كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الاخبار”:
لم يكترث المدير العام لأوجيرو عماد كريدية لتحذير مدير المالية محمد محيدلي، في وثيقة رسمية، من إقراض شركة «سيرتا» كابلات تعود ملكيتها إلى الهيئة. مضى بقراره تنفيذ طلب الشركة بحجة توفير الوقت، متغاضياً عن نظام أوجيرو الذي لا يلحظ أي آلية لإعارة موادها، فوفر على الشركة تحمّل أي تبعات مالية لتقصيرها في تأمين مستلزمات العقد
أعلن رئيس هيئة أوجيرو، عماد كريدية، في حديث إلى «الأخبار» أن الهيئة تزوّد شركة «سيرتا» (فازت بعقد تمديد الألياف الضوئية في الجزء الأكبر من المناطق اللبنانية) بكابلات ألياف ضوئية على سبيل الإعارة، بهدف الإسراع في العمل وتوفير الوقت. لكن هل يحق لهيئة عامة أن تخرج من مستودعاتها معدات على سبيل الإعارة؟ يوضح كريدية أن العملية ممكنة وتتم وفق آلية وضعتها وزارة الاتصالات، وتتضمن توقيع الشركة على تعهّد بإعادة الكمية التي استعارتها. يختصر المدير العام لأوجيرو المسألة بأنها عملية روتينية تسهم في كسب الوقت ريثما تصل طلبية الكابلات، التي وافقت عليها أوجيرو، من الموردين في الخارج.
لكن في المقابل، يتبين، في وثيقة حصلت عليها «الأخبار»، ومؤرخة في ٢١ حزيران ٢٠١٨، أن مدير المالية في الهيئة محمد محيدلي سبق أن نبّه المدير العام إلى أن إعارة المواد أمر غير ممكن بحسب نظام أوجيرو.
يوضح محيدلي أن «مبدأ تسليم الكوابل من مستودعات الهيئة وفق البرامج والأنظمة والقوانين يكون للقيام بأعمال الصيانة والمهمات الموكلة إلى الهيئة ويتم تسجيل حركة الكوابل على حساب النفقات في السجلات ولا يمكن تسجيلها على زبائن أو موردين وفق محاسبة المواد».
وأكثر من ذلك، يؤكد أنه «حيث إن مشروع FTTC له ميزانية منفصلة عن موازنة الهيئة ويتم التحاسب مع الوزارة بخصوص المستحقات الواجبة إلى المورّدين بموجب آلية وضعت لهذا الشأن، نرى صعوبة في حسم أية متوجبات (في حال لم تُرجِع الشركة ما اقترضته)».
هذا التوضيح لم يأت من فراغ، إذ كان محيدلي قد تلقّى إحالة من المدير العام موقّعة بتاريخ ١٨ حزيران الماضي يوافق فيها على تنفيذ طلب مديرية التخطيط الاستراتيجي «تسليم الكوابل النحاسية على سبيل الإعارة إلى شركة سيرتا، وذلك لتنفيذ مشروع FTTC في خلدة» (١٤ حزيران)، كما يطلب «استكمال اللازم حسب الأصول المرعية الإجراء استثنائياً على أن تتقدم الشركة المتعهدة بكتاب ضمان تتكفل فيه بحسم المتوجبات مقابل المواد من مقبوضاتها في حال عدم إرجاع ما اقترضت». ويدعو كريدية في الإحالة المرسلة إلى مديرية المالية (قطاع المستودعات من ضمنها) ومديرية التخطيط، إلى «العمل على إعداد إجراءات وآليات لإقراض المواد»، علماً بأن مدير التخطيط عماد أبو راشد كان قد أرفق طلبه بلائحة بالمواد المطلوبة وهي عبارة عن ستة أنواع من الكابلات يبلغ مجموع طولها نحو ١٣ ألف و١٠٠ متر.
كذلك، كان أوضح أن طلبه يعود إلى الأسباب الآتية:
«توجيهاتكم (المدير العام) تنفيذ مشروع FTTC في منطقة خلدة بأسرع وقت ممكن.
التعهد بتنفيذ المشروع بمدة أقصاها ٤٥ يوماً.
طلب الشركة استعارة بعض الكابلات النحاسية، حيث تصنيع الكابلات المطلوبة يتطلب فترة زمنية لا تقل عن ٤ أشهر.
تعهد الشركة بإعادة الكمية المستعارة بنفس المواصفات ومن نفس المورد فور تسلمها من المصنع (كابلات لبنان)».
اللافت أن كريدية لم يعلق على كتاب محيدلي، بل اكتفى بإحالته إلى مديرية التخطيط ومديرية التدقيق الداخلي، من دون أن يتراجع عن موافقته أو يعدلها. فما كان من مدير التخطيط وإدارة المشاريع إلا أن أصدر وثيقة إحالة، كان لافتاً أنها تحمل الرقم نفسه للإحالة التي أرسلها إلى المدير العام، موجهة إلى مديرية الشبكات، يقول فيها إنه «بناء على موافقة الرئيس المدير العام المرفقة ربطاً التفضل بإصدار أمر الشغل المطلوب وذلك بالاستناد إلى لائحة المواد المطلوبة المرفقة ربطاً».
التحويل إلى مديرية الشبكات بحدّ ذاته يؤكد ما ذهب إليه محيدلي، فلا آلية في أوجيرو لتسليم المواد لأي طرف خارجي، وهي لا يمكن أن تخرج من المستودعات إلا بناءً على أوامر شغل، أي إن وجهة استعمالها تكون محصورة بأعمال تنجزها أوجيرو حصراً، وفي الوجهة التي اشتريت لأجلها.
أما حصول شركة سيرتا تحديداً على المواد بهدف تسريع الأعمال والالتزام بالفترة المقررة، فيفترض أن لا يكون من مهام أوجيرو، بل من مهام الشركة التي فازت بالعقد، على أساس دفتر شروط ملزمة بتنفيذه وإلا تعرضت لغرامات مالية. ثم إن سيرتا ليست الوحيدة التي وقّع العقد معها، فلماذا لم تطلب الشركات الأخرى المواد، وألا يفترض بمن تقدم إلى استدراج العروض أن يدرك أنه بحاجة إلى معدات لبدء الأعمال، وأولاها الكابلات بطبيعة الحال؟ وإن كان العقد قد وقّع في شباط ٢٠١٨، فلماذا لم تؤمن الشركة حاجتها من الكابلات خلال أربعة أشهر، خاصة أنها حصلت سلفاً على ٢٥ في المئة من قيمة العقد؟ وكم يبلغ الوفر الذي حققته من جراء اقتراض الكابلات من أوجيرو، والتي لا يوجد آلية لاستعادتها؟ وحتى لو أعادتها، هل من آلية تسمح لأوجيرو بتعويض مصاريف حفظ الكابلات وإدارة المستودعات، التي وفّرتها الشركة؟ وقبل ذلك، ماذا كان موقف مدير التدقيق الداخلي أحمد رملاوي الذي وصلته نسخة من الإحالة؟ وماذا كان موقف الاستشاري المسؤول عن مراقبة تنفيذ المشروع أي «خطيب وعلمي»؟
وقبل هذا وذاك، لماذا أكد المدير العام لأوجيرو في حديثه لـ«الأخبار» أن الشركات تقترض الألياف الضوئية حصراً، نافياً أن تكون قد اقترضت أي كابلات نحاسية أو أنها قد طلبت أي نوع من النحاس، انطلاقاً من أن «النحاس موجود ويمكن شراؤه من كابلات لبنان بسهولة»؟