في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من شمال سورية المحتلة، بدأ أكراد الحسكة بالتفاوض مع حكومة دمشق حول كيفية تجنب الهجوم التركي عليهم.
وقال اللواء علي المملوك، المستشار الأمني للرئيس السوري بشار الأسد، إنه «يتحدث مع الوفد الكردي لنشْر الجيش السوري على طول الحدود مع تركيا لوقف أي غزو محتمل تركي»، كما أكد مصدر من صانعي القرار في العاصمة السورية دمشق.
ووفق المصدر، فإن الأكراد بدأوا مفاوضاتهم بتكرار الشعار القديم مطالبين الجيش السوري بحماية الحدود وإبقاء عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردي على سلاحهم داخل الحسكة. وقد رفضتْ دمشق هذا الاقتراح وطرحت أن يكون للكرد وضع خاص داخل سورية وفتْح الأبواب لهم للانضمام إلى الجيش السوري ضمن وحدة عربية – كردية.
«لن يكون هناك أي جيش آخر في سوريا سوى الجيش العربي السوري الوطني»، قال الرئيس بشار الأسد للوفد السوري المُفاوِض الذي شارك في الحوار مع الأكراد، بحسب المصدر.
وحول إمكان تقدُم القوات التركية إلى منبج ونشْر قواتها على نطاق واسع في المحافظة الكردية، أكد المصدر نفسه أن «روسيا أبلغت إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها لن تقبل بأي تعدٍّ على المقاطعة وأن الأمر يجب أن يُترك للجيش السوري للتقدم نحوها إذا قامت فعلاً الولايات المتحدة الأميركية بسحب قواتها من المنطقة التي تحتلّها».
من الواضح ان أردوغان يَجْمَع قواته وحلفاءه السوريين (مثل درع الفرات، السلطان مراد، نور الدين زنكي، جيش الإسلام وآخرين) ليُبْقي خياراته مفتوحة. فإذا فشلت أميركا باحترام وعْدها بالانسحاب، ستهاجم تركيا مدينة منبج. وبخلاف ذلك، يبدو الرئيس التركي متناغِماً مع القرار الروسي وغير راغبٍ في إفساد العلاقة القوية والإستراتيجية التي بناها مع إيران وروسيا في الأعوام الماضية. وقد وافق اردوغان على الطلب الروسي بالانتظار بضعة أشهر قبل مهاجمة الأكراد. وهو لم يُبْدِ أي اعتراض على تحرك الجيش السوري نحو الحسكة شرط نزع سلاح الأكراد.
ومنذ أعوام يقوم أكراد سوريا بحماية نحو 4000 إلى 5000 من القوات الأميركية في منطقة تبلغ مساحها حوالي 5000 كيلومتر مربع من هجمات «داعش» والقبائل العربية وحلفاء سوريا. ويبدو أن الأكراد أنفسهم قد أذعنوا لتواجد القوات السورية وتسليم الأمور العسكرية للواء السوري الموجود أصلاً في الحسكة ليصبحوا مقاتلين تحت لواء الجيش السوري ورعايا دمشق «المخلصين».
ربما تعلّم الأكراد في النهاية الدرس القائل إن المؤسسة الأميركية ليست شريكاً إستراتيجياً وغير جديرة بالثقة ولا يمكن الاعتماد عليها. وحتى اليوم فإن الاكراد أبدوا استعدادهم للاعتماد على أي دولة أجنبية – بما في ذلك إسرائيل – لتعطيهم الاستقلال، بدل ان يبقوا موالين لسورية، البلد الذي استضافهم منذ عقود. وكما يقول المثل إن «الأكراد ليس لديهم أي أصدقاء سوى الجبال» ولكن لا ولاء لهم لسورية أيضاً، قلباً وقالباً.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الجيش السوري سيتعاون بالتأكيد مع الأكراد لإنهاء وجود «داعش» أو ما تركتْه القوات الأميركية من ميليشيات منتشرة على الجانب الشرقي على طول نهر الفرات. ولا شك في أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد دفعت «داعش» عمداً على طول النهر في مواجهة الجيش السوري وحلفائه. والهدف من ذلك إنشاء «منطقة عازلة» لـ «داعش» بين القوات الأميركية والقوات السورية وحلفائها. وبالإضافة إلى ذلك فإن وجود «داعش» في هذه المنطقة بالذات يمنع الحركة التجارية الآمنة بين سورية والعراق من خلال معبر البوكمال.
اليوم، الأكراد هم أضعف من أي وقت وقد خسروا موقعهم المميز أثناء الاحتلال الأميركي والمظلة التي وفّرتْها لهم واشنطن.
وإذا انسحبت الولايات المتحدة من المحافظة الكردية – العربية فسيقعون إما في يد القوات التركية وحلفائهم – ولا تزال هزيمتهم في عفرين حاضرة في أذهانهم – أو سيقبلون بالشروط التي تقترحها دمشق. واليوم تؤكد المؤسسة الأميركية مرة أخرى لشركائها حكمتها الذهبية: كل التحالفات قابلة للاستغناء عنها ولا صداقة دائمة إلا بما يفيد المصالح الأميركية.