كتب محمد وهبة في “الاخبار”:
يمكن قراءة قرار موديز بتعديل نظرتها المستقبلية للبنان من «مستقر» إلى «سلبي» بأكثر من طريقة، إذ قد يبدو الأمر خطوة سياسية، فيما هناك وقائع وحقائق لا يمكن تجاهلها عن الوضع المالي المتدهور في لبنان. «موديز» أبقت تصنيف لبنان على ما كان سابقاً على أمل «تأليف حكومة»، إلا أنها أشارت إلى ما هو أبعد من ذلك في سياق تقديم المعطيات المالية.
عدّلت وكالة موديز نظرتها المستقبلية للبنان من «مستقر» إلى «سلبي». «موديز» هي ثاني وكالة، إلى جانب كابيتال انتلجينس، تخفض نظرتها نحو لبنان إلى هذا المستوى، فيما لا تزال «فيتش» و«ستاندر أند بورز» تضع لبنان ضمن مستوى «مستقر». من مخاطر هذا التعديل أنه يفتح الباب أمام هذه الوكالات لخفض تصنيف لبنان، وهو أمر لا يحتمله لبنان بوضعه الحالي ومعاناته المالية. موديز قدمت ملخصاً واضحاً عن دراستها للوضع في لبنان، سواء ما يتعلق بالظروف السياسية المحلية والإقليمية، أو قدرة النظام المالي على الاستمرار في الحفاظ على الاستقرار، لكن كان لافتاً أن تربط خفض التصنيف بأمل تأليف حكومة قريباً، فيما هي تشير في المعطيات المالية التي قدمتها إلى اختلالات عميقة في بنية النظام، لا إلى أعطال سطحية يمكن تجاوزها بمجرد وجود حكومة.
الدراسة التحليلية التي استندت إليها موديز للقيام بخطوة تعديل نظرتها المستقبلة للبنان من «مستقرّ» إلى «سلبي»، انطلقت من عجز الخزينة العامة وعجز ميزان المدفوعات. يعبّر هذان العجزان عن إفراط الإنفاق المحلي وعن صعوبة تأمين لبنان للعملات الأجنبية الكافية لتمويل استهلاكه (الاستهلاك والإنفاق المحلي يندرجان ضمن مسميات عدة أبرزها الحاجات التمويلية للبنان). الوكالة تقيس هذين العنصرين من خلال الأثر الذي تتركه المخاطر على سيولة الخزينة والاستقرار المالي. هي ترى أن هذه المخاطر متعاظمة، لكنها لم تتحدث بالتفصيل عن قصدها، الذي لا يفهم إلا أنه إشارة واضحة إلى الورطة التي وقعت فيها الخزينة بعدما رفض مصرف لبنان تمويلها في الفترة الأخيرة، وعدم قدرتها على الاستدانة من الأسواق إلا بعد رفع أسعار الفائدة. فمن الضروري أن تكون هناك سيولة كافية لدى الخزينة التي توسعت كثيراً في الإنفاق، ومن الضروري أيضاً أن تكون لدى الحكومة القدرة على الإيفاء بديونها والاستدانة لتمويل عجوزاتها أيضاً.
على أي حال، المهم بالنسبة لموديز هو الأثر الذي يصيب سيولة الخزينة، والاستقرار المالي من الأوضاع «المحلية والجيوبوليتيكية» التي بدأت تصبح أكثر فأكثر «غير قابلة للسيطرة». فمن جهة ترى الوكالة أن هناك غياباً واضحاً للإصلاحات المالية التي تحرّر المساعدات الدولية المخصصة للبنان (من مؤتمر «سيدر»)، لكن نظرتها هذه لا تمنعها من الحفاظ على تصنيف لبنان الحالي «على افتراض أن الحكومة ستتألف قريباً وتتمكن من القيام بإصلاحات مالية وتحرير أموال مؤتمر «سيدر» العالقة والتي تؤمن بدورها دعماً لنمو الناتج المحلي الإجمالي وتخفف من مخاطر السيولة». لكن يبدو تشاؤم الوكالة واضحاً في الأرقام والتوقعات «فمن دون أي حكومة سيرتفع عجز الخزينة إلى 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع ما كان متوقعاً في فترة سابقة عند مستوى 8.9%».
ومن جهة ثانية، على رغم قدرة مصرف لبنان على الحفاظ على مستوى معين من الاستقرار المالي على رغم الاختلالات الاقتصادية ومن خلال تجارب سابقة خاضها في ظل موجات كبيرة من التوتّر السياسي «إلا أن فعالية سياساته قد تتقلّص».
هكذا يأتي قرار «موديز» بتعديل النظرة المستقبلية للبنان إلى «سلبي» انسجاماً مع ارتفاع مستوى التوتّر المحلي وأثره على لبنان. في رأيها أن هذه التوترات «تضغط بدورها على التدفقات الرأسمالية وعلى التزامات الجهات المانحة، وتداعياتها ملحوظة على قدرة لبنان في الحفاظ على الاستقرار المالي وخدمة الدين العام بكلفة مستدامة».
وعلى صعيد المخاطر الجيوبوليتيكية، تشير موديز إلى أن «انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق مع إيران ثم إقرارها عقوبات جديدة على حزب الله تستهدف ليس فقط الجسم السياسي والعسكري للحزب، بل تشمل أشخاصاً في الخارج، وحكومات معروفة بتقديم المساعدة والدعم لحزب الله. هذه العقوبات الثانوية، يزيد عدم اليقين بين المستثمرين والدول المانحة التي انخرطت في دعم لبنان».
في الشق المتعلق ببنية النظام المالي، ترى الوكالة أن عجز الخزينة سيتوسع أكثر مما كان متوقعاً، ما يرفع أعباء الدين. ويأتي هذا الأمر فيما تتباطأ ودائع المصارف التي تشكل قناة التمويل الأساسية للحكومة. وتتوقع الوكالة أن تنمو الودائع بنسبة 3% في عام 2018، أي ما يوازي 5 مليارات دولار بدلاً من 6.5 مليارات دولار كانت متوقعة، وأقل من عجز الخزينة البالغ 6 مليارات دولار.
وتشير موديز إلى أن «انخفاض موجودات مصرف لبنان الصافية بالعملات الأجنبية يشير إلى درجة أعلى من الهشاشة ومخاطر الاستقرار المالي. سيبقي عجز الحساب الجاري أعلى من 20% في السنوات المقبلة، وقد تراجع معدل كفاية الاحتياطات بالعملات الأجنبية إلى 13 شهراً من الاستيراد، فيما بلغت نسبة الاحتياطات إلى الكتلة المالية بالليرة 65%».