كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
قرار وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن إعادة فتح معمل «ميموزا» أثار جدلاً واسعاً لا سيما أنه لم يُعمم في بيان صحافي على غرار قرار الإقفال. إذ تسرب مضمون القرار الصادر في 19 كانون الأول الجاري، أمس، عندما أبرزه وكيل الدفاع عن صاحب المصنع وسام التنوري، الموقوف على ذمة التحقيق بتهمة الإعتداء على البيئة والأملاك العامة، أمام قاضي التحقيق الأول في البقاع ليستند إليه القضاء للقبول بفض الأختام عن المعمل. وزير الصناعة أكد في تصريح لـ«الأخبار» أن «هدفنا تنظيم عمل المعامل والمصانع وإلزامها بالمعايير، وليس إقفالها». وأوضح أن اصحاب المصنع «أبدوا استعدادهم للالتزام بالمعايير البيئية، وبناء على ذلك أصدرت القرار وأمهلناهم شهراً واحداً لتطبيق الإجراءات البيئية لتكرير النفايات الناتجة عن المعمل تحت طائلة الاقفال النهائي». وفي الوقت نفسه «كلّفت معهد البحوث الصناعية إجراء دراسة شاملة للمصنع وإعداد مقترحات لمعالجة النفايات السائلة». وسأل الحاج حسن: «كيف أحكم على التزام المصنع بالمعايير من دون إعادة فتحه؟»، لافتاً إلى أن القرار «إداري بحت لأنني الجهة المخوّلة إدارياً بالاقفال وإعادة الفتح. وهو مشروط بموافقة القضاء». وعما إذا كان معهد البحوث الصناعية هو الجهة الصالحة لاجراء الدراسة لفت الى أن المعهد «جهة رسمية معتمدة لإعداد دراسات الأثر البيئي».
في المقابل، استغربت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، في بيان، قرار إعادة فتح المعمل وفق حيثيات «لا تعاقب المخالف ولا تضمن عدم تكرار المخالفة، فيما الأصول الإدارية والفنية تستوجب الإلتزام بالموجبات البيئية التي تفرضها وزارة البيئة». ولفتت الى أن «تحديد الشروط البيئة والفنية من اختصاص وزارة البيئة وتصبح نافذة بعد موافقة وزارة الصناعة». مصادر المصلحة اعتبرت ان «وزارة الصناعة لا يمكنها توجيه القضاء في اتجاه معين في وقت تتولى النيابة العامة المالية النظر بالاتهامات الموجهة لتنوري». ولفتت الى أن القرار «ترك معالجة النفايات السائلة لمقترحات معهد البحوث الصناعية التابع لوزارة الصناعة، وليس وزارة البيئة كما تنص القوانين».
وكان خبراء من معهد البحوث الصناعية، ومن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، أخذوا عينات من النفايات السائلة الناتجة عن «ميموزا» في 11 كانون الأول الجاري (قبل ثمانية أيام فقط من قرار إعادة فتحه)، عقب تحول مياه البردوني إلى اللون الأسود بسبب المواد الكيمائية والملونة التي يصرفها نحو النهر. وحصلت «الأخبار» على نسخة من نتيجة تحليل العينات التي اظهرت ارتفاع نسبة COD، أي الأوكسيجين الكيميائي المطلوب لتحلل المواد الصعبة التحلل بيولوجياً التي لا تستطيع البكتيريا الهوائية تحليلها. وقد بلغ معدل الـCOD نحو 450 ملليغراماً في كل ليتر، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل الذي تفرضه وزارة البيئة (أقل من 125 ملليغراماً في كل ليتر).
قرار إعادة فتح «ميموزا» تزامن، أيضاً، مع إعلان وزارة البيئة نتائج تقرير أعده خبير هولندي للنفايات السائلة الناتجة عن المعمل. والمفارقة بأن العينات التي حللها الخبير الهولندي من نفايات المعمل أخذت في 17 كانون الثاني و20 حزيران الماضيين، في حين أن معهد البحوث ومصلحة الليطاني أخذا عينات حديثة. وقد أوصى الخبير الهولندي «باتباع تقنيات اضافية للتخلص من الجزئيات الذائبة (المواد الكيمائية والملونة) التي لا يتم اللجوء اليها الا في حال تصريف مياه الصرف الصحي في المياه السطحية». واقترح «اعتماد تصريف مياه الصرف الصحي في شبكة الصرف الصحي بدلاً من تصريفها في المياه السطحية أي في مجرى البردوني كما يحصل حالياً، فضلاً عن ضرورة استحداث محطة اضافية للمعالجة البيولوجية». وشكك في قدرة محطات الصرف الصحي (تحديداً محطة زحلة) على معالجة تلك الجزئيات. وخلص إلى النصح بتحليل عينات اضافية من مياه الصرف للتأكد من نوعية المياه المصرّفة كون البيانات المقدمة للخبير محدودة.
قضائياً، تقدم وكيل التنوري أمس بطلب إخلاء سبيله، لكن المصلحة استمهلت لإبداء الرأي. وفي اتصال مع «الأخبار»، قال رئيس مجلس إدارة المصلحة سامي علوية «إننا سنمارس كافة حقوقنا القانونية المتاحة إزاء طلب إخلاء السبيل». ودعا القضاء الى «عدم حصر أزمة تلوث الليطاني بميموزا فقط» والى أن «يستكمل إجراءاته تجاه المصانع الملوثة الأخرى المدعى عليها بالجرم نفسه».
على صعيد متصل، أصدر قاضي التحقيق الأول في البقاع مذكرات توقيف وجاهية بحق كل من المدعى عليهم ملحم الخضر وعمر الملحم وخضر العسكر بناء على شكوى المصلحة بجرم تلويث نهر الليطاني والإعتداء على الاملاك العامة من خلال مؤسسات الألبان والأجبان التي يديرونها في بلدة المرج.