IMLebanon

“المخترة” وجاهة.. أم “مصلحة كسّيبة”؟

كتبت مايا سماحة في صحيفة “الأخبار”:

لم يعد المختار، وفق الصورة النمطية، وجيهاً و«شيخ صلح» و«حلّال مشاكل» وصاحب «بيت مفتوح». صارت «المخترة» مصلحة، عدّتها مكتب وأختام وطوابع… وبدل مالي.

كثيرون من المخاتير، ولا سيما في القرى، من لا يزالون يُنجزون المعاملات مجاناً، طمعاً بأصوات الناخبين. لكن أكثر منهم، ولا سيما في بيروت والمناطق المحيطة بها، من يفرضون تسعيرات متفاوتة على أصحاب المعاملات، بحجة أن «هذه رسوم تذهب للدولة».

لكنّ الحقيقة في مكان آخر. إذ تنصّ المادة 17 من قانون المختارين والمجالس الاختيارية (عام 1947)، على أنّ «وظائف المختارين مجّانية. وإنما يجوز لهم أن يستوفوا رسوماً تحدّد قيمتها بمرسوم عن الشهادات الأصلية التي يعطونها: لمعاملة سفر، لأجل إجراء معاملات حصر الإرث، إجراء عقد رهن أو عقد بيع، التصديق القانوني على الإمضاء، إعطاء شهادة تختصّ بإثبات حجز الأملاك، تسجيل قائمة جرد التركة، لتثبيت حصر الأملاك». لاحقاً، حدد المرسوم رقم 2262/ 1992 قيمة هذا الرسم «بخمسمئة ليرة لبنانية»، ما يعني أنّ إنجاز أي معاملة غير ملحوظة في المادة السابقة مجانيّ. ولمساندة المختار المتفرّغ لمهماته التمثيليّة والإدارية من دون أي يكون لديه أي دخل أحياناً، صدر القانون رقم 273/2001 بإنشاء صندوق تعاوني لتعويض نهاية الخدمة للمختار مموّل من طابع مالي (قيمته ألف ليرة) يُلصق على كلّ معاملة ينجزها.

3 آلاف ليرة فقط

يستند المختارون في تعليلهم للرسوم التي يتقاضونها إلى تعميم رسميّ صادر عن وزير الداخلية السابق بشارة مرهج (1992 ــــ 1994) حدّد للمختار تقاضي ثلاثة آلاف ليرة بدل أتعاب عن أي طلب يوقّعه. يوضح مرهج ملابسات هذا التعميم الذي «اتّخذ تبعاً للظروف السائدة آنذاك وما رافقها من تضخّم ماليّ… إضافة إلى العشوائية في تقاضي البدلات خلال الحرب وازدياد الطلب على إنجاز المعاملات والأوراق الثبوتية بعدها». ويتابع: «قمنا يومها بإجراءين: ضاعفنا عدد المخاتير لتسهيل إنجاز المعاملات وللحؤول دون الاكتظاظ على أبوابهم وفي دوائر النفوس، خصوصاً في بيروت، ووضعنا حدّاً أقصى لتقاضي البدل قيمته ثلاثة آلاف ليرة لتغطية أكلاف المكتب وتصوير المعاملة وغيرها. هذه التدابير كانت كفيلة بمساءلة كل مختار في حال تجاوزه هذا السقف، علماً أن عدداً كبيراً منهم بقي ينجز المعاملات مجاناً».

على عكس مخاتير العاصمة، لا يزال كثر من مخاتير القرى متمسكين بدورهم «الخدماتي والعشائريّ». يروي رئيس اتحاد روابط مخاتير عكار زاهر الكسّار، أنه رغم تردّي الوضع الاقتصادي، يتقاضى مخاتير المنطقة ما قيمته «ألفا ليرة كحدّ أقصى تضاف إلى كلفة الطوابع لقاء الاستحصال على إخراج قيد فردي من دائرة النفوس وتسليمه للمواطن». أما كلفة طلب جواز السفر فهي «ألف ليرة فقط». ويلفت إلى أنه طُرح قديماً تخصيص راتب شهري للمختار أسوة برئيس البلدية، لكن غالبية المخاتير رفضوا الاقتراح، لأن ذلك سيُرتّب عليهم العمل مجاناً والتخلّي عن مدخولهم اليومي. علماً أن اقتراحاً كهذا «كان سيفيد مخاتير المناطق، لكونهم لا يتقاضون ما يتقاضاه المخاتير في المدن».

«مصلحة خسّيرة»!

رئيس رابطة مخاتير بيروت مصباح عيدو، يعزو الاختلاف في الرسوم بين بيروت والمناطق إلى أن «المصاريف أكبر في العاصمة، على خلاف الأمر في القرى النائية حيث المخترة وجاهة». في بيروت «يكلّف المواطن المختار إجراء المعاملة، فيتولّى الأخير في حالة طلب إخراج القيد، مثلاً، الاستحصال عليه، متكبّداً الرسوم الآتية: أربعة طوابع للدولة في دائرة النفوس (الطابع بقيمة ألف ليرة)، وطابع مختار (قيمته ألف ليرة). ويتقاضى على إخراج القيد عشرة آلاف ليرة، موفّراً على صاحب الطلب الجهد وكلفة الانتقال إلى دائرة النفوس». يقرّ عيدو بأن المختار ينجز بين عشرين وثلاثين طلباً يومياً دفعة واحدة، «لكن هذا بالكاد يكفي لدفع إيجار المكتب وراتب الموظّف في المكتب». ويلفت إلى أن «الدولة تقصّر في أحيان كثيرة في تأمين نسخ من نماذج إخراجات القيد ووثائق الولادة والزواج والطلاق والوفاة وسواها، ما يضطرنا إلى نسخها على حسابنا»، فضلاً عن «خسائر» يتكبّدها المخاتير، «إذ إن البعض يطلب إنجاز معاملات ولا يعود لتسلّمها»، إضافة إلى نفقات الحملات الانتخابية و«الإكراميات» لتسهيل إنجاز المعاملات، «وتلبية طلبات أبناء المحلّة مجاناً لكسب أصواتهم في الانتخابات المقبلة».

ولكن ماذا عن التفاوت في البدلات بين مختار وآخر؟ ينفي عيدو ذلك، على الأقل بالنسبة إلى مخاتير العاصمة، إذ «نعقد اجتماعات دورية للتداول بالبدلات التي يلتزمها الجميع»، معطياً مثلاً «كلفة إفادة السكن المعطاة وفق النموذج الجديد بعشرة آلاف ليرة، منها ثلاثة طوابع من فئة الألف ليرة، فيبقى للمختار سبعة آلاف ليرة بدل أتعاب». لكن ماذا عن طلب جواز السفر الذي يكلّف 20 ألف ليرة، فيما يحتاج إلى طابع مالي واحد من فئة الألف ليرة؟ يبرّر عيدو هذه «التسعيرة» العالية بأن أصحاب هذه المعاملة «يستفيدون منها للسياحة والترفيه»! ووفق هذا المنطق، ربما يتوجّب على المخاتير ألّا يتقاضوا بدلاً عن وثيقة الوفاة، مثلاً، مواساة لأهالي الفقيد!

الرشوة بـ«الطوابع»!

باتت الطوابع وجهاً آخر للرشى في بلد لا يعتمد المكننة ولم يتخلّ حتى الآن عن وظيفة المختار حيث لا تزال المعاملات تتطلب ملاحقة «على الأرض». ورغم أن وزارة الداخلية نظّمت سابقاً حملة توعية حيال الطوابع الثلاثة المطلوبة لإنجاز إخراج القيد، لا يزال كثر من موظفي دوائر النفوس والمخاتير «يتقاضون» أربعة طوابع لإنجاز هذه المعاملة!