كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الاخبار”:
مارست لجنة الاتصالات النيابية حقها الرقابي، فاستدعت وزير الاتصالات جمال الجراح ورئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية، لاستيضاحهما بشأن الشبهات التي تحوم حول قطاع الاتصالات. وبعد اجتماع طويل، خرجت بتوصيات يفترض أن تنهي حالة الفوضى التي كانت سائدة. وفيما يُتوقع أن تستمر الجلسات بوتيرة أسبوعية أو نصف شهرية، فإن العبرة تبقى في تنفيذ التوصيات
حسمت لجنة الاعلام والاتصالات الجدل بشأن تلزيم هيئة أوجيرو لصيانة الشبكة الهاتفية، موصية بأن تكون هذه المهمة من صلاحية الهيئة حصراً، إن كان بالنسبة إلى الشبكة الثابتة أو بالنسبة إلى شبكة الفايبر أوبتيك. وأتت هذه التوصية على خلفية اقتناع أعضاء الجنة بأن الهيئة قامت فعلاً بتلزيم بعض أعمال صيانة الشبكة خلال الفترة السابقة، في مقابل اعتبار رئيس أوجيرو، عماد كريدية، أن هذه الأوامر تتعلق بأوامر أشغال متأخرة وليس بالصيانة.
وقد برز هذا الموضوع على خلفية تسريب وثيقة موقعة من كريدية وموجهة إلى وزير الاتصالات جمال الجراح بتاريخ 21 أيلول 2018 يطلب فيها «الموافقة على الاستعانة بشركات من القطاع الخاص لتلزيم صيانة الشبكة الهاتفية المحلية، وذلك لانتظام العمل في المرفق العام وتلبية حاجات المواطنين»، بانياً طلبه على مداولات جرت في اجتماع عقد في مكتب الوزير في 14 أيلول بحضور عدد من المديرين في الوزارة وأوجيرو بشأن «كثافة الأعطال المتراكمة وقدوم فصل الشتاء، بحيث يتعذر عليها تلبية حاجات المواطنين الملحّة خلال الفترة المطلوبة» (وافق الوزير على الطلب في الأول من تشرين الأول الماضي).
ورداً على سؤال حول عدم إشارة الوثيقة إلى مسألة أوامر الأشغال بل الصيانة حصراً، أوضح كريدية أن ذلك يعود إلى كون المراسلة أتت لتستكمل ما كانت تقوم به الهيئة من تلزيم لبعض الأعمال المتأخرة، والتي لم تنجز كلها خلال عام من الحصول على موافقة الوزير على تلزيمها (2017). ولحسم الأمر، طلبت اللجنة من كريدية إحضار المسوغ القانوني الذي اعتمد عليه لإعادة الكابلات وصورة عن شيك الضمان الموقع من الشركة.
ومقابل حسم مسألة حصرية الصيانة لأوجيرو، وتأكيد كريدية أنه «أستقيل ولا أوقّع على تلزيم الصيانة»، اعتبرت اللجنة أنه يمكن لأوجيرو أن تلزّم المنشآت الواردة بأوامر عمل من المديرية العامة للتجهيز والانشاء، وكذلك بالنسبة إلى توريد المواد. وهو ما لاقته الوزارة كما أوجيرو برفض التنازل عن أي صلاحية لأوجيرو بموجب العقد الموقع.
قبل ذلك، كانت استفاضت اللجنة في أسباب تأخر توقيع العقود، وأكدت ضرورة أن تُوقّع هذه العقود السنوية في وقتها بين المديرية العامة للإنشاء والتجهيز وهيئة “أوجيرو” ضمن الاصول القانونية لجهة توافر الاعتمادات والرقابة المسبقة لديوان المحاسبة، علماً بأن التأخير في توقيع العقود أدى إلى نشوء مخالفات جسيمة تتعلق بكيفية صرف أجيرو خلال سنتين من دون أي اعتمادات قانونية.
الحيز الأكبر من النقاشات كان من نصيب ملف التوظيف في أوجيرو، فطلبت اللجنة تقريراً يتعلق بعمل الـ629 مياوماً الذين أشار كريدية إلى أنهم انضموا إلى الهيئة وجرى توزيعهم على المديريات والأعمال التي ينجزونها. وقد حصل إجماع على أن أغلبية من وظّفوا إنما وظّفوا بناءً على طلبات سياسية، وهو ما لم ينكره كريدية، لكنه اعتبر أن معظم من انضموا إلى الهيئة إنما أصابوا حاجاتها. لكن الأهم، ومنعاً لتكرار التوظيف السياسي، الذي ركّز بعض أعضاء اللجنة اعتراضهم على عدم عدالته بين القوى السياسية، لا على مبدأ رفضه، أوصت اللجنة بأن تقوم أوجيرو، اعتباراً من مطلع عام 2019 بالاعلان عن حاجاتها بالتفصيل وإجراء مباراة تطبيقاً لمبادئ المساواة والشفافية بين المواطنين.
مسألة إعطاء عدد من الشركات الخاصة حق استعمال شبكة الفايبر أوبتيك تكررت في اللجنة. لماذا أصرّ وزير الاتصالات على إعطاء هذا الحق لثلاث شركات، متخطّياً وقف التنفيذ الذي أصدره مجلس شورى الدولة، من خلال إصدار قرارات تعديلية لها، ومتجاهلاً احتمال أن تُبطل هذه القرارات؟ ولماذا عاد وحصّن قراراته بمراسيم صادرة عن مجلس الوزراء، من دون أن يعمد حتى اليوم إلى تنفيذ هذه المراسيم وآليات الترخيص التي تحددها؟
وإذ وجدت اللجنة أن هذه القرارات تعطي امتيازات لعدد من الشركات بشكل غير عادل ولا يحقق المنافسة، فقد طلبت أن يُفتح المجال أمام كل الشركات الراغبة في الدخول إلى القطاع إن كانت هذه الخطوة قانونية أو إلغاء مراسيم الترخيص من أساسها.
وفيما كان رئيس اللجنة حسين الحاج حسن يؤكد ضرورة تنفيذ القانون 431 وتعيين الهيئة الناظمة للاتصالات، فقد أبدى وزير الاتصالات تحفظه على القانون، انطلاقاً من كونه قد أقرّ منذ 16 عاماً (2002) وصار قديماً بالمقارنة مع التطور الذي يشهده قطاع الاتصالات. لكن كان واضحاً بالنسبة إلى النواب الحاضرين أن تنفيذ القوانين ليس اختيارياً، فإما تنفذ أو يصار إلى إلغائها أو تعديلها بالأطر القانونية، أي من خلال مجلس النواب.
وعليه، طالب رئيس اللجنة باعتماد سياسة متكاملة ورؤيوية في قطاع الاتصالات، تستند الى القانون 431 بما يتضمن تعيين الهيئة الناظمة للاتصالات وإنشاء شركة اتصالات لبنان حيث يتحدد دور كل من وزارة الاتصالات بمديريتيها (المديرية العامة للإنشاء والتجهيز والمديرية العامة للاستثمار والصيانة) ودور “أوجيرو” ودور “ليبان تيليكوم” ودور الهيئة الناظمة للاتصالات ودور شركتي الخليوي. وقال إن «على الحكومة المقبلة أن تحدد موقفاً في هذا الخصوص عند تشكيلها ونيل الثقة، وأول نقطة عليها أن تحسمها بتعيين هيئة ناظمة وإنشاء ليبان تيليكوم، وإذا لم تشأ فعليها أن تعدل القانون، لكن هناك قانون يجب أن يطبق، وهذه نقطة مركزية».