Site icon IMLebanon

دير سيدة بزمار يشهد: الأرمن في قلب كسروان منذ أكثر من 300 سنة!

كتب طوني أبي نجم:

بعد أكثر من 7 أشهر على الانتخابات النيابية، اختار النائب عن مقعد الأرمن الكاثوليك جان طالوزيان أن يطلّ على الإعلاميين من مقرّ لبطريركية الأرمن الكاثوليك التي أسسها البطريرك ابراهام بطرس الأول أردزيفيان في العام 1740، وهو دير سيدة بزمار، وذلك عبر دعوة مجموعة من الإعلاميين للتعرف عن كثب على الدير الأرمني التاريخي في قلب كسروان.    الأرمن في كسروان؟ نعم كبيرة. وتاريخهم لا يعود إلى تاريخ الهجرة الأرمنية هرباً من المجازر التركية، بل إن مقر بطريركيتهم في بزمار شيّدوه قبل حوالى 280 عاماً، ما يجعلهم متجذرين كأرمن كاثوليك في قلب جبل لبنان. هكذا ضرب طالوزيان أكثر من عصفور بحجر واحد: افتتح علاقاته بالإعلاميين اللبنانيين عبر كلمة ترحيبية لم تخلُ من رسائل سياسية في أكثر من اتجاه، سواء عن فشل المسؤولين في لبنان في تحقيق أي معالجة للأوضاع المتدهورة، وسواء عن تأكيد الهوية اللبنانية المتجذرة للأرمن الكاثوليك كإحدى المكونات التاريخية لوطن الأرز انطلاقاً من “لبنان الصغير” يوم كانت حدود لبنان لا تزال في حدود جبله.

وهكذا بدا طالوزيان أيضاً ملتصقاً بـ”مرجعيته الدينية” بحيث كانت الدعوة مشتركة بينه وبين النائب البطريرك العام المونسنيور باتريك موراديان الذي رحّب بالإعلاميين بأفضل طريقة، وجال معهم في أرجاء الدير التاريخي الذي يضمّ بين جدرانه الكثير من “الكنوز” المسيحية من ذخائر ومخطوطات مكتبة أثرية ومتحف يتم تجديده إضافة الى كونه مركزاً لتصنيع النبيذ الفاخر.

فدير سيدة بزمار الغائب من دون أي سبب عن معالم السياحة الدينية في لبنان، يقع على هضبة من الأجمل في قلب كسروان وتطل على منظر رائع لخليج جونية. تم تشييد المرحلة الأولى من الدير في العام 1740، قبل أن يتابع عدد من البطاركة المتعاقبين استكمال تشييد أقسامه الباقية حتى الانتهاء منه بصورته الحالية في العام 1964.

يضم الدير مجموعة غنية جداً من الآثار والتحف التاريخية الرائعة تعود إلى حضارات متنوعة بدءاً بالعصر الحجري مروراً بالآشوريين والبابليين والحثيين واليونانيين والرومانيين وصولاً إلى العرب (خزفيات وكؤوس الفضة والفخاريات وعقود وحلي ومجموعات نادرة من القطع النقدية من أيام اسكندر المقدوني وقياصرة روما واليزنطيين والصليبيين والعرب والسلاجقة والمغول وأسماك متحجرة نادرة يعود عمرها الى ملايين السنين).

كما أن الدير يحتوي على كنوز مسيحية قيّمة تتمثل في ذخائر من صليب يسوع المسيح وشوكة من إكليل الشوك الذي وُضع على رأسه على الصليب، إضافة الى ذخائر لعدد من القديسين. ومن أبرز مقتنيات الدير الرسالة الأولى للقديس بطرس باللغة اليونانيةمكتوبة على ورق بردى.

وبطبيعة الحال فإن الدير يحتوي على حيز مهم مخصص للتراث الأرمني في المتحف حفاظاً على ذاكرة الشعب الأرمني، ومن أبرز التحف لوحة للرسام الأرمني الشهير أوهانس إيفازوفسكي والتي تمثل نزوح نوح من جبل آرارات.

ولا يمكن المرور بدير سيدة بزمار من دون التوقف عند المكتبة التي تُعدّ في المرتبة الخامسة عالمياً في ترتيب المكتبات الأرمنية، وتضمّ حوالى ألفي مخطوطة تعود إلى ما بين القرن الخامس عشر والقرن التاسع عشر، إضافة الى حوالى 60 ألف من المجلدات والكتب الشرقية والغربية. كما تضم المكتبة مخطوطات كثيرة منها إنجيل يعود الى العام 1323، كتاب تفسير المزامير وهو مخطوط منذ العام 1289، كتاب الرسائل الذي تم نشره في كيليكيا سنة 1298 وغيرها الكثير. كما أن ثمة محترفين في الدير يعملون يومياً على حفظ تلك الكتب والمخطوطات والمجلدات الأثرية بأحدث الأساليب في عالم الترميم.

وختام الجولة على دير سيدة بزمار لا بدّ وأن يكون في أقبية الدير حيث خوابي النبيذ المعتّق الذي تتم صناعته بحرفية عالية في الدير على أيدي الكهنة، بحيث ينتج الدير سنويا حوالى 10 آلاف زجاجة من النبيذ الأبيض والأحمر والوردي (Rose) والحلو، إضافة الى المشروبات الروحية الأخرى كالعرق والكونياك والليكور. وكل هذه الصناعة تأتي من إنتاج كروم الدير من العنب المميز المنتشرة حوله وصولاً إلى عشقوت.

إذا كنتم لم تزوروا بعد دير سيدة بزمار، فزيارته حتماً واجبة لكل من يهوى السياحة الدينية والأثرية.