كتب سمير عطا الله في صحيفة “الشرق الأوسط”:
ودعت أنجيلا ميركل حزبها الحاكم بعد 18 عاماً من زعامته. في نهاية الخطبة وقف أركان الحزب يهتفون طوال عشر دقائق متواصلة: شكراً أنجي. Danke Angie. وحبست دموعها. ألمانيا تطوي صفحة من تاريخها السياسي بزعامة امرأة، وتتوقع مرحلة أخرى بقيادة امرأة أيضاً.
وفي لندن، التي تخرج من أوروبا بقيادة امرأة، يبدو المشهد مقلقاً وحزيناً بالنسبة إلى تيريزا ماي. كانت ميركل النقيض تماماً: فتحت أبواب ألمانيا بدل إغلاقها. شددت على الانتماء الأوروبي. وانتقدت، حتى في خطابها الأخير، سياسة الوقوف في وجه التعددية، وعودة الشعور القومي، منتقدة بذلك ماي وترمب، الذي رفع شعار «أميركا أولاً».
تنتقل القيادة السياسية في ألمانيا من سيدة إلى أخرى بكل هدوء، فيما تهتز جارتها الفرنسية بعنف وخوف. وما بين السنة الأولى لماكرون والسنة الأخيرة لميركل، يبدو الحال في البلدين شديد الاختلاف. والوضع العام في ألمانيا ليس صافياً تماماً، لكنه أفضل بأشواط مما هو عليه في بلاد الفرنسيين والإنجليز، كما يسمي الألمان جيرانهم الكبار.
هل تقاعدت أنجيلا ميركل برضاها التام؟ أشك كلياً في ذلك. فالمستشار في ألمانيا بشر هو أيضاً. والذين يحبون الأكل يحسدون وهم خارجون من المطعم الداخلين إليه. ومع أن ميركل اختارت خليفتها بنفسها، يظل هناك فارق أساسي: إنها ليست نفسها.
لكن القرار في الدول الديمقراطية ليس للفرد مهما علا شأنه. وعندما يذهب الحاكم إلى التقاعد لا يُقاس عهده بالسنين والولايات، وإنما بما ترك للناس وللبلد. ومنذ فيلي برانت يترك المستشارون لأهلهم في ألمانيا ما يتذكرونه بهم على مدى التاريخ. عفواً، أردت أن أقول منذ أيام كونراد أيديناور، معلم المدرسة السابق، الذي أعاد بناء ألمانيا. كان هناك مستشارون عاديّون، لكن لم يمر بالبلاد مستشار سيئ، أو فاشل. ومنذ أيام أيديناور إلى ميركل وخليفتها، جاءوا جميعاً من خلفيات بسيطة وطبقة اجتماعية متوسطة. لكنْ كل منهم على طريقته وضع حجراً ما في رفع ألمانيا نفسها.