كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يتعامل رئيس مجلس بلدية بيروت وأعضاؤها مع أموال صندوق البلدية على أنها أموال خاصة بهم وبالأحزاب التي ينتمون إليها، يوزعونها كما يحلو لهم وبالطريقة التي تناسب مصالحهم. آخر «الإنجازات»، على هذا الصعيد، «تبرّعهم» بمبلغ 750 مليون ليرة لبنانية، لحل أزمة مبنى «ليسيه عبدالقادر»، الذي قررت مالكته، هند الحريري، بيعه لشركة عقارية («الأخبار»، 7 تشرين الثاني 2018).
مقالات مرتبطة
مطلع الأسبوع الجاري، استقبل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري رئيس المجلس البلدي للعاصمة، جمال عيتاني، مع عدد من أعضاء المجلس. كانت الجلسة مناسبة لـ«يؤنّب» الحريري مجلسه البلدي على «لا إنجازات» العام الجاري، قبل أن يطالب بتفعيل العمل، واعداً بمتابعة شؤون البلدية بنفسه. وقال الحريري لأعضاء البلدية: لا تُخرِجوا خلافاتكم إلى العلن، ولا تسمحوا لها بتعطيل المشاريع».
ما كاد اللقاء مع الحريري ينتهي، حتى دعا عيتاني أعضاء المجلس إلى جلسة استثنائية على عجل عقدت أمس. لم تكن الجلسة لمناقشة فضيحة زينة بيروت بطبيعة الحال ولا للتراجع عن أخطاء البلدية التي أدت إلى هدر مليونَي دولار، بل لإقرار هدر مالي آخر يمثل فضيحة أخرى اسمها «ليسيه عبد القادر». تحت عنوان تربوي وثقافي، طلبت البلدية من وزارة التربية والتعليم العالي وضع العقار رقم 597 زقاق البلاط بتصرفها. وهذا العقار يضم مجمعاً للمدارس الرسمية، (مجمع الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح التربوي)، الذي شُيِّد لاستقبال التلامذة في مدرسة واحدة تتسع لـ1932 تلميذاً من الروضة حتى الثانوي، ابتداءً من العام الدراسي 2013 – 2014. لكن لم يتم افتتاحه حتى اليوم، بسبب خلاف بين مجلس الإنماء والإعمار والمتعهد، وتحفظ وزارة التربية على أعمال لم يقم بها الأخير (راجع «الأخبار»، عدد أول من أمس). وبدلاً من ذلك، يُستخدم المبنى، بعد الظهر، كمقر مؤقت لمعهد العلوم الاقتصادية والتطبيقية (CNAM).
قرار المجلس البلدي أمس لم يُفصح عن هدف طلبه وضع المجمع بتصرفه. ولم تربط البلدية بينه وبين قرار آخر أصدرته أمس أيضاً، يقضي بمنح صندوق المدارس الرسمية في وزارة التربية مساهمة بقيمة 750 مليون ليرة. كما لم يربط المجلس القرارين بما يخطط لتنفيذه خدمة لمالكة مبنى «ليسيه عبدالقادر»، هند الحريري، الأخت غير الشقيقة للرئيس سعد. فبعدما اعتصم أهالي تلامذة «ليسيه عبدالقادر» قبل يومين بعد انقضاء المهلة المعطاة من قبلهم لـ«مؤسسة الحريري» من أجل الحصول على إجابة حول مصير المدرسة، جاءهم الجواب أمس عبر بلدية بيروت، لا من المؤسسة. فالبند «السري»، غير المكتوب، الذي يربط بين قراري البلدية (طلب وضع مجمّع المدارس الرسمية بتصرّفها، والتبرع لصندوق المدارس الرسمية) يقضي بنقل طلاب «ليسيه عبدالقادر» إلى المجمّع، في مقابل تقديم مبالغ مالية لوزارة التربية، تبدو في هذه الحالة أشبه بـ«رشوة» ترمي إلى وضع أملاك عامة – حُرم منها تلامذة المدارس الرسمية – في خدمة مؤسسة تعليمية خاصة (العقار ملك لهند الحريري فيما تدير المدرسة السفارة الفرنسية و«مؤسة الحريري»).
يصعب هنا فهم صلة البلدية بخلاف بين صاحب عقار ومؤسسة خاصة وشركة تجارية وأهالي تلامذة «ليسيه عبدالقادر»؟ ولماذا قررت البلدية دفع مبلغ كبير لـ«فض النزاع»، فيما الفرقاء الثلاثة الأول (البائع والشاري والمدرسة) يملك كلّ منهم من الأموال ما يكفي لإيجاد حل للأزمة، بدلاً من أن يسعى مجلس بلدية العاصمة إلى تعزيز المدارس الرسمية فيها؟