كتبت هلا صغبيني في صحيفة “المستقبل”:
في نهاية تشرين الثاني، زار وفد من جمعيّة مصارف لبنان، واشنطن ونيويورك. هي زيارة تأتي بعد شهر على إقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانون عقوبات معدَّلة ومشدَّدة على «حزب الله» كجزء من الضغط على إيران.
فهل هناك من تطوُّر ما استدعى زيارة وزارة الخزانة الأميركيّة والمصارف المراسِلة أم كانت زيارة روتينيّة؟ وهل لهذه الزيارة رابط بالتصريح الذي ادلت به وكيلة وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب واستخبارات التمويل، سيغال ماندلكر من أن «المصارف اللبنانية قد تواجه عقوبات لتعاملها مع حزب الله»، وأنَّ «عليها أن تستأصل الحزب من نظامها المالي» وان «الرسالة وصلتهم بوضوح وبأعلى صوت».
رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه يوضح في حديث الى «المستقبل» ان زيارة وفد جمعيّة المصارف تأتي ضمن خانة الزيارات الدوريّة الروتينيّة للسلطات الأميركيّة ولقاءاته مسؤولين في مراكز القرار الأميركيّة، بما فيها مجلس النوّاب الأميركي، ومجلس الشيوخ، ووزارتَي الخارجيّة والخزانة. وقد هدفت هذه الزيارات أيضاً إلى التواصل مع المصارف المراسِلة وتوطيد العلاقات معها، إضافةً إلى التداول بأحدث التطوّرات على الساحتَين المحليّة والدوليّة. وذكّر طربيه بأنّ زيارات جمعيّة المصارف للولايات المتّحدة الأميركيّة حقّقت نتائج إيجابيّة، وخصوصاً لناحية تعبير كبار المعنيّين في المصارف المراسِلة عن إرتياحهم للتعامل مع المصارف اللبنانيّة نتيجة إلتزام هذه الأخيرة قواعد العمل المصرفي الدولي وحسن نظام إدارة المخاطر لديها.
يتيح التحديث الجديد لقانون العقوبات الاميركي للرئيس صلاحيّات توسيع دائرة العقوبات وإبلاغها الى الكونغرس. فهل هذا التحديث يعني ان العقوبات على «حزب الله» ستصبح قيداً جدّياً أو معوقاً على نشاط المصارف؟ وهل هذه الاخيرة في حاجة إلى تشريعات جديدة أو إجراءات في هذه الحال؟
«لا توجد أيّ علاقات ماليّة ومصرفيّة مع المؤسّسات التابعة لحزب الله. وبالتالي فإنَّ المصارف في لبنان ملتزمة بالتشريعات الجديدة ومضبوطة إلى الحدّ المطلوب» يجيب طربيه. فـ«القطاع المصرفي اللبناني لطالما كان ولا يزال مُلتزماً بجميع المعايير والقوانين الدوليّة، لا سيّما تلك التي تعنى بمكافحة تبييض الأموال، كذلك الأمر بالنسبة إلى القانون الأميركي الجديد، وذلك من أجل الحفاظ على سلامة أموال المودعين وتجنيب القطاع أيّ خضّات».
ويستبعد طربيه ان يطرأ أي تغيير على السياسة التي تتقيّد بها المصارف في ظلّ الإجراءات والتعاميم التي أصدرها ويُصدرها مصرف لبنان بهذا الخصوص. ويقول ان جمعيّة المصارف تواكب التطوُّرات الحاصلة على هذا الصعيد بإستمرار، و«لن تألو جهداً لحماية القطاع المصرفي ومودعيه، القائم على إستمرار الإلتزام بالقوانين والإجراءات الدوليّة في هذا الإطار»، مثنياً على ما يقوم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في هذا الشأن والذي «يسهر على إستمرار القطاع المصرفي بتطبيق نظام فعّال للإمتثال».
الفوائد
منذ اشهر عدة، بدأت معدلات الفوائد تشهد ارتفاعات متسارعة ترتبط في جزء منها الى ارتفاع الفوائد عالميا. وفذ هذا الوقت، كانت هوامش السياسة النقديّة غير التقليديّة التي اضطرّ مصرف لبنان إلى إتّخاذها، تتراجع. فهل يعني ان رفع معدلات الفوائد سيكون الحل الوحيد لضبط الوضع واستمرار تدفق الاموال الى لبنان؟
يصف طربيه السياسة النقديّة التي إتّبعها مصرف لبنان بـ«المؤاتية» في ظلّ الأوضاع السائدة في البلاد، وهي ترمي إلى تعزيز إحتياطاته بالعملة الأجنبيّة لضمان استقرار سعر الصرف عن طريق إستقطاب ودائع جديدة والحدّ من خروج الودائع أو تحويلها من الليرة اللبنانيّة إلى الدولار الأميركيّ في ظلّ إستمرار الأزمة السياسيّة التي تمرّ بها البلاد، والتأخُّر في تشكيل الحكومة اللبنانيّة، وتصاعُد التوتُّرات وإزدياد منسوب العنف في البلاد.
ويشرح ان ارتفاع بنية الفوائد له اسباب خارجية ايضا، أبرزها رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة ثلاث مرّاتٍ خلال العام 2018 كان آخرها في شهر أيلول الماضي حين زادت بربع نقطة لتتراوح بين 2 في المئة و2.25 في المئة، أي عند المستوى التي كانت عليه في شهر نيسان 2008. هذه الزيادات إنعكست على السوق المحلّية نتيجة إرتباط سعر صرف الليرة اللبنانيّة بالدولار. يضيف طربيه انه يتوقع ان نشهد زيادةً رابعة في معدّلات الفائدة الأميركيّة خلال ما تبقّى من هذا العام، لتتبعها ثلاث زياداتٍ جديدة في العام 2019 وزيادةٌ واحدة في العام 2020. اما البدائل التي يمكن اللجوء إليها لضبط الوضع، فهي، بحسب طربيه، تتطلّب جواّ من الإستقرار السياسيّ وعودة الثقة إلى الإقتصاد الوطنيّ بدءاً من تشكيل حكومة جديدة والعمل بالإصلاحات لإستقطاب الإستثمارات التي تمّ التعهّد بها في مؤتمر «سيدر».
نضوب الموارد المصرفيّة
التسليفات الى القطاع الخاص شهدت في العام الجاري تراجعا لافتا، قابلها تنامي الطلب على تمويل الدولة مع بلوغ العجز مستويات غير مسبوقة. فهل يعتبر نمو الودائع المصرفية كافيا لتلبية حاجات الخزينة، وكيف يمكن مواجهة نضوب الموارد المصرفيّة؟
يقول طربيه «إنّ الأوضاع الإقتصاديّة والسياسيّة المحليّة والإقليميّة ذات أثر سلبيّ على تطوُّر محفظة التسليفات في ظلّ تراجُع مستويات النموّ الإقتصادي. أمّا في ما يخصّ الموارد الماليّة، فإن التحويلات إلى لبنان كانت ولا تزال متينة رغم شتّى الصدمات التي عصفت بالبلاد مع توقُّعات معهد التمويل الدولي أن تحافظ على مستوياتها العالية عند حدود الـ8 مليارات دولار في 2018. كما إنّ وتيرة نمو الودائع في القطاع المصرفي اللبناني بقيت إيجابيّة عند حوالي 3 في المئة لغاية شهر أيلول». وهو يعتبر ان هذه الموارد جميعها تشكل سيولة إضافيّة في القطاع المصرفي تُساهم في درء أيّ تحدّيات جديدة قد تُصيب لبنان، داعيا جميع الأفرقاء السياسيّين إلى حلّ الخلافات السياسيّة بأسرع وقت للنهوض بالبلاد.
تحدّيات جديدة
الى ذلك، فان المصارف تواجه اعباء تقنيّة جديدة من اجل الامتثال للمعايير الدوليّة، كمتطلّبات «بازل» لرأس المال والأموال الخاصّة، والمعايير المحاسبيّة الجديدة، ومشتقّات التكنولوجيا المصرفيّة وسواها. بالإضافة الى الأعباء التشغيليّة التقليديّة. وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المصارف على مواجهة جميع هذه التحديات، ومدى تأثيرها على أرباح المصارف والعائد على التوظيفات في القطاع.
يؤكد طربيه هنا ان المصارف اللبنانيّة ملتزمة بتطبيق المعايير الدوليّة كافة. فـ«تكلفة الإمتثال تبقى أقلّ بكثير من تكلفة عدم الإمتثال في ما يخصّ إدارة ومعالجة المخاطر من جهة، والمحافظة على صدقيّة القطاع المصرفي اللبناني وشفافيّته تجاه المصارف المُراسلة والمجتمع الدولي من جهةٍ أخرى».
ولكن، هل سلّمت المصارف بما وصفته الجمعية بالازدواج الضريبي على فوائد توظيفاتها لدى الدولة ومصرف لبنان؟ هل هناك تغيير في موقف وزارة المال؟
يجيب: «فرضت وزارة المالية ضريبة على الفوائد الناجمة عن توظيفات المصارف اللبنانية مع مصرف لبنان والدولة اللبنانيّة منذ بداية العام الحالي ما ينتج عنه إزدواج ضريبي عند الأخذ في الإعتبار الضريبة على الأرباح التي تحقّقها تلك المصارف، ممّا رفع حجم الإقتطاع الضريبي على المصارف من 17 في المئة المطبّقة على شركات الأموال إلى ما يتجاوز الـ40 في المئة، ما يُعتّبّر من أعلى المعدّلات الضريبيّة المعروفة في العالم. وقد قدّمت، جمعيّة المصارف إعتراضات بهذا الخصوص لإبطال هذه الضريبة بقيت حتّى اليوم دون نتيجة بالرغم من أضرار هذا الإزدواج الضريبي على المناخ المصرفي والإستثماري في لبنان».