كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
غادر القيادي في «حماس» محمود الزهار العاصمة اللبنانية، أمس، بعد زيارة شملت محطات رسمية وشعبية على مدى سبعة أيام. الزيارة الأولى من نوعها، منذ إطباق الحصار على غزة، يمكن أن تُتوج نتائجها مع زيارة أخرى لبيروت مرتقبة من رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. يأتي ذلك في ظل أزمة كبيرة تشهدها حركة فتح
بقصد أو من غير قصد، تزامنت زيارة الوفد «الحمساوي» (الغزّاوي) للبنان مع الذكرى الـ31 لتأسيس حركة المقاومة الإسلامية ـــ حماس، وأيضاً مع الذكرى الـ26 لإبعاد العشرات من قيادييها إلى مرج الزهور في لبنان. كذلك، وفي إطار آخر، تزامنت مع «الأزمة الوجودية» التي تعيشها حركة فتح التي يبعدها رئيسها محمود عباس عن خيار الجماهير بالمقاومة المسلحة. ففي حين يُعلن عباس بالفم الملآن أن الصواريخ لا تنفع ضد اسرائيل، يحظى نموذج محمود الزهار باستقبال متنوع في مخيمات اللاجئين. الأخير، رئيس وفد «حماس» البرلماني الزائر، هو أحد مؤسّسي الحركة ووالد لشهيدين ضد العدو وأحد القادة الذين أبعدهم العدو الإسرائيلي في 16 كانون الأول عام 1992 من الضفة الغربية وغزة إلى لبنان. خلال ذلك الإبعاد القسري، الذي دام لعام كامل، زار الزهار و إخوانه، ومنهم إسماعيل هنية، مخيمي المية ومية والرشيدية. وخلال الأسبوع الماضي، عاد الزهار إلى المخيمين المذكورين، لكن الظروف لم تكن نفسها.
فور إعلان زيارته للمخيم الواقع في منطقة صور، خلال الأسبوع الفائت، لإلقاء خطبة الجمعة، انطلقت حملة نُسِبت إلى أشخاص محسوبين على السلطة الفلسطينية، استنكرت استقبال «المتهم الرئيسي بإخراج حركة فتح من غزة عام 2007». من جهتها، قطعت «فتح» الطريق على المروّجين أنّ عودة الزهار إلى معقلها الجنوبي في الرشيدية، وكذلك تجمع شبريحا، إنما هو «تحدٍّ واستفزاز لها على خلفية عودة التوتر بينهما إثر فشل المصالحة». سريعاً، اعتذر قياديو «فتح» بالنيابة عن المستنكرين وشاركوا في استقبال الزهار. زيارة اليوم التالي لمخيم المية ومية، في الجنوب أيضاً، لم تكن عابرة. الاستقبال الرسمي والشعبي الذي أقيم في المخيم الخارج من اشتباك مفصلي بين «فتح» و«أنصار الله» قبل أسابيع، حمل رسائل عدة. البعض وجد فيها تكريساً لخريطة جديدة على مستوى مراكز القوى. أحد المتابعين يقول: «حماس ورثت نفوذ أنصار الله بعد إخراج جمال سليمان، وصارت القوة الأقوى بوجه فتح، مع الإشارة إلى أن لحماس وأنصار الله وجهة إسلامية وسياسية واحدة». هذا يعني أن جبهة قوية في العديد والعتاد والانتشار الميداني يقف بوجه «فتح» التي تسيطر على نحو ربع المية ومية فقط. وفي حديث إلى «الأخبار»، أكد مسؤول الإعلام في «حماس» وليد الكيلاني أنّ حضور الزهار إلى المية ومية «كان متعمداً بعد الأحداث الأخيرة، لكن لتنفيس الاحتقان، وليس استفزازاً لفتح أو غيرها». إشارة إلى أن نائب الأمين العام لـ«أنصار الله» ماهر عويد كانت مشاركاً في الاستقبال.
كان برنامج الجولات المشار إليها في المخيمات لافتاً، حتى بدا لبعض المراقبين أنّ ذلك «محاولة لتذكير فلسطينيي الشتات بأن حماس هي حركة المقاومة في الأساس، بعد أن اتهمها البعض بلعب دور في الاشتباكات المسلحة بين فتح والمجموعات الإسلامية في عين الحلوة والمية ومية». توزع أعضاء الوفد الأدوار. مشير المصري، القيادي المرجَّح تعيينه في منصب داخل «حماس»، تولى هو زيارة مخيمي نهر البارد والبرج الشمالي، إضافة إلى «تجمّع اللاجئين» في وادي الزينة. أما مروان أبو راس وصلاح البردويل فزارا عين الحلوة، قبل أن يزور الوفد مجتمعاً مخيم الجليل (مع الزهار وفرج الغول) في بعلبك.
يقول الكيلاني: «اصطدام المصالحة مع فتح بحائط مسدود، إضافة إلى تصعيد السُلطة تجاه غزة وحماس، سببان رئيسيان للزيارة، وذلك إضافة إلى تفعيل دور المجلس التشريعي بالتواصل مع العالم الخارجي». لماذا الآن؟ فيقول: «حصلت الزيارة عندما نال الوفد إذن السلطات المصرية للخروج من القطاع إلى مصر عبر معبر رفح». رحلة «الخروج» كانت من مصر، ثم إلى جنوب أفريقيا في زيارة رسمية، قبل الوصول إلى بيروت فجر الأربعاء الفائت. هنا، تركت الزيارة بصمتها بين فلسطينيي الشتات المتعلقين بانتصارات المقاومة في غزة والضفة، في مقابل تراجع دور «فتح» الوطني. مصادر فلسطينية مواكبة رأت في الزيارة «خطوة تأسيسية مهمة على طريق تشكيل جبهة من حماس وعدد من الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية الرافضة لسياسة أبو مازن في السلطة والحركة». تستطيع «حماس» استقطاب الجماهير من حولها كما فعلت قبل 26 عاماً عقب الانتفاضة الأولى التي «خلقت الحركة».
غادر الزهار وإخوانه بيروت إلى تركيا، أمس، للمشاركة في مؤتمر برلماني. بعد ذلك، ستكون العاصمة الإيرانية طهران وجهتهم، حيث يلتقون القيادات الرسمية، قبل أن يحطوا في الجزائر. مرور الزهار الإيراني ليس استثنائياً. الرجل من أبرز مؤيدي العلاقة القوية بين «حماس» وسائر محور المقاومة. مصادر لبنانية مواكبة للزيارة قالت إن الزهار «لم يطلب اللقاء مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كما جرت العادة مع قياديي الصف الأول في المقاومة الإسلامية الفلسطينية». من جهته، أوضح الكيلاني أن الزيارة برلمانية رسمية وتأتي في إطار لقاءات مع ذوي الصفة التشريعية، على غرار اللقاء الذي حصل مع وفد من «كتلة الوفاء للمقاومة» في لبنان. طلب اللقاء مع نصرالله ربما يكون حتمياً في حال إتمام الترتيبات بين «حماس» والسلطات المصرية، بغية مغادرة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنيّة، من غزة للمرة الأولى منذ سنوات في جولة خارجية ستقوده أولاً إلى بيروت. هذا ما يعلنه الكيلاني. مصادر معنية رجّحت منح مصر تسهيلات غير مسبوقة لقياديي «حماس» في الحركة عبر معبر رفح، وذلك «رداً على تقارب أبو مازن مع القطريين والأتراك».