف عن أبو صيام أنه كان ينتمي إلى العصبة إنما لم يسبق للمتهم أن اشترك مع أي عضو فيها بأي عملية أو جريمة.
وبسؤال وكيله المحامي ناجي ياغي، أكد المتهم أن إفادته التي أدلى بها سابقاً هي نفسها التي يدلي بها الآن أمام المجلس العدلي، ولم يبدّل في أي شيء فيها.
وقرر المجلس في نهاية استجواب طحيبش إرجاء الجلسة إلى 22 شباط المقبل لسماع إفادات ثلاثة شهود هم عامر درويش وعماد ياسين وابراهيم غصن، بعد أن طلبت جهتا الادعاء والنيابة العامة الممثلة بالقاضية ميرنا كلاس استدعاءهم للشهادة.