كتبت سيسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
بلغت ماريان عامها السابع وما زالت ترتعب من رؤية بابا نويل، ولا تهدأ إلّا بعد مغادرة مكان تواجده؛ أمّا أختها التوأم فتفرح كثيراً عند رؤيته، ما يسبّب ارتباكاً ليلة العيد لأفراد العائلة. وتحاول الوالدة منذ عام ماريان الثاني إجبارَها على التقرب من بابا نويل، بينما يرى والدها بأنّ من الأفضل تركها على راحتها إلى حين تتقبّل وجوده.
لماذا يخاف بعض الأطفال من بابا نويل؟ هل يعتقدون فعلاً بوجوده؟ متى يعرفون أنّه شخصية غير حقيقية؟ ولماذا يتمسّك الأهل بحضوره؟ إلى ماذا يرمز؟ وهل له دور إيجابي في نموّ الأطفال وفي فرحة العيد؟
بابا نويل كذبة جميلة وواعدة، مغلّفة بالسحر والألغاز، تساهم في نموّ وتطور الأطفال، وعند تخطيهم مرحلة الطفولة، ينتقلون إلى مرحلة الواقع العملي والمنطق بالنسبة له.
صحيح أنّنا نربّي أولادنا على الصدق وقول الحقيقة، إلّا أنّنا لا نلتزم بذلك في ما يخصّ بابا نويل، ونحن هنا لا نسعى إلى أن نكون مثلاً سيّئاً لهم، أو الى فقدان ثقتهم بكلامنا، بل الهدف من دفع الأطفال إلى الإعتقاد بوجوده يساهم في نموّ انتمائهم للمجتمع وتقاليده، للعادات المتعلقة به، فيصبحون جزءاً منها فيما بعد؛ كما نساهم بذلك في تطوير مخيلة الأطفال والتصور لديهم، ما يشبه رواية ما قبل النوم حيث يتخيّلون صور الشخصيات والأحداث.
في الميلاد نعرّف أولادنا على تقاليد وعادات المجتمع الذي ننتمي إليه فنزيّن شجرة العيد، نتبادل الهدايا، يزورنا بابا نويل، نحتفل على المائدة بالأصناف المميّزة، نتبادل الزيارات والتهاني، وننمّي لدى صغارنا الإنتماء للمجموعة من خلال هذه النشاطات. ونرى هنا اختلافاً في الزينة وطقوس العيد أثناء التحضيرات والإحتفالات بين مجتمع وآخر.
وبين عمر الـ6 و10 سنوات، يتوقف الأطفال عن تصديق حقيقة وجود بابا نويل ويدخلون إلى عالم أكثر واقعية، في حين يرغب البعض بإطالة هذه الفترة.
أمّا استمرار الإعتقاد بحقيقة وجوده لفترة أطول فقد يكشف عن رغبتهم بنكران الواقع المعاش، إلى أن يكشف لهم رفاقهم أو أشقاؤهم الحقيقة الواضحة الجليّة.
يساهم بابا نويل وغزلانه وأكياس الهدايا، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالعيد من مظاهر، في نموّ المخيّلة لدى الأطفال. فهم يعيشون لغاية عمر الـ7 -8 سنوات في الأفكار السحرية، يتخيّلون سيناريوهات ويؤلفون القصص.
بعد هذه المرحلة تبدأ الأفكار الحقيقية والواقعية الملموسة بالنموّ، فيجمع الأطفال الأحداث ويتوصلون إلى خاتمة منطقية لها، لذلك على الأهل الإجابة على الكثير من الأسئلة في هذا السن. من الضروري تنشيط مخيّلة الطفل في مرحلة النموّ، ليتأقلم بعدها مع الحياة، ويمتلك القدرة على التعاطي مع الصعوبات والمشكلات، فالشخص الناضج يحتاج لتلك المخيّلة لإيجاد الحلول المناسبة للعراقيل الحياتية عن طريق التصور.
يمثل بابا نويل شخصية إيجابية، خاصة للأطفال. هو فرح ومرح ويعكس صورة الأب الطيب الذي يفكر بأبنائه ويحمل لهم الهدايا ويروي لهم القصص ويُسمعهم أغاني العيد.
الأطفال وحقيقة بابا نويل
يعمد الأهل إلى استعمال بابا نويل كعلامات ومكافأة لأبنائهم على مرور العام، فالجيد والمطيع والناجح سوف يرضى عنه ويأتيه بمزيد من الهدايا، وإلّا… وهذا ما قد يخلق حالة من القلق لدى الأطفال، فبابا نويل هو القادر، هو الذي سوف يكافئ، وعند التقصير والخطأ قد ينشأ لديهم شعور بالقلق والذنب والإحباط والخوف من الحرمان والإهمال وعدم الحب.
كما أنّ ربط كون الطفل جيّداً وناجحاً بهدية بابا نويل قد يؤذي مَن حرم منها لأسباب إجتماعية واقتصادية، فيشعر بالذنب بسبب شيء قام به ويحاسب عليه بعدم حصوله على الهدايا، لذلك ليس من الصحي اعتماد بابا نويل كوسيلة لتحفيز أبنائنا، وعلينا بالتالي عدم ربطه بالإنجازات والمكافأة.
كيف نخبر الأطفال أنّ بابا نويل غير موجود؟
يبدأ الأطفال بالشك شيئاً فشيئاً بوجود هذا العجوز المحمّل بالهدايا، ويجب عندها على الأهل مرافقتهم للوصول إلى اليقين والواقع، فيشعرون بأنهم أصبحوا «كباراً» وموضع ثقة، مع استمرار كون مَن يقهقه «هوهوهو» رمزاً للهدايا والكرم والفرح.
عندما يخاف الطفل من بابا نويل
نلتقي أحياناً بأطفال يخافون من بابا نويل، ويظهر ذلك بوضوح من خلال البكاء والصراخ والإنفعال الشديد كلما قرّبهم أهلهم من هذا الضيف الغريب والذي لا يشبه مَن اعتادوا على رؤيتهم.
من المفضل بهذه الحالة عدم إجبار الطفل على الإقتراب، بل الإبتعاد وترك الصغير يشاهد الأطفال الآخرين فرحين حوله، علّه يقترب في الوقت الذي يراه مناسباً؛ أمّا إذا أجبرناه على الإقتراب والمشاركة فقد يتعرض لصدمة نفسية ويربط بابا نويل بذكرى سيّئة عن العيد طوال حياته.
أما في حال الخوف الشديد، فيمكننا أن نقول للطفل إنّ بابا نويل هو شخص متنكّر كما في عيد البربارة، كما نستطيع أن نعطي الطفل قبعة وقناعاً أو لحية مشابهة فينخفض مستوى الخوف لديه.
لبابا نويل رمزيّته في عيد الميلاد، هو يحمل الفرح والسرور والهدايا ليس فقط للأطفال بل لجميع أفراد الأسرة، خصوصاً في حال المبالغة في عيش هذه الكذبة من جديد.
إذا نظرنا إلى رسائل بابا نويل نلاحظ بأنّ الكثير منها يأتي من أشخاص بالغين يطلبون هداياهم من صاحب اللحية البيضاء، كأنهم يدخلون اللعبة أحياناً. وكم من الشباب والمسنّين يغرقون سنوياً في هذا الشخص الوهمي الذي يصدّقون وجوده لوهلة سعياً وراء فرح وأحلام الطفولة؟