تجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب كبار مستشاريه للأمن القومي وفاجأ القادة العسكريين الأميركيين على الأرض وصدم أعضاء الكونغرس وحلفاءه بقراره سحب القوات الأميركية من سوريا، وهو قرار يقلب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط رأسا على عقب.
ويقول مسؤولون حاليون وسابقون وأشخاص اطلعوا على القرار إن النتيجة ستكون تمكين روسيا وإيران وعدم استكمال تحقيق هدف القضاء على خطر عودة تنظيم “داعش” الذي خسر أغلب الأراضي التي كان يسيطر عليها.
وقال مسؤولان كبيران إن ترامب مضى قدما في قراره في الأسابيع القليلة الماضية، رغم محاولات كبار مستشاريه إثناءه، عازما على الوفاء بتعهد انتخابي بتقليص المشاركة العسكرية الأميركية في الخارج.
وتحمل الخطوة أصداء رفض ترامب للاتفاق النووي مع إيران واتفاق تغير المناخ الموقع في باريس وتتوافق مع فلسفة ”أميركا أولا“ والتعهد الذي قطعه الرئيس بإنهاء المشاركة العسكرية.
وقال مسؤول بارز سابق بإدارة ترامب إن قرار الرئيس اتخذ أساسا قبل نحو عامين، وإن ترامب تجاهل أخيرا ما اعتبرها نصيحة غير مقنعة بالإبقاء على القوات.
وقال المسؤول السابق المقرب من البيت الأبيض ”الرئيس انتصر. كان يميل دائما إلى عدم البقاء هناك“ وأضاف أن مجموعة متنوعة من كبار مستشاريه نصحوه بعدم الانسحاب.
وتابع المسؤول السابق يقول إن ترامب كان يسأل في اجتماعاته مع مستشاريه ”ما الذي نفعله هناك؟ أعلم أننا هناك لقتال داعش، لكننا فعلنا ذلك. والآن ماذا؟“
وفهم ترامب وجهات نظر كبار مستشاريه بأن القوات الأميركية ليست على الصفوف الأمامية وأن عددها لا يتجاوز ألفي جندي وأن وجودها يعزز بدرجة كبيرة القوات المحلية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه رفض ذلك قائلا إنه كان يريد الانسحاب فور سقوط الرقة وغيرها من معاقل التنظيم المتشدد.
وقال مسؤول دفاعي أميركي إن مسؤولي وزارة الدفاع (البنتاغون) يرون على نطاق واسع أن قرار ترامب يخدم مصالح روسيا وإيران، اللتين استخدمتا دعمها للحكومة السورية في تعزيز نفوذهما الإقليمي. كما طورت إيران قدرتها على نقل السلاح إلى “حزب الله” لاستخدامه ضد إسرائيل.
ورد المسؤول الدفاعي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، على سؤال عن المستفيد من الانسحاب قائلا ”من الناحية السياسية روسيا ومن الناحية الإقليمية إيران“.
وقال مسؤول دفاعي أميركي آخر طلب عدم نشر اسمه كذلك إن قادة الجيش الأميركي أبدوا قلقهم للإدارة بشأن ما قد يعنيه الانسحاب السريع للقوات المحلية المدعومة من الولايات المتحدة التي تحارب “داعش”. وقال المسؤول إن خطة الانسحاب باغتت القادة العسكريين.
وكتب جاك كين النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش على تويتر يقول إن ترامب ”دمر الملاذ الآمن لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وسيخسر السلام بالانسحاب“.
وأضاف كين الذي ينظر إليه باعتباره خليفة محتملا لوزير الدفاع جيم ماتيس ”التنظيم سيعاود الظهور، وإيران التي تمثل تهديدا أكبر ستهيمن على سوريا بالكامل، وإسرائيل ستكون في خطر أكبر“.
ومثل خبراء آخرين يقول كين، وهو محلل لدى فوكس نيوز، إن ترامب، بقرار الانسحاب، يتخلى عن قدرة واشنطن على القيام بدور رئيسي في التوصل إلى تسوية للحرب الأهلية السورية.
ويتفق تشارلز ليستر الخبير في معهد الشرق الأوسط مع هذا الرأي قائلا إن القرار ”يهدم تماما الاستراتيجية الأمريكية الأوسع في سوريا، وربما الأهم من ذلك، (يهدم) محور سياسة إدارة ترامب، وهو احتواء إيران“.
وتابع يقول ”سوريا هي جوهرة التاج في استراتيجية إيران الإقليمية“.
ورفضت إدارة ترامب وجهة النظر هذه. وقال مسؤول بارز بالإدارة ”هذه القوات التي ننشرها في سوريا لم تكن قط هناك لمواجهة إيران. كانت هناك لتدمير دولة الخلافة“. وأضاف ”لذلك أعتقد أن حكم الرئيس بأن المهمة بلغت نهايتها مبرر تماما“.
وشكا نواب من الحزبين الجمهوري والديموقراطي من أنهم لم يطلعوا مسبقا على القرار. وقال جيف فليك عضو مجلس الشيوخ الجمهوري وعضو لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس لرويترز إن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أبدوا خيبة أملهم أثناء غداء مع مايك بنس نائب الرئيس.
وقال مسؤولون فرنسيون طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم إنهم يسعون لفهم ما يعنيه القرار بالتحديد وكيف سيؤثر على مشاركتهم في عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وأوضح ل دبلوماسي فرنسي ”إذ اتضح أن الأمر بالسوء الذي يبدو عليه، ستكون هناك مشكلة خطيرة بالنسبة لنا وللبريطانيين لأن التحالف عمليا لا يجدي بدون الولايات المتحدة“.