في إطار جولتهما على أماكن تنفيذ مشروع “حلّ شامل للمياه في المجتمعات المحرومة والتي تستضيف النازحين في لبنان”، المموّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، والمنفّذ من قبل جامعة أريزونا في الولايات المتحدة بالشراكة مع مؤسسة رينه معوض، زارت السيدة ليسا رينه ويلان، مديرة المشروع في جامعة أريزونا والسيد ريت لارسون، بروفيسور في الجامعة نفسها، بلدة ببنين في عكّار وجالا في أرجائها، من مركز البلدية، إلى “مستوصف الإيمان – ببنين” و”مجمع عكار للرعاية والتنمية – دار الايتام الإسلامية”، وصولًا إلى بلدة الكويخات.
خلال الجولة، تعرّف السيدة ويلان والسيد لارسون على منطقة عكّار التي يتابعان حسن سير تنفيذ المشروع فيها منذ سنتين من دون أن يعرفاها عن كثب، فكان أن التقيا بفريق عمل مؤسسة رينه معوض، القيّم على تنفيذ هذا المشروع، كما وبرئيس بلدية ببنين وأعضاء المجلس والمخاتير، بالإضافة إلى سكّان من البلدة مستفيدين من هذا المشروع.
ففي مبنى بلدية ببنين-العبدة، كان بانتظارهما استقبالًا حاشدًا تسلّمت خلاله السيدة ويلان درعًا تكريميًا من قبل رئيس البلدية، الدكتور كفاح الكسّار.
في هذا السياق، تحدّث المسؤول عن لجنة المياه في بلدية ببنين-العبدة، الدكتور عبد الرحيم ابراهيم، عن أهمية هذا المشروع، قائلا: “نجتمع اليوم لإطلاق مشروع محطة تنقية وتحلية مياه الشرب الذي تم تركيبها في مكان قريب من الملعب البلدي وأطلقنا عليها اسم “السبيل البلدي”.
وأضاف: “هذا المشروع هو كناية عن مبادرة طيبة وكريمة، خاصة أن عكار تعاني الكثير باعتبارها منطقة محرومة وحاضنة للنازحين السوريين مع ذلك، فعدد سكان ببنين يبلغ 70 ألفًا، منهم 50 ألف لبناني و20 ألف سوري، يتوزّعون على 12 ألف وحدة سكنية تقريبًا”.
وتابع: “تعاني منطقة ببنين من تلوّث مياه ينابيعها، حتى مياه آبارها لم تسلم من ذلك، ممّا تسبب بتفشّي العديد من الأمراض المتعلّقة بتلوّث المياه بين سكان المنطقة. الوفيات الناتجة عن مرض السرطان في البلدة وصلت إلى أرقام قياسية تجاوزت النسب المحلية وحتى النسب على صعيد الوطن، بحسب الدكتور إبراهيم”، مضيفا “من هنا، كانت حاجة المنطقة إلى محطة التكرير والتحلية هذه ملحّة. لا على الصعيد الصحي فحسب بل على الصعيد الاقتصادي أيضًا. ”
فبحسب الدكتور ابراهيم، تنتج المحطة التي تعمل على الطاقة الكهربائية نحو 6 آلاف ليتر بالساعة، ما يعادل 84 ألف ليتر خلال ساعات التقنين أي 14 ساعة يوميا. “بعملية حسابية بسيطة، للمحطة قدرة على إنتاج 8400 قارورة مياه بسعة 10 ليتر وذلك في اليوم الواحد.
توفّر المحطة على سكان ببنين ومحيطها ما يعادل 5600 دولار يوميًا، أي حوالي مليونَي دولار سنويًا إذا استثمرت بشكل كامل”. وختم الدكتور ابراهيم كلمته متمنّيًا ومتطّلعًا إلى إنشاء محطة جديدة لتلبية شريحة أكبر من سكان المنطقة.
من جهته، وجّه رئيس بلدية ببنين، الدكتور الكسّار، شكرًا إلى مؤسسة رينه معوض وجامعة ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية وكل من ساهم في إنجاح هذا المشروع، معتبرا أن عكّار هي أكثر المناطق المحرومة في لبنان وهي مع ذلك تستضيف عددا كبيرا من اللاجئين السوريين.
ثمّ أعربت السيدة ويلان عن سعادتها بإتمام هذا المشروع. قالت: “نحن نعي أهمية هذا المشروع، لأننا وعلى الرغم من بعد المسافات، على دراية بمعاناة الناس وبحاجاتهم الماسّة لمياه نظيفة”.
ثم أضافت: “ربّما يظنون أنهم وحيدون في هذه المحنة التي تفاقمت مع أزمة النازحين السوريين. لذلك، عندما وصلتني صور المحطات بعد تركيبها، شعرت بامتنان كبير وبأن الجهد والتعب المبذولين من أجل إنجاح هذا المشروع وصلت إلى مبتغاها”.
بعد زيارة مبنى البلدية، زار المسؤولون في جامعة ولاية أريزونا محطة التكرير حيث التقيا بسكّان من المنطقة كانوا يملؤون قوارير المياه من الحنفيّات. يشير فراس مصري، لاجئ سوري مقيم في ببنين وأب لثلاثة أولاد، أن المياه التي كانوا يشربونها في السابق كانت ملوّثة كما أنه كان يضطر لشراء المياه بسبب شحّها، وذلك مقابل عشرة آلاف ليرة لكل صهريج، بمعدّل مرّة كل يومين أو ثلاثة. قبل أن يضيف: “منذ أن تم تكريب هذه المحطات، حسمت هذه الكلفة من مصاريف العائلة”، أضاف السيد مصري.
أمّا لؤي غانو، أب لثلاثة أطفال وهو من أهالي ببنين، فيتطرّق إلى الموضوع من الناحية الصحية حيث كان أولاده يعانون من أمراض وآلام المعدة نتيجة استهلاكهم للمياه الملوّثة. ويختم: “إضافة الى توفير نحو 50 أو 60 ألف ليرة لبنانية بالشهر مقابل شراء المياه، أصبحنا نستهلك مياه نظيفة وصالحة للشرب”.
بعد ذلك، كان للسيدة ويلان والسيد لارسون محطة في مستوصف الإيمان في ببنين حيث التقوا بمدير المستوصف السيد أحمد المصطفى.
في هذا السياق، شرح السيد مصطفى للمسؤولين في جامعة ولاية أريزونا عن وضع المستوصف الذي يقدّم الخدمات الطبية لأربعة آلاف مريض شهريا مجّانا. “دائما ما يقع المستوصف بعجز مالي لأنه يقدم الخدمات الطبية بالمجّان للأهالي”.
قال السيد مصطفى قبل أن يختم: “بعد تركيب المحطّات، يوفّر المستوصف سبعين دولار أسبوعيًا”.
أمّا في دار الأيتام الإسلامية، فكان الأطفال في استقبال المسؤولَين الذين التقوا مديرة الدار، السيدة كوثر عيتاني.
قالت: “قبل تنفيذ المشروع، كان الأطفال غالبا ما يعانون من مشاكل صحية مرتبطة بسوء نوعية مياه الشرب. أما اليوم، فأصبح الأطفال في قسم الصغار المتراوحة أعمارهم بين الثلاثة والأربع سنوات يشربون مياها صالحة وصحية”.
في الكويخات، عند نقطة تعبئة المياه، كانت المحطة الأخيرة لزيارة السيدة ويلان والسيد لارسون في ببنين حيث التقوا بمستفيدين من المشروع. “لم يكن عندنا مياه صالحة للشرب، فالمياه التي كنا نستهلكها هي مياه كلسية، وحتى الآبار الموجودة في الضيعة تعاني من التلوث”، قال أحدهم قبل أن يختم: “أمّا هذه المياه نظيفة، نعرف ذلك من لون الشاي الذهبي في الإبريق”.