كتبت صحيفة “اللواء”:
الحق في مفهوم الفقهاء، مصلحة تخص جماعة، أو تخص شخصاً، لكنها محكومة بالواجب، أي من له حق عليه واجب، فيكاد الحق والواجب يشكلان كلاً واحداً.. بعيداً عن صراع الديكة، والنوازع الشخصية.
مناسبة هذه الفكرة، أن الأطراف الطائفية اللبنانية، المعنية بالتمثيل النيابي، والمعنية بالتمثل في الوزارة، لطالما اسندت، وتسند مطالبها في أعداد الوزراء الميامين، الذين تصبو إليهم الأعين والافئدة والعقول والمشاعر، والتطلعات، والأحلام الجميلة! بأن لديها حقاً، وأن لها أن تترك حقّها، وهي تعتقد ان ما ضاع حق وراءه مطالب..
فهي، من أجل إراحة الضمير، والحسّ الوطني، تطالب بحقها أو بحقوقها، إلى آخر الدنيا، وبالتالي لا بأس، إن تأخر تأليف الحكومة، يوم أو يومان أو مائة يوم، أو مائة سنة، أو حتى إلى آخر العهد..
تتهاوى حقوق اللبنانيين، تحت اقدام أصحاب «الحقوق الوزارية»، والوظيفية، وحتى المالية، وحتى التوظيفية، من دون ان يجرؤ أحد على طرح سؤال واحد بسيط: من أين لك هذا الحقّ؟
يسارع «الوزير السوبّر» الخارق للذكاء الطبيعي، وليس الصناعي، أو العاطفي، «معالي» الوزير، وسعادة النائب جبران باسيل، إلى ربطه بالانتخابات النيابية، التي جرت، ليس المهم، وفقاً لأيّ قانون انتخابي.. أكثرياً كان أو نسبياً، ثم وضع معيار، كان الوزير يطالب بتوحيد المعيار، لضمان حصته، واستبعاد خصومه.. وكلما تأخر التأليف، يأتي الوزير، أو باطنته، (أصبح له بطانة، أو مؤسساته الحزبية، والإعلامية، وتكتله ووزرائه، ليعلنوا بالفم الملآن: شفتو لو كان في وحدة معيار، لحلت المشكلة، منذ سبعة أشهر أو قبل ذلك التاريخ!!).
والسؤال، وفقا لأيّ معيار، يكون لرئيس الجمهورية، حصة وزارية، وهو، وفقا للفقرة الأولى، المادة 49/دستور: «رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وفقا لأحكام الدستور… إلخ».
وبالطبع، ليس المقصود هنا، الرئيس ميشال عون، فالنصوص الدستورية، لا تعني شخصاً بذاته، رئيساً كان أو وزيراً أو نائباً، أو رئيس طائفة أو مديراً عاماً، أو قاضٍياً أو أي موظف من موظفي الدولة.
ربما قال قائل، يستمد الحصة الوزارية، سواء أكان يريد «ثلثاً معطلاً» أم لا من العرف، أو الأعراف، بعد الطائف، فرؤساء الجمهوريات قبله، وربما الذين يأتون بعده، لهم أيضاً حصص، وأكثر من حصص..
ولا بدَّ من التذكير أن «العرف الحصيص» للرئيس كان «بدعة سورية»، رآها «السياديون»، جدداً كانوا أو قدماء، انها تناسب، منطق الاستئثار والتحكم، ومرحبا دستور..
ولكن المسألة ليست هنا، وفقط هنا، انها في الأسئلة المرعبة عن مصدر حقوق «المستوزرين» أو الذين يقفون خلفهم، في الحديقة الخلفية الطائفية، أو الإقليمية، أو حتى في حسابات الجيوبوليتكا، أو مصالح الاقتصاد، وتحويل لبنان إلى منصة لإعادة اعمار سوريا (أنظر كم هي كبيرة هذه الطموحات)، من دون إهمال الإشارة إلى ان لبنان الرسمي، لن يدعو سوريا النظام – حيث لا إعمار ولا استقرار، بلا هذا النظام – الذي لا يبلع لغاية تاريخه، الزعيم الدرزي، الذي يميل إلى الحكمة والتهدئة وليد جنبلاط، بقائه قيد التعامل العربي والإقليمي والدولي، إلى قمّة بيروت الاقتصادية، الأسبوع ما قبل الأخير من السنة الجديدة..
1 – وعلى سيرة جنبلاط، بقي زعيم المختارة لأشهر يعتبر ان من حقّه ان يحتكر التمثيل الدرزي، ثلاثة وزراء في حكومة من 30 وزيراً من حصته هو وحده، قبل ان تقضي متطلبات التسوية ان يجيّر جزءاً من هذا الحق، إلى «فخامة الرئيس».. ليأخذ قراره بالقسط، قبل ان يتحوَّل الدرزي الثالث إلى مشكلة داخل الثلث المعطل، أي الحصة المجمعة للرئيس القوي وتيار «تكتل لبنان القوي» (سبحان الله كم أصبح اللبنانيون أقوياء).
2 – كانت «القوات اللبنانية»، (وهي لديها تكتل نيابي وازن، وتدعى أيضاً بـكتلة الجمهورية القوية)، تحدّد لها حقاً بخمسة وزراء.. قبل أن تستقر الحصة على أربعة، بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء..
3 – قادت المشاحنات، حول الحصص «الثنائي الشيعي»، وعلى رأسه الرئيس نبيه برّي إلى العودة إلى الوراء.. وجعله يتحسر، لماذا حصة الشيعة، وعددهم 29 نائباً، ستة وزراء فقط، مع انه يحق لهم، ضمن معادلة لكل 4 نواب وزير، بسبعة أو ثمانية.. ولماذا لا يكون لهم وزير مسيحي، ما دام في كتلة الرئيس برّي، وهي كتلة «التنمية والتحرير» وزير مسيحي واحد، وآخر درزي، فضلاً عن وزير سني.
4 – في اللحظة هذه، تنبه فريق 8 آذار، أنه في «معمعة الفوضى» التأليفية للحكومة، إلى إمكانية انتزاع تمثيل وزير سني، من حصة السنّة (6 وزراء) في حكومة من 30 وزيراً.. وعلى قاعدة الحق التمثيلي أيضاً… جرى جمع 6 نواب، مشتتين في كتلة أخرى، ضمن ما يُمكن تسميته بـ«اللقاء التشاوري النيابي»..
فالأخوة النواب، (وان كانوا وطنيين، أو قوميين عرب، أو حتى اسلاميين، أو علمانيين) ليس بإمكانهم انتزاع مقعد وزاري، لأحدهم أو لمن يسمونه، من دون المرور «بالموجب الطائفي الميثاقي»، الحريص عليه الوزير باسيل، (المحرك القوي للعبة السياسية، والتشريعية، وملاحقة المولدات، ومحاربة الفساد!)..
استناداً، إلى الحقّ إيّاه، يطالب هؤلاء النواب بمقعد.. ويمترسون وراءه، مع العلم ان المسألة، ليست هنا، بل في مكان آخر.. له صلة أولاً: بنزع حصرية التمثيل الوزاري السني عن تيّار «المستقبل»، الذي يتزعمه الرئيس سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة.. ويتصل ثانياً بزيادة حصة فريق 8 آذار الوزارية، لدرجة ملامسة الثلث المعطل مع الطرف الدرزي (6 + 1 مسيحي (مردة) + 1 سُني (لقاء تشاوري) + 3 = 11 وزيراً.
هذا الأسبوع، يلتقي الرئيس المكلف العائد من مؤتمر الاستثمار في لندن، حيث لم يسمح له الوزير باسيل باحتكار تمثيل لبنان (أليست هذه ميثاقية ايضاً)، الرئيس عون، لبحث خلاصة المشاورات، ولبحث خلاصة المواقف، ولبحث خلاصة القرارات.
القضية، في غاية البساطة: استناداً إلى أية حقوق، سيحسم الخيار؟ المسألة، في حدود ما اعرف تخطت الاجتماع بالوزراء، أو بالاعتراف بحقهم في التمثيل النيابي، ثم التمثيل الوزاري، وثمة تسهيلات بقبول ان يمثل «الجماعة النيابية» الضائعة بين الطائفية واللاطائفية.. فماذا سيحدث في الاجتماع المرتقب: انفراج أم انفجار؟ لا شيء يوحي بانفجار، لكن الثابت ان الانفراج ليس متوافراً أيضاً بسهولة.
السؤال الكبير: في البحث عن الحقوق، أين هي حقوق الدستور، والدولة والجمهورية، والمواطن.. هل يكون الجواب في المراسيم أم في حركة «السترات اللبنانية» بلا ألوان؟!