اعتبرت مصادر سياسية في العاصمة اللبنانية بيروت في حديث لصحيفة “العرب” اللندنية إنّ صفقة داخلية مدفوعة بضغوط خارجية وراء حلّ عقدة تشكيل حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري بعد أن استعصى الأمر طيلة ما يقارب السبعة أشهر.
واعتبر مراقبون أن الصفقة التي تستند عليها تشكيلة الحكومة اللبنانية المقبلة جاءت بعيدة عن الشروط التي فرضها حزب اللّه ولا ترقى إلى مستوى التهديدات التي أطلقها أمين عام الحزب حسن نصرالله، ضد القيادات السياسية والروحية في البلاد بهذا الشأن.
وقال هؤلاء إن تدخّلا خارجيا عالي المستوى قد تم في الساعات الأخيرة وأفضى إلى مخارج كشفت زيف العقدة التي اصطنعها نصرالله وحزبه في أوائل نوفمبر الماضي، والتي عطّلت ولادة الحكومة بعد تذليل العقدتين السنّية والدرزية.
وأشار المراقبون إلى أن موقف رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري كان لافتا في رفضه لشروط حزب الله المتعلقة بـ“سنّة 8 آذار”، وتصعيده في هذا الشأن على الرغم من تبدّل موقف رئيس الجمهورية ميشال عون وتراجعه عن التضامن الذي سبق أن أعلنه مع موقف الحريري.
ونُقل عن أوساط سياسية مطّلعة أن تكتل “اللقاء التشاوري”، الذي يمثّل النواب السنّة الستة المتحالفين مع حزب الله، قد أصيب بدهشة كبرى خلال الساعات الأخيرة. فقد افتضح دوره كأداة طيّعة لحزب الله وكشف عن خضوعه لأجندة الحزب. واستنتج هذا التكتل أن التسوية الحكومية أهملت مطالبه التي تشدد في شروطه حولها، لينتهي إلى القبول بتوزير شخصية لا تمثّل التكتل ولم يعرف عنها أي موقف متضامن مع حلف “8 آذار” قبل ذلك.
ويشبّه المراقبون ما حصل مع “اللقاء التشاوري”، بما حصل مع الرئيس الراحل عمر كرامي، حين وعده حزب الله بترؤس الحكومة بعد الانقلاب على حكومة سعد الحريري عام 2011، قبل أن يعلن نصرالله على الملأ أن حزبه اختار نجيب ميقاتي لهذه المهمة.
وعلّق كرامي على الأمر آنذاك في تصريح قال فيه “استمعت للسيد حسن في الخطاب الذي رثاني فيه، واليوم أنا أمامكم واستشهد بكم كإعلاميين، أنا أمامكم فهل ترونني مريضا. ولكن على كل حال نحن لآخر نفس في خدمة هذا البلد”.
وتقول مصادر برلمانية أن الحريري نجح في منع توزير من يمثّل “سنّة حزب الله”، من حصته، ومنع أن يكون الوزير واحدا من النواب الستة، ومنع أن يكون اسم الوزير استفزازيا له ولتيار المستقبل.
وقد فوجئ المراقبون، وبعد أن رشّح نواب “اللقاء التشاوري” مجموعة من الأسماء التي يمكن أن يتم اختيار أحدها لتمثيلهم، بتداول اسم جواد عدرا لتعيينه وزيرا يمثل هذا التكتل على أن يكون من حصة رئيس الجمهورية.
وعدرا هو رئيس إحدى شركات الإحصاء في لبنان، وهو مقرّب من رئيس مجلس النواب نبيه بري ويحظى بعلاقات طيبة مع الرئيسين الحريري وعون.
وقالت أوساط سياسية قريبة من تيار المستقبل إن موقف الحريري استند على معطى داخلي مرتبط بموازين القوى، بحيث لا يستطيع أن يقبل النيل من حصته السنية، بعد أن منح أحد المقاعد لمن يمثل تكتل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، كما رفضه المبدئي أن يفرض نصرالله عليه وزيرا حليفا لحزب الله.
وأضافت هذه الأوساط أن الحريري رصد منذ بداية أزمة تمثيل السنّة المستقلين وفق رواية نصرالله، أن المستهدف الحقيقي هو تيار الرئيس عون، وأن الهدف الحقيقي للعقدة التي اصطنعها حزب الله هو منع التيار العوني من الحصول على حصة 11 وزيرا تمثل الثلث المعطّل داخل الحكومة.
وتؤكد هذه الأوساط أن الحريري، وإضافة على تكرر الإشارات التي أرسلها حزب الله بأنه متمسك به كرئيس للحكومة، تلقى أيضا إشارات قوية من واشنطن وعواصم أوروبية تؤكد على جدية الوقوف خلف الحريري والتمسك به كشخصية وحيدة لترؤس الحكومة المقبلة. وكشفت هذه الأوساط أن الإشارات الخارجية، تضمنت إشارة روسية بهذا الخصوص، وقد تبلّغ بها عون كما صهره وزير الخارجية جبران باسيل.
وتعتقد هذه الأوساط أن عون وباسيل قد أبلغا حزب الله بهذا الخصوص على النحو الذي أسس لتعبيد التسوية التي أشرف على هندستها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي يحظى بدعم كافة الفرقاء السياسيين في لبنان، كما بدعم عواصم إقليمية ودولية لطالما تعامل معها في ملفات الأمن الكبرى.
ويرى محللون أن حزب الله قد دفع للقبول بالصفقة وعدم التعويل على أكثر مما أنجز، بسبب حاجته لإنجاز الاستحقاق الحكومي إثر تصاعد التهديدات الإسرائيلية المتعلقة بأنفاق الحزب المكتشفة في جنوب لبنان والتي اخترقت الحدود مع إسرائيل وإثر تأكيد قوات الـ“يونيفل” للأمر، ما شرّع الأبواب أمام موقف أممي في مجلس الأمن الدولي.
ويضيف هؤلاء أن إيران أعطت الحزب ضوءا أخضر لتسهيل ولادة الحكومة بعد التطور النسبي في مفاوضات السويد اليمنية، وحاجة إيران لوجود حكومة في لبنان يستظل داخلها حزب الله لمواجهة الاستحقاقات المقبلة في المنطقة.