ينقسم السياسيون في الدول التي تعصف بها أزمات كيانية بين المتآمرين والمتواطئين والعاجزين أمام كل ما يحصل. ثمة فئة متآمرة بكل ما للكلمة من معانٍ. هذه الفئة تنفذ الأجندة الخارجية على حساب الوطن إيماناً منها وتبعية لولاءات ومشاريع خارجية، وهي بهذا المعنى لا تحمل من الهموم اللبنانية والوطنية غير بطاقة الهوية.
الفئة الثانية تتشكل من مجموعة المتواطئين مع المتآمرين. يتواطئون معهم تأمينا لمصالح شخصية وفئوية وحزبية لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية. جل ما يهمهم هو الكراسي وبقاؤهم في السلطة بأي ثمن. لا يمانعون في تأدية الأدوار المطلوبة منهم مهما كانت تأثيراتها السلبية على الدولة والدستور والمؤسسات حماية لمصالحهم.
أما الفئة الثالثة فتضم العاجزين عن القيام بأي رد فعل. لا يوافقون على ما يجري، لكنهم يتفرجون عاجزين في انتظار “عجيبة” ما تغيّر المعادلات القائمة، وتحديداً من خلال تطورات خارجية ما تقلب موازين القوى، بعد أن يكونوا أقنعوا أنفسهم أن زمن الثورة للتغيير داخلياً قد ولّى الى غير رجعة.
إذا ما أردنا أن نطبّق هذا التقسيم على لبنان لوجدنا أن الفئة الأولى تشبه “حزب الله”، من دون أن نطلق صفة “التآمر”، لكن المواصفات الباقية تنطبق حتماً. فالحزب يدين بالولاء لإيران بالكامل وينفذ سياساتها في لبنان والمنطقة على حساب المصلحة اللبنانية. يدخل البلد في حروب ومواجهات، ويعطل مؤسساته الدستورية ويشل اقتصاده خدمة للأجندة الإيرانية. والفئة الثانية تشبه تماماً حلفاء “حزب الله”، بحيث أن أطرافها يتواطئون مع الحزب تأميناً لمصالحهم الضيقة ولبقائهم في السلطة أو وصولهم إليها، ولو أدى ذلك الى انهيار البلد وتدميره. أما الفئة الثالثة فتنطبق على معارضي “حزب الله” الذين اقتنعوا بعجزهم عن إحداث أي تغيير فاستسلموا له وأحجموا عن اتخاذ القرار اللازم بمواجهته سياسياً، وباتوا يستعيضون عن هذه المواجهة المحورية والاستراتيجية بمواجهات فرعية لا تغيّر حرفاً في المعادلات القائمة، لا بل تريح أحياناً “حزب الله” المتفرّغ لمعاركه الاستراتيجية من الإقليم الى تغيير النظام في الداخل.
بكل أسف تخلت الأكثرية الساحقة من القوى السياسية السيادية في لبنان عن المعركة الأهم والأقدس، والمتعلقة بجوهر قيام دولة فعلية في لبنان، والتي لا يمكن أن تقوم أو تستقيم في ظل وجود دويلة مهيمنة على السلاح والقرار الاستراتيجي، وتأخذ البلد إلى محاور وأنفاق تهدد أسس الكيان اللبناني. ولأن خطر تغييب الدولة ومؤسساتها الدستورية والسياسية والأمنية والاقتصادية والإدارية لا ينحصر في المستويين السياسي والأمني، ها إن خطر الانفجار الاقتصادي والمالي بات يخيّم على لبنان ويقض مضاجع الجميع، بدءًا من الانهيار الاقتصادي وإقفال المؤسسات والشركات وارتفاع نسبة البطالة وصولاً الى التدهور المالي مع أزمة السيولة في الأسواق وشبح الخوف على مصير العملة الوطنية. وفي حين بلغ عجز المسؤولين وتقاعسهم حداً باتوا معه في موقع التحذير من الانفجار عوض العمل لتداركه، يصمّ “حزب الله” أذنيه عمّا يجري تأميناً للمصالح الإيرانية!
وفي انتظار الـBig Bang اللبنانية الكارثية التي تكاد تكون محتومة في ظل التأكد من إطالة عمر الأزمة والعجز عن تشكيل حكومة واتخاذ الإجراءات الإنقاذية اللازمة، بقرار واضح من “حزب الله”، يتلهّى المسؤولون بتقاذف الاتهامات وسط خنوع تام عن مواجهة القرار برهن لبنان كخط دفاع أول عن إيران.
هل من أمل؟ لا مقررات “سيدر” ولا نتائج مؤتمر لندن ولا أي مؤتمر اقتصادي أو مزيد من الاستدانة يمكن أن يعالج مكامن الخلل اللبناني المتمثل في ضرب أسس الدولة ومصادرة قراراتها على كل المستويات. ومن دون قرار بالمواجهة السياسية الكبرى لا يسعنا ان ننتظر غير الانهيارات الكبرى… وكان الله في عون اللبنانيين!