كتب ريمون شاكر في “الجمهورية”:
بأيّ حالٍ عُدت يا عيدُ، والأمّة العربية مشرذمة ومفكّكة وتعيش حالة من النكبة والضعف والفرقة. من السودان إلى ليبيا، ومن اليـمن إلى العراق وسوريا، شعوب مشرّدة تعيش جحيـم الـحروب والفقر والـخوف. وفلسطيـن التـي كانت القضية الـمركزية الأساسية فـي حياة الأمّة، جاءتـها ثورات الربيع العربـي فأخفت وهجها وبريقها. ولسوء حظّها، جاءها الرئيس الأميـركي دونالد ترامب، فشهرَ عداءَه الواضح لـها وأعلن قراره التاريـخي بالإعتـراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مُـخالِفاً القرارات الصادرة عن الـجمعية العامة للأمـم الـمتحدة ومـجلس الأمن، ومُـخالِفاً إتفاق أوسلو بيـن منظمة التـحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وفـي لبنان، يطلّ علينا عيد الـميلاد هذه السنة، والبلاد أنـهت شهرها السابع من دون حكومة تعالـج قضايا الناس وتنهض بالإقتصاد الـمتزعزع وتضع حدّاً للهدر والفساد الـمستشريَيـن فـي كل مفاصل الدولة.
لا يكاد يـمرّ يوم إلّا وتنفجـر فضيحة من العيار الثقيل تـهزّ البلاد ثـم «تُلفلَف» بسحر ساحر ويوضع الـملفّ فـي الأدراج، لأنّ وراء كل فضيحة أحد رموز الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة.
من مرسوم التـجنيس الذي أعطى الـجنسية اللبنانية لـمئات الأشخاص الأجانب معظمهم من السورييـن القريـبـيـن من النظام السوري وأسـماء مالية مشبوهة مقرّبة من سياسيـيـن ومتنفّذيـن.
إلى فضيحة ملفّ عودة النازحيـن السوريـيـن وربط العودة بالظروف الأمنية والسياسية والـخدماتية والـمعيشية، وحديث عن رفض السلطات السورية نصف اللوائح التـي تتسلّمها، سواءٌ من الأمن العام أو الأحزاب، على خلفيّة أنّ النظام يعمل على إحداث تغيـيـر ديـموغرافـي. فـهل تُدرك القيادات السياسية هذا الواقع الـخطيـر وتداعياته الـمأساوية على الصعد كافةً فـي ظلّ الـخطط التوطينية الـمشبوهة ؟
إلى فضيحة الـمدرسة الـحربية ودفْع أموال مقابل دخول ضباط إلى الـجيش اللبنانـي، إلى فضيحة قيام عسكريـيـن بتزوير شهادات جامعية بغية الـحصول على ترقيات، وتورّط أساتذة وعسكريـيـن وجامعات.
إلى فضيحة الفيضانات التـي سبّبها إقفال مـجرور الصّرف الصحّي، الذي يصبّ فـي البـحر قرب مشروع «الإيدن باي» فـي منطقة الرملة البيضاء فـي بيـروت و»تـجهيل للفاعل الـمعلوم» الـمدعوم من كبار القوم.
إلى فضيحة مـحطّات تكرير مياه الصرف الصـحّي التـي كلّفت الدولة منذ التسعينات مئات الـملايــيـن من الدولارات وهي لا تكــرّر متـراً مكعباً واحداً من الـمياه الآسنة، ولا مـحطّات تعمل باستثناء مـحطّات بدائية.
إلى فضيحة سلسلة الرتب والرواتب التـي إستعجل بعض الـمسؤوليـن على إقرارها قبل الإنتخابات النيابية ليكسبوا بعض الأصوات، فغشّوا الناس بأرقام كلفتها وإيراداتـها، إذ قدّروا كلفتها بـ 800 مليون دولار، ولكنها إرتفعت إلى 2.5 مليار دولار، وأضافت عبئاً إضافياً على الإقتصاد اللبنانـي الـمُنهَك. فالضرائب التـي تـمّ فرضها لتـمويل السلسلة بشكل غيـر مباشر جرى تضـخـيم وارداتـها، مـا إضطر الدولة إلى الإستدانة لدفع الأجور.
إلى فضيحة كسْر هيبة الدولة على أثر العراضة السيّارة والـمسلّحة التـي قام بـها أنصار الوزير السابق وئام وهاب وصولاً إلى بلدة الـمختارة حيث دارة آل جنبلاط، وبعد القرار القضائي بـمثول وهاب أمام شعبة الـمعلومات فـي قوى الأمن الداخلي للإستـماع إليه فـي إخبار موجّه ضدّه بتهديد السلم الأهلي، على خلفية التعرّض للرئيس الشهيد رفيق الـحريري ونـجله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الـحريري إثر توجيهه عبارات نابية وإهانات إليه وعائلته.
أمّا الفضيحة الكبـرى والأهـمّ، فتبقى قضية تعطيل حياة اللبنانيـيـن سبعة أشهر، فـي إنتظار موافقة كل الأطراف على حصصهم والـحصول على ضوء أخضر إقليمي يسمح بولادة الـحكومة.
لـم يـختلف السياسيون على الـمشاريع والبـرامـج والـمبادئ، ولا على خطة عمل للـخروج من الـمأزق الإقتصادي والـمالـي، بل إختلفوا، ويا للأسف، على تقاسـم الـحصص والـمكاسب والـمناصب، وعطّلوا البلد وشلّوا الإقتصاد وسبّبوا هجرة 37 ألف شاب خلال سنة واحدة، وجعلوا وكالتَـي «موديز» و»فيتش» تعدّلان نظرتـهما الـمستقبلية لتصنيف لبنان الإئـتـمانـي من مستقرّ إلى سلبـي إثـر تصاعد التوترات الداخلية والـجيوسياسية. وتوقّـعت «فيتش» أن يصل الدين الـحكومي إلى % 158 من الناتـج الـمحلّي الإجـمالـي فـي عام 2020. فـهل تستـحقّ زيادة حصّة «حزب الله» مقعداً وزارياً، ومنْع الوزير جبـران باسيل من نيل الثلث الـمعطّل كلّ هذا التشنّج والتعطيل والتدهور الإقتصادي والـمالـي والـمعيشي؟
إنّ التنازل عن مقعد وزاري لـمصلحة سنّة «الـحزب» غداً كلفة بسيطة قياساً إلى ما بات يواجه العهد من مـخاطر إقتصادية ومالية. ولا بدّ من توجيه الشكر إلى الـحزب الشيوعي الذي حرّك الشارع فـي وجه هذه الطبقة الـحاكمة، وجعل الذعر يـجتاح كلّ الأطراف التـي كانت «تتعنتـر» وتتـجبّـر وتضع الشروط وتزِن الأحجام.
لا نعرف إذا كانت الـحكومة الـجديدة ستغيّـر الكثـيـر فـي الواقع السيّئ الذي تعيشه البلاد، بعدما شاهدنا ولـمسنا مآثر أقطابـها ودلعهم وتعنّتهم، ولكننا، ورأفةً بـهذا الشعب الذي إجتاحه الفقر واليأس والـخوف، ورأفةً بالـمؤسّـسات التـي تقفل أبوابـها الواحدة تلو الأخرى، ندعو جـميع قادة الأحزاب إلى وقفة وطنية وإنقاذية قبل فوات الأوان. فـحرام أن تأتـي الأعياد وتـمضي من دون فرح وطمأنينة وثقة وأمل بـهذا الوطن.