بعد أن أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون مبادرة لتأليف الحكومة، بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري وسائر المسؤولين المعنيين بالأزمة، فإن كلام النائب الوليد سكرية الذي رفض أن “يتمثّل “اللقاء التشاوري” في الحكومة من حصة الرئيس عون”، يأتي عكس المبادرة.
ماذا يعني هذا الرفض في قاموس مسار التأليف الذي كلما اقترب من صفحة النهاية، يُطل ما يعيده الى المقدمة؟
مصادر سياسية في فريق “14 آذار” تقول لـ”المركزية” ان ما يدور على ارض الملعب الحكومي منذ لحظة التكليف حتى الساعة، عبارة عن رغبات دفينة في نفس “حزب الله” حان وقت اخراجها الى العلن ولو تمويها، فهو وضع معادلة لن يتراجع عنها “حكومة بشروطي او لا حكومة”، فحينما كان مكمن العلة لدى سائر القوى السياسية، الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” قبع في مدرّج المتفرجين، ولما آن الاوان وحُلت العقد وقبل ان يتنعم الرئيس المكلف بنشوة اصدار مراسيم حكومته في 29 تشرين الاول الفائت، اخرج من جعبته عقدة توزير احد النواب السنّة الستة واحجامه عن تسليم الرئيس المكلف اسماء وزرائه الثلاثة حتى يكون له ما يريد.
فهل يريد حقا وزيرا اضافيا من حصته مموها بالمطلب السني المعارض ام يتطلع الى ما هو ابعد بأشواط من اللعبة الحكومية برمتها؟ توضح المصادر ان مرمى الحزب ليس وزيرا بالزائد او بالناقص للتحكم بالحكومة في زمن الاستحقاقات التي تحاصره من الداخل والخارج كما يعتقد البعض، انما تثبيت قاعدة “الامر لي” وفرض المثالثة ان لم يكن دستوريا، حيث فشلت حتى الساعة كل المحاولات التي بذلها في هذا الاتجاه منذ اتفاق الدوحة، فبالقوة عن طريق منع تشكيل الحكومة بتوقيعي الرئيسين المسيحي والسني وممارسة “الفيتو” على مرسوم تشكيل الحكومة وجعله أمرا طبيعيا قبل التشكيل، ثم في داخل الحكومة. وواقع الحال، انه مارس اللعبة نفسها مع انطلاق مفاوضات التشكيل بالضغط في اتجاه تكريس عرف التوقيع الشيعي الثالث عن طريق الاصرار على منح حقيبة المال السيادية للفريق الشيعي.
في ظاهر الأمر، تضيف المصادر، إن “الفيتو” الموضوع على تشكيل الحكومة طائفي سنّي ما دام سنّة 8 اذار يرفعونه، غير انه في الواقع شيعي بامتياز، اذ ان القاصي والداني يعرفان ان الحزب يقف خلف هؤلاء ويسعى شيئا فشيئا نحو كسر “الثنائية” لمصلحة الثلاثية وفرض المثالثة ضمن المناصفة اذا تعذر، وقد فرضها عمليا من خلال تساوي مقاعد الوزراء الموارنة والسنّة والشيعة في الحكومات، ويقبض بالعقدة السنية وعدم تسليم اسماء وزرائه على فيتو يوازي توقيعي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لاصدار مراسيم الحكومة، ويتحوّل الى شريك واقعي فعلي في التأليف.
وتعتبر المصادر ان ما يحصل راهنا هو انتقال صريح من “مسمّيات” شتى نحو المجاهرة بـ”حقّ الفيتو” موضحةً أنه عنوان “للمثالثة” المبطنة بدل المناصفة، وما هو غير متاح دستوريا يمكن ان يفرض فرضا من خلال ازمة حكومية تقر بحيثيته وحقه المستند الى شعبية ثابتة كرستها الانتخابات النيابية عن طريق القانون النسبي، وحين تحين الساعة وتكتمل الظروف، تكون الارضية جاهزة لـ”دوحة جديدة” او طائف -2.