تحقيق رولان خاطر
من “مستقر” إلى “سلبي”. هذا هو رأي الوكالات الدولية والمؤسسات المالية والاستثمارية العالمية بلبنان. بعد تصنيف “موديز” و”كابيتال انتليجنس”، جاء تصنيف الوكالة الدولية “فيتش” ليرفع نسبة الخوف لدى اللبنانيين، ويطرح السؤال: “هل نحن ذاهبون الى المهوار أم أننا سلكنا طريقه بانتظار نهايته”؟
تعتمد تبريرات تصنيفات الوكالات الدولية بشكل أساسي على التدهور الناتج من عجز الخزينة ودينامية الدين العام، وارتفاع الضغوط على النموذج اللبناني، بما فيها تراجع نموّ الودائع، وزيادة الاعتماد على المعايير غير التقليدية التي يقوم بها مصرف لبنان في مواجهة هذه الضغوط.
فما هي تداعيات هذه التصنيفات اقتصادياً ومالياً، وهل تأليف حكومة جديدة سيغيّر في مرتبة لبنان مالياً واقتصادياً؟
بروفسور روك – انطوان مهنا عميد كلية الاقتصاد وادارة الاعمال في جامعة الحكمة، قال لـIMLebanon: “نحن في قلب العاصفة، في قلب الأزمة الاقتصادية، وهذا ما كنت حذرت منه سابقاً، إن في اقرار سلسلة الرتب والرواتب التي نبّهنا أن تداعياتها ستكون سلبية لأن أرقامها خطأ، اضافة الى الشلل السياسي وتكاثر الاخطاء وغياب الاصلاحات، ناهيك عن الضغط النقدي على الليرة، ما أدى إلى الشلل الحاصل اليوم. ونحن اليوم على أمل ورهان كبيرين في الحصول على اموال “سيدر”، التي تشكل “إبرة مورفين” لخمس سنوات، اذا لم يحصل حدث اقليمي أو محلي يزيد الوضع سوءا”.
مهنا أشار إلى أننا “توقعنا مسبقاً التصنيف “السلبي” للوكالتين الدوليتين، لأسباب عدة، أهمها، أن المالية العامة تتراجع، النمو يتباطئ ويتراجع، ركود اقتصادي يوازيه التضخم بسبب الكتلة النقدية غير المنتجة التي هي السلسلة التي تخطت مليار و800 مليون دولار، التي من المتوقع ان تصل الى المليارين، التي لم تأخذ بالاعتبار التضخم المتزايد بعدد المتقاعدين والأجور، والتوظيف العشوائي وغيرها من الخزعبلات.
وصلنا الى مرحلة اليوم تسمى في الاقتصاد (Stagflation) أو الركود التضخمي، وهي عاهة كبيرة وخللها الاقتصادي مؤذ وطويل الأمد، لهذا السبب لست متفاجئا بهذا الصنيف كما قال مهنا.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني، في حديث لـIMLebanon “أن تصنيف الوكالتين الدوليتين “موديز” أو “فيتش” التصنيف المستقبلي للبنان من “مستقر” إلى “سلبي” معناه أن المخاطر في المرحلة المقبلة على لبنان ستزداد أكثر على الديون السيادية لأسباب عدة، منها، استمرار ارتفاع عجز المالية العامة، استمرار التضخم، استمرار الارتفاع في عجز ميزان الحساب الجاري، وامكانيات مصرف لبنان بحاية الليرة تستنفذ تدريجيا والاجراءات التي يتخذها البنك المركزي تستنفد بدورها، بالتوازي مع ازمة سياسية تصيب لبنان لم تعالج حتى الآن.
… ما بعد الحكومة؟!
وزني اعتبر ان هذه النظرة المستقبلية السلبية هناك امكانية لاعادة النظر فيها في حال تشكلت الحكومة، التي يمكن ان تعطي جرعة ثقة موقتة، خصوصا ان هذه الحكومة تعهدت بانها تريد أن تأخذ اجراءات فعلية على صعيد المالية العامة وضبط المديونية، فتعزز الثقة بالخارج من ناحية تصنيفات الوكالات الدولية والمؤسسات المالية الدولية، ومن ناحية المستثمرين والمودعين، فالأسواق تترقب اجراءات الحكومة وجديتها في تنفيذها. وفي هذا الإطار، عجز الحساب الجاري الذي يتخطى الـ20% من الناتج المحلي هناك امكانية لان يتراجع، فنشهد في العام الجديد بعض التدفقات المالية.
وأوضح وزني أنه لا يراهن على ان الحكومة العتيدة ستغير الوضع بمجمله، بل ان تشكيلها يمكن ان يعطي “جرعة دعم” للاقتصاد. لذا يجب ترجمة جرعة الدعم باجراءات فعلية واصلاحية تجعلنا نستفيد في العام 2019 من تعهدات مؤتمر “سيدر”، ومن عملية تنقيب النفط والغاز. فاذا قامت الحكومة بهذه الاصلاحات يمكننا ان نقول ان التوقعات المستقبلية والنظرة المستقبلية للاقتصاد الوطني قد تتحسن ويبقى مستقرا.
وزني أعرب عن خشيته، في ظل استمرار وجود هذه الطبقة الحاكمة منذ سنوات، ان لا تستطيع ان توقف تدهور المالية العامة، وأن توقف الدين العام بسبب وجود صعوبة للقيام بالاصلاحات. من هنا، قبل تغيير عقلية المسؤولين، من الصعب ان نلمس تحسنا في الموضوع، وبالتالي، فإن تأليف الحكومة قد يعطي جرعة دعم موقتة بانتظار ان نرى حلولاً واصلاحات جذرية، واذا لم تقم بهذه الاصلاحات فالتدهور سيكون أسرع وأسرع.
البروفسور مهنا قال من جهته: “تشكيل الحكومة لن يحل الأزمة، بل سيحسنها”. فتشكيل الحكومة يعطي أملا وصدمة ايجابية نفسياً، قصيرة الامد، خصوصاً أننا في الفصل الرابع من السنة، اكثر الفصول الذي يساهم بالناتج المحلي بسبب الاعياد، وكثرة الاستهلاك، ومجيء السياح، ما يخلق حركة اقتصادية، لذا الفصل الرابع هو فصل ايجابي ومساهم كبير في الاقتصاد.
اذا، الحكومة تعطي فسحة امل و”جرعة ايجابية” في هذا الشهر لجهة توقيتها، لان عدم التشكيل سيقود البلد إلى الأسوأ، كما يقول مهنا، وبالتالي، التشكيل سينعكس نفسياً، من خلال استثمارات ولو ضئيلة، في ظل الفوائد العالية للمصارف، وفي ظل غياب القروض السكنية، وامتصاص السيولة من المصرف المركزي للحفاظ على الاستقرار النقدي.
ولكن، اضاف مهنا: “العبرة تكمن في “الأداء”. لذا يجب المجيء بوزراء متخصصين بوزاراتهم وإداراتهم، بغض النظر عن انتمائهم السياسي، فيحققوا اصلاحات داخل هذه الوزارات، مما يعطي استكمالا للصدمة الايجابية التي تحققت عبر تشكيل الحكومة، إضافة الى الاصلاحات المشروطة من قبل المجتمع الدولي للحصول على اموال “سيدر”.
ويبقى الاهم بحسب مهنا، اصلاح القطاع العام، الذي يشكل العبء الأكبر، بما يشكل اكثر من 37 % من نفقات الموازنة التي تذهب رتب ورواتب واجور وتعويضات ونهاية خدمة، وهو يعتبر اقل القطاعات انتاجا ضمن القطاعات اللبنانية، وبالتالي نحن بعكس السير العالمي، حيث ان لبنان ذات الاقتصاد الصغير والمفتوح، يتوجب عليه بحسب المعايير الدولية استخدام 10% عمالة في القطاع العام من اصل مجمل العمالة، فيما لبنان تخطى هذه النسبة الى الـ25% من العمالة في القطاع العام، الذين يجب تنظيمهم وتدريبهم لتنفيذ اللامركزية الادارية من خلالهم.
وإذ شدد البروفسور مهنا على مبدأي المحاسبة والمساءلة، اعتبر أن المشكل الأساسي اليوم هو في “الفساد المقونن”، وبالتالي، فإن المنظومة السياسية الموجودة اليوم، قسم كبير منها، ليس له مصلحة أن يتوقف الفساد، لأنه يصبّ في جيوبهم ويمول اتباعهم وجماعاتهم، لذلك يكبّرون شريحة القطاع العام.
فالواقعية تؤكد ان لا مصلحة لهم بوقف الفساد، لكن رغم هذا الوضع، هناك آليات علمية واقتصادية وادارية، واستنادا الى تجارب دولية، ساهمت هذه الاليات بتخطي نسبة الفساد الموجودة في تلك الدول الى مستويات متدنية، تصل الى 50%، كالحكومة الالكترونية على سبيل المثال. تشريعات الاثراء غير المشروع. استكمال المراسيم التطبيقية لقانون حق الاطلاع على المعلومات. وقف الهدر في الكهرباء. كلها خطوات تساهم في التخفيف من الهدر والفساد، كما اكد مهنا.
اذا، هناك إجماع من قبل الخبراء الاقتصاديين أن الحل الوحيد لتفادي الانهيار المالي والاقتصادي الكامل هو في تغيير هذه الطبقة السياسية لطريقة تفكيرها، والبدء بتطبيق الاجراءات الاصلاحية الجذرية التي توقف مكامن الهدر والفساد في السلطة.