كتبت صحيفة “اللواء”:
من الأكيد أن لا مراسيم حكومية غداً. ويوم غد هو ميلاد السيّد المسيح، وبعده ميلاد سنة جديدة. ومن غير المعروف ما إذا كانت جمعة ما بين 25 و1 ك2 2019، قد تشهد ولادة المراسيم.
من وراء الظل يعمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بحثاً عن «أمل» ما يلبث أن يصبح سراباً! وفي الساحات أو الساحات يرتدي لبنانيون، أحرار، سترات، ليست صفراء (حتى لا تدل على لون علم حزب الله) وليست حمراء (حتى لا توسم بوسمة العلم الشيوعي الأحمر، الذي لاح يوماً ما في الشياح، مدينة البطولة أيام الحرب الأهلية 75- 76) ولا حتى باللون البرتقالي، أو الأزرق أو الأخضر القاتم، فهي أعلام أحزاب السلطة، التي رفعت إلى الواجهة السياسية «الأقوياء فيها» ليحكموا باسم طوائفهم، كل طوائف لبنان، ولا بأس إن تدمر الاقتصاد، وفاقت المديونية أي خيال (فلبنان البلد الثالث في العالم من حيث المديونية، أو نسبة الدين إلى الدخل الوطني)، ولا بأس إذا تعطلت المؤسسات، ولا بأس إذا كسدت الأسواق، أو قبع النّاس هناك حيث لا دخل، ولا مال، ولا عمل، ولا مَنْ يحزنون، المهم أن «الزعيم القوي» لم يتنازل، اللبنانيون بستراتهم، المصنوعة على غرار سترات الأحرار الفرنسيين، سيملأون الساحات، من اليوم، وحتى إشعار آخر..
في الوقت هذا يصمت المعنيون.. ويقال أن الجرة انكسرت، بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري، وأن صفقة الحكومة لم تكتمل بين الرئيس البرتقالي والرئيس المكلف.. وأن زعيم «المختارة» يبحث عن صور كاريكاتورية، أو وحشية، ليزيّن بها «تويتراته» التي كادت أن تشكّل له المتنفس الوحيد، بعد أن نجح حتى الآن، من الفرار من «السجن العربي الكبير»، ولم يستسلم، كما أن الشاعر السوري الراحل، محمّد الماغوط، لم يستسلم أيضاً. وجنبلاط يحذو حذوه..
عوَّمت التطورات المتصلة، بالحرب في سوريا، وعلى سوريا، نظام حارس «السجن الكبير» بشار الأسد، وبات نظامه بمأمن من السقوط، وإن كانت سوريا العربية، آيلة إلى دورة جديدة من التمزق.. بصرف النظر عن المحاولة الإيرانية الجارية لاحتواء دور تركي خطر، يتعدى دور الشرطي، إلى اللاعب الإقليمي بالنيابة عن اللاعب الأصلي: الولايات المتحدة الأميركية..
مهما يكن من أمر، يتردَّد في الصالونات السياسية أن «اللاعب السوري» عاد إلى المسرح يبحث عن دور على الساحة اللبنانية، ليس من بوابة عودة النازحين، أو إعادة إعمار سوريا، أو فتح معبر نصيب أو.. أو.. بل عاد من بوابة «اللقاء التشاوري» ليقول لنا كلمة في تأليف الحكومة..
لم يشأ جنبلاط التمادي، في اللعب على حبال «ضربة مقبلة تستهدف إيران» بعد العقوبات.. انكفأ مرّة جديدة: المهادنة مع المحور (محور الممانعة والمقاومة) الخيار الأسلم.. ترك رفاق الدرب، يلعبون وحدهم… سعد الحريري المكلف تشكيل الحكومة، ورئيس حكومة تصريف الأعمال، ومعه ما يشبه الإجماع السُني (خارج سُنة 8 آذار) وسمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، الذي يهادن المحور على الأرض، ويترك للسياسة أن تحدّد المواقف الآنية، أو الأبعد..
في الشارع، تصدح شعارات معادية لنظام «الطوائف» الأخذ في التلاعب بمصائر البلاد والعباد.. (وفي الشارع حفظ، لا أدري تماماً من أيّ نوع) لكنه ضغط، ليس لتأليف الحكومة، بل لتوجيه رسالة للرئيس المؤلّف، وربما لسفير الرئيس المكلف..
وإذا كان «المعسكر الأحمر» الذي يُعاني من ضعف، وما يشبه العجز عن «استنهاض شعبي» مرغوب فيه، فإن المعسكر الأخضر، المائل إلى الإصفرار مرشّح لملء الفراغ، وسط خطة أمنية، قادرة على تمييز ما هو «شعب»، وما هو شعبي محق، في تجربة مسبوقة، عندما كانت القوى الأمنية توفّر الأمن للمتظاهرين، وما تزال، الذين يرفعون الصوت، احتجاجاً، من دون ما قدرة على التأثير، على أيّ معادلة، تكسر العبث بالدستور، وتكسر هيبة المؤسسات، وتطيح بمقومات، مرحلة ما بعد الانتظار الطويل والقاتل..
خارج نطاق المعطيات، الواضحة، المتميزة، والتي يُمكن الإرتكاز عليها، لا يمكن رؤية تفسيرات واقعية لما يجري: فهل الأزمة تكمن في تنازع الأطراف الداخلية على «الفريسة» (التي هي الحكومة)، فالأزمة، بالتالي محض محلية، أم أن الأزمة تكمن، في تنازع قوى إقليمية على المسرح اللبناني، تماماً كما هي الحال، بالنسبة لسائر المسارح الأخرى، من سوريا، إلى اليمين، والخليج، وحتى العراق، وصولاً إلى اللعبة الكبرى، بين دونالد ترامب، الرئيس الأميركي «الشاذ» والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحسن لعبة «الإنقضاض» على خصمه، أو عدوه، تماماً كما تفعل «الهررة الكبيرة» من النمور، إلى الليوث، وصولاً إلى الفهود (والسباع، التي لا وجود لها على أرض الطبيعة، أو في الغابات).
لنفرض أن الأزمة داخلية، وفقط داخلية؟ ولنفرض أن اتفاقاً سابقاً حصل على توزيع «الحصص الوزارية».. ولنفرض ان تعثراً حلّ، ثم تعثر، يتعلق بعقدة تمثيل «النواب السُنَّة» في الحكومة.. فلِمَ العودة إلى التوزيع من جديد، وهل إدخال عنصر في المعادلة، كان كفيلاً، بنسف المعادلة من الأساس؟ أم أن العنصر المستجد (سواء حلّ أو بقي عقدة) أي عنصر توزير أحد أو ممثلّ عن سُنة المعارضة النيابية لتيار المستقبل، اتخذ كذريعة للعودة إلى نقطة الصفر؟..
هل ثمّة حسابات إقليمية أو دولية، في التعثر المستجد والمكشوف؟
تُجمع مصادر المعلومات على وجوب حسابات من هذا النوع؟ قد تكون مرتبطة بما يتردد عن ضربات جوية أميركية ضد منشآت في إيران، تشعل جبهة الشرق الأوسط، وتجعل تمرير الحكومة ممكنة، بتفاهمات شبيهة بتفاهمات السنوات الأولى بعد الـ2005..
وعلى العكس، قد تكون مرتبطة برفض المحور، الذي يعتقد أنه حقق انتصارات في «الميدان السوري أو اليمني» على فرض شروط في الحكومة، قد تعيد تشكيل دوائر المسار التأليفي، وتقلبه رأساً على عقب؟..
أم أن «الإستشارات الكبرى» قضت إمَّا على شكل نصائح أو «أوامر» بالإرجاء… ما دامت مسائل أخرى في الداخل والخارج، جرى التفاهم حولها، من «سيدر» الفرنسي إلى نفقات العام 2019، من دون موازنة.. حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!
ترنح التأليف.. وعادت اللعبة، وكأنما في مسار زمني، لا أحد يعلم مداه إلاَّ الله واللاعبون الكبار!