Site icon IMLebanon

روسيا خيار الأكراد الأخير لتجاوز ضرر الانسحاب الأميركي

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: يجد أكراد سوريا أنفسهم في موقف صعب ومعقّد بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ من حيث توقيته سحب قوات بلاده من سوريا، والذي يوازي من حيث وقعه التدخل الروسي المباشر في الصراع السوري في العام 2015، الذي قلب موازين القوى بشكل جذري.

ويتجنّب الأكراد إلى اليوم التعقيب عن موقفهم من استمرار التعاون مع الولايات المتحدة، رغم شعورهم بالخذلان وخيبة الأمل من قرار ترامب الذي عمّق الانقسامات حتى في داخل المؤسسة الأميركية ذاتها.

بالمقابل لا يتوانى الأكراد عن التحذير من تداعيات هذا الانسحاب على الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أن هذا القرار من شأنه أن يعطي لعناصر التنظيم الذين لا يزالون منتشرين في بعض الجيوب في شرق سوريا دفعة معنوية قوية لإعادة تنظيم صفوفهم مجددا.

وأكدت مصادر كردية الجمعة أن التنظيم شنّ هجوما شرسا مستخدما الانغماسيين ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية في بلدة هجين التي استعادت الأخيرة السيطرة على جزء منها في الأيام الماضية. ويخشى أكراد سوريا من أن يجدوا أنفسهم محاصرين بين داعش وتركيا المتهمة بالسماح لعناصر التنظيم الجهادي من الأجانب المرور عبر أراضيها إلى سوريا، وتقديم الدعم لهم.

وينكبّ اليوم الأكراد الذي يشكّلون العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديمقراطية، على البحث عن خيارات بديلة من بينها التقارب مع روسيا التي حرصوا على مرّ السنوات الماضية في الإبقاء على قنوات تواصل معها رغم علاقتهم مع الجانب الأميركي، أو الرهان على باقي القوى المشكلة للتحالف الدولي ضد داعش وفي مقدمتهم فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وكان الرئيس دونالد ترامب قد صرّح في معرض إعلانه عن قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا أنه “حان الوقت ليقاتل الآخرون في الشرق الأوسط”. وزار وفد كردي الجمعة فرنسا لبحث الانسحاب الأميركي وسبل التخفيف من تداعياته الخطيرة، خاصة وأن باريس كانت سباقة في إعلان استمرار دعمها لقوات سوريا الديمقراطية وعدم الخروج من سوريا.

ودعت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، المشاركة في الوفد الذي زار باريس، فرنسا إلى لعب دور أكبر في هذه المرحلة.

وقالت أحمد “الحكومة الفرنسية كان لها مواقف واضحة في الأسبق لكنها لم تستطع أن تغيّر كثيرا من القرار التركي، نأمل منها أن تلعب دورها بشكل أقوى في هذه المرحلة”.

وأضافت “لباريس القدرة أن تلعب دورها ضمن الاتحاد الأوروبي وأن يتم فرض حظر جوي على هذه المناطق على الأقلّ كي لا يتم إعادة إنتاج داعش مرة أخرى وهو لسلامة الأمن الدولي”.

وحذّرت القيادية في مجلس سوريا الديمقراطية من أنه في ظل “التهديدات التركية وإمكانية إنعاش داعش مرة أخرى، نخاف بأن يخرج الوضع عن السيطرة وألا يعد بإمكاننا حظرهم (عناصر داعش) في المنطقة التي يتواجدون فيها” مشيرة إلى أن “هذا سيفتح المجال أمام انتشارهم”.

وطردت قوات سوريا الديمقراطية خلال العامين الأخيرين التنظيم من مناطق واسعة في شمال وشمال شرق البلاد، أبرزها مدينة الرقة التي كانت تعدّ معقله الرئيسي في سوريا.

وتشنّ قوات سوريا الديمقراطية منذ سبتمبر الماضي حملة على باقي جيوب التنظيم في محافظة دير الزور شرق البلاد، واستطاعت في الأيام الماضية السيطرة على جزء من بلدة هجين أحد أبرز معاقل التنظيم بيد أن عناصر الأخير ما تزال تحتفظ بالسيطرة على عدة بلدات على رأسها الشعفة والسوسة.

وهناك خطر ماثل آخر يتجسد في وجود الآلاف من عناصر التنظيم الجهادي في سجون لقوات سوريا الديمقراطية، وفي حال حدوث أي هزة كهجوم تركي على المنطقة، فإن هناك خشية من استغلال هؤلاء الوضع للفرار، وهذا تهديد تتجاوز تداعياته الجغرافيا السورية إلى الدول المجاورة وأوروبا.

وقالت إلهام أحمد “سنستمر في مهمتنا بمواجهة الإرهاب، لكن الأمر سيكون صعباً لأن قواتنا ستضطر إلى أن تنسحب من الجبهة في دير الزور لتأخذ أماكنها على الحدود مع تركيا”، في حال حصل أي استهداف من الأخيرة.

وفي وقت لاحق أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه على ضوء انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، فإن بلاده ستؤجل أي عمل عسكري، بيد أن ذلك لن يكون إلى أجل غير مسمى في دلالة على إصراره على طرد الأكراد من مناطقهم التاريخية على الحدود مع تركيا.

ويرى مراقبون أن موقف أردوغان يعكس وجود تفاهمات مع الجانب الأميركي، فضلا عن أن هناك فيتو أوروبيّا، وربما روسيّا أيضا لأن موسكو نفسها ليس من صالحها أن تسيطر أنقرة على منطقة شرق الفرات.

ومنذ تدخلها في المشهد السوري حرصت روسيا على بناء على علاقات تعاون مع تركيا مستغلة الفتور بين الأخيرة والولايات المتحدة، وترجم هذا التعاون بداية في حلب فحمص ثم في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سبتمبر الماضي في إدلب، الذي جنّب المحافظة عملية عسكرية واسعة للنظام وحليفته إيران.

ويرى محللون أن هذا التعاون يأتي في ظل وجود تقاطعات بين الجانبين غذتها الخلافات التركية الأميركية بشأن عدد من الملفات وفي مقدمتها الملف الكردي، بيد أن ذلك لا ينفي أن هناك اختلافات جذرية في الرؤى التركية الروسية، فأنقرة تدعم المعارضة السورية فيما موسكو تدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

ويشير المحللون إلى أن روسيا تسعى إلى إعادة كامل سوريا تحت سلطة الأسد، أما تركيا فتعمل بالواضح على اقتطاع الجزء الحدودي داخل سوريا، وإخضاعه لسيطرتها سواء عبر الاحتلال المباشر، أو فرض بيئة موالية لها، من خلال طرد الأكراد وتغيير التركيبة الديموغرافية عبر توطين الآلاف من النازحين السوريين إليها (معظهم عرب سنة) في تلك الرقعة الجغرافية.

وسبق وأن مارست تركيا عملية تهجير ممنهجة للمكوّن الكردي في المناطق التي سيطرت عليها سواء بدعم من الفصائل المعارضة الموالية لها وآخرها في عفرين.

ومن شأن هذه الخطوة التركية ليس فقط الإضرار بالمكون الكردي الأصيل في تلك المنطقة، بل وأيضا أن يعزز من النفوذ التركي على طول الحدود من سوريا، وهذا الأمر لا يصبّ في صالح روسيا كما إيران.

ويقول المحللون إن الأكراد يعون ذلك جيدا وبالتالي قد يلجؤون إلى تعزيز تقاربهم مع روسيا، ولكن هم يتريثون في الإقدام على هذه الخطوة لأنها وإن كانت سترد عنهم الخطر التركي إلا أنها في الآن ذاته قد تنهي حلمهم بإعلان إقليم حكم ذاتي في تلك المنطقة.

ويشير المحللون إلى أن هذا الأمر هو الذي على ما يبدو دفعهم إلى البحث بداية في خيار جس نبض باقي القوى المؤلفة من التحالف الدولي لتعويض الفراغ الأميركي، وفي حال استشعروا عدم جدواه، حينها لن يعود أمامهم من مخرج سوى الاستنجاد بروسيا.

وكانت كل من فرنسا وألمانيا أول من سارعتا إلى إبداء موقف رافض من القرار الأميركي المباغت، وأعلن الطرفان استمرار دعمهما لقوات سوريا الديمقراطية.

وتنظر روسيا إلى الانسحاب الأميركي بحذر هو أقرب للريبة، وأشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الجمعة إلى وجود تساؤلات كثيرة بعد هذا القرار، مستدركا “لكن القرار المتعلق بسحب عسكريين يتواجدون بطريقة غير قانونية في بلد ما، هو خطوة في الاتجاه الصحيح”.

من جهتها تلتزم إيران الصمت المطبق، وسط استشعارها بأنه قد يكون هذا الانسحاب مناورة، أو خطوة تمهيدية لاستهدافها بشكل مباشر.

ومعلوم أن أحد الأسباب الرئيسية التي قادت إلى إرسال قوات أميركية إلى سوريا هو تحجيم النفوذ الإيراني في هذا البلد وهو ما لم يتحقق، وقد تكون لإدارة ترامب رؤية مختلفة في إدارة الصراع مع طهران الذي تعتبره أولوية مطلقة لها في الشرق الأوسط.