كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
مرّة أخرى، يواجه «حزب الله» موقفاً حرِجاً في العلاقة مع حليفه البرتقالي الذي يتوقع منه (أي من «الحزب») أكثر ممّا يستطيع أن يعطيه في ملفّ الأزمة الحكومية. وعلى رغم الضغوط والاتّهامات التي يتعرّض لها «الحزب» تحت وطأة تعثّر تشكيل الحكومة، فهو لا يزال يتمسّك بمعادلة دقيقة قوامها أنه ليس مستعدّاً للتفريط بالتحالف الاستراتيجي مع «التيار الوطني الحر» وليس مستعدّاً أيضاً للتضحية بحقوق «اللقاء التشاوري» من أجل إرضاء «التيار».
وإذا كانت السجالات قد أخذت منحىً حاداً قبل أيام بين مناصرين لـ«التيار» و«الحزب» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثمّ تمدّدت لتشمل مصادرهما المفترضة، إلّا أنّ قيادة «الحزب» التي امتعضت ممّا جرى سارعت الى احتواء الموقف وحصر تداعياته، بطلب مباشر من الأمين العام السيد حسن نصرالله الذي تدخّل شخصياً لمنع تفاقم الامور وإعادة ضبط مسار العلاقة مع «التيار»، الى جانب توصية المسؤولين والكوادر بتجنّب التعرض للوزير جبران باسيل، على أن تأخذ المعالجة للخلاف الموضعي مجراها عبر الغرف المغلقة، علماً أنّ الخطوط بقيت مفتوحة بين مسؤولين لدى الجانبين في عزّ سوء التفاهم.
ويؤكد المطلعون على نقاشات الدوائر المغلقة في «الحزب»، أنّ قيادته حريصة على حماية العلاقة مع «التيارالوطني الحر»، وهي لن تسمح بانهيارها أيّاً كان الظرف، إنطلاقاً من تمسّكها بالبُعد الاستراتيجي وبالشراكة الوطنية اللذين يمثلهما التحالف بين الجانبين.
ويسود قيادة «الحزب» إقتناعٌ بأنّ الازمة الحالية سيتم تجاوزُها عاجلاً أم آجلاً، شأنها شأن الاختبارات الصعبة الأُخرى التي واجهها «تفاهم مار مخايل» في السابق، وتمكّن من تجاوزها بنجاح «لأنّ ما يربط بين «الحزب» وعون و«التيار» هو أعمق وأكبر من مقعد وزاري، وإذا كان هناك تباين في وجهتي النظر حالياً، إلّا أنه قابل للمعالجة».
ولِئن كان «الحزب» يشعر أنّ هناك تحسّساً زائداً لدى أوساط «التيار» حيال أيّ مواقف اعتراضية، الى درجة ربطها بمحاولة ضرب العهد، غير أنه وعلى رغم تفهّمه هذا الهاجس، ينصح بعدم وضع كل تمايز سياسي أو تظاهر ميداني في خانة استهداف رئيس الجمهورية أو العهد «لأنّ عون لا يختصر السلطة التنفيذية، والمسؤولية عمّا آل اليه الوضع العام تتحمّلها الحكومات المتعاقبة والسياسات المعتمدة منذ عقود، لا رئيس الجمهورية الذي ورث كل هذه التراكمات».
وعلى الضفة الأُخرى من «المعادلة المتوازنة»، يحرص «الحزب» على العلاقة مع «اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين»، وعلى كرامة أعضائه، وهو مقتنع بأنّ الوزير السني الذي يجري البحث عنه يجب أن يكون ممثلاً لـ«اللقاء» ومعبّراً عن خياراته، «وإلّا ما قيمة أو أهمية المعركة التي خيضت من أجل تكريس حق هذه المجموعة من النواب السنّة في أن يكون لها وزير، ما دام المطلوب إحتسابه على جهة أخرى في الحكومة».
ومع أنّ معظم أعضاء «اللقاء التشاوري» لم يكونوا متحمّسين لخيار جواد عدرا، إلّا أنّ «الحزب» ساهم في إقناعهم به، على قاعدة «أنك لا يمكن أن تنال كل ما تريده دفعة واحدة، وأنّ السياسة، خصوصاً في لبنان، هي فنّ الممكن، والمهم من خلال تسمية عدرا الإعتراف بحيثية «اللقاء» في الطائفة السنّية وبحقه في أن يكون له وزير، وفي المرة المقبلة يمكن أن يتحسّن مستوى التمثيل».
لم يكن عبد الرحيم مراد يعرف عدرا وهو أعطى الافضلية لابنه، فيما رشّح فيصل كرامي القريب منه عثمان مجذوب، وسمّى عدنان طرابلسي المسؤول في «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» طه ناجي، وامتنع جهاد الصمد عن التسمية، وارتأى «حزب الله» أن يتجنّب الوليد سكرية اقتراح أيّ اسم حتى لا يبدو الحزب الشيعي وكأنه يختار وزيراً عن الطائفة السنّية، وبالتالي لم يبقَ سوى النائب قاسم هاشم مهيَّئاً لطرح اسم عدرا بتكليف من بري، بعد تنسيق مع الحزب ونيل موافقة عون وعدم ممانعة الحريري.
تعاطف «الحزب» مع «اللقاء التشاوري» الذي قبِل بأن تتمّ التسوية على حسابه نسبياً، سواءٌ لناحية إضطراره الى التراجع عن مطلب اختيار وزير من نوابه الستة، ثمّ تغاضيه عن إسقاط الإسم عليه بطريقة ملتبسة، وصولاً الى تفهّمه لاعتبارات حلفائه ومقتضيات التسوية وموافقته على خيار عدرا قافزاً فوق تحفظاته في الشكل والمضمون.
لكن ما لم يهضمه «الحزب» هو سيناريو إدخال عدرا الى الحكومة باسم «اللقاء»، ليصبح بعد ذلك جزءاً من كتلة أخرى، إذ إنّ هذا الأمر ينطوي-في رأيه- على كسرٍ للنواب السنّة الستة وإهانة لهم، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به «الحزب» الذي تصرّف على أساس أنّ عدرا سيمثل حُكما النواب الستة في مجلس الوزراء من دون أيِّ التباس، ولو أنّ مقعده مقتطع من حصة رئيس الجمهورية.
وخلافاً للاتهامات التي وجّهها اليه البعض بأنه المتسبّب في تأخير تشكيل الحكومة، يعتبر «الحزب» أنه تصرّف بكثير من الواقعية والبراغماتية لتسهيل التسوية، وحتى عندما رفع السقف عبر الخطاب الشهير لنصرالله، فهو إنما فعل ذلك لتحسين شروط التفاوض وفرص الوصول الى حلّ وسط، إذ إنه كان يعرف منذ البداية أنّ هناك صعوبة في توزير أحد نواب «اللقاء التشاوري» وأنّ مقتضيات التسوية تتطلّب في نهاية المطاف القبول بتوزير ممثل عنهم.
وعليه، فإنّ ما يهم «الحزب» هو تثبيت الحيثية التمثيلية لـ«اللقاء التشاوري»، في سياق ترجمة نتائج الانتخابات النيابية التي تمسّك بإجرائها على قاعدة النسبية، مع أنه كان يعرف انها ستسمح لـ«القوات اللبنانية» التي هي من ابرز خصومه الداخليين بمضاعفة حجمها النيابي. لقد كان هدفه الاساسي من وراء الدفع في اتّجاه اعتماد القانون النسبي هو إفساح المجال امام حلفائه، خصوصاً في الساحة السنّية، للدخول الى المجلس النيابي ومن ثمّ صرف النتيجة وزارياً، وبالتالي فإنّ عدمَ تمثيل «اللقاء» في الحكومة يضرب مغزى حصول الانتخابات على اساس القانون الجديد ومعنى فوز الجهات السنّية، خارج تيار «المستقبل» بعشرة مقاعد، من بينها ستة تعود الى «اللقاء التشاوري».
ويؤكد العارفون أنّ «حزب الله» يستعجل تأليف الحكومة لمعرفته بحساسية الوضع الاقتصادي والمالي، إلّا أنه لا يريدها في الوقت ذاته كيفما اتفق، والثابت لديه هو أن لا حكومة من دون «اللقاء التشاوري».
وتجدر الاشارة الى أنه عندما صدرت دفعة جديدة من العقوبات في حقّ إيران و»حزب الله»، حصل تواصل بين نصرالله وباسيل الذي استوضح من «السيد» ما إذا كان يفضل تشكيل الحكومة فوراً، فأكد له أنّ «الحزب» غيرُ محرَج وهو يفضل الانتهاء من الحكومة في اسرع وقت ممكن، إنما وفق اسس سليمة ومعايير عادلة قدر المستطاع.
ويرى «الحزب» أنه أظهر مرونة على اكثر من صعيد لتسهيل تشكيل الحكومة، وهو على سبيل المثال لم يضع «فيتو» على توزير مي شدياق، على رغم مواقفها الحادة حياله، معتبراً أنه وكما لا يقبل بأن يضع أيّ طرف «فيتو» على اسماء وزرائه، لا يسمح لنفسه بأن يضع «فيتو» على اسمٍ اختارته «القوات اللبنانية» لتمثيلها، خصوصاً انّ «الحزب» موافق أصلاً على مبدأ مشاركة «القوات» في الحكومة، وأيّاً يكن مَن يمثلها فهو سيطبّق في نهاية المطاف سياستها.
ومن النماذج الأخرى لواقعية «الحزب»، وفق ما يعتقد مؤيّدوه، عدم تراجعه عن القبول بوجود الرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة وعن الموافقة على مبدأ استبدال وزير من النواب السنّة المستقلين بممثل عنهم، مع انّ التحولات في المنطقة – وآخرها القرار الاميركي بالانسحاب من سوريا- تصبّ في مصلحته ويُفترض أنها تسمح له بتعديل قواعد اللعبة الحكومية.
يعرف «الحزب» انّ توازنات لبنان الدقيقة لا تتحمّل حمولة زائدة من الطموحات، إضافة الى أنه لا يجد مصلحة في قلب الطاولة لتشكيل حكومة اكثرية تحمل بصماته ويُلقى على عاتقها وحدها وزرُ ازمة اقتصادية هي، في رأيه، من ارث المرحلة الحريرية في الاقتصاد، وبالتالي فإنّ الحريري معنيّ بالمشاركة في تحمّل مسؤولية معالجتها.
هل من فرصة لفتح كوة في الجدار الحكومي؟
يبدو انه كان لدى عون تصوّر آخر لموقع الوزير السنّي الذي سيمنحه مقعداً من حصته، إما بفعل خلل في التنسيق معه، وإما نتيجة غموض في تفسير بنود المبادرة التي تمّ التوافق عليها، وقد بات نصرالله يملك كل الوقائع، ومن المفترض أن يحصل خلال الساعات المقبلة تواصل لـ «الحزب» مع عون لتوضيح الموقف.
وايّاً يكن الامر، فإنّ «الحزب» مستمرّ في الدفاع عن حقّ تمثيل النواب الستة في الحكومة، وهو ليس في وارد التراجع، لأنه إن فعل لن يثق فيه حلفاؤه السنّة بعد الآن، مع الاشارة الى انّ من بين الاحتمالات لإنقاذ التسوية هو التفاهم على أن يكون الوزير السنّي محسوباً على عون و«اللقاء» معاً، بحيث يمكن لـ«التيار» ورئيس الجمهورية أن يتفاهما معه على طريقة تموضعه حيال القضايا الاساسية، مع مراعاة خصوصيته كوزير يمثل «اللقاء التشاوري».