كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يتّجه لبنان بخطى مُتِهالِكة نحو السنة الجديدة التي ستحّلّ مثقلةً بعملية «الإنهاك» القاسية المستمرّة منذ 217 يوماً على جبهة تأليف الحكومة الجديدة التي يترنّح مسارُ تشكيلها بين دخول «غرفة الولادة» تارةً و«غرفة العناية المركّزة» طوراً.
ومنذ «تفخيخ» المبادرة الأخيرة التي رمتْ إلى حلّ عقدة إصرار «حزب الله» على تمثيل النواب السنّة الستة الموالين له في الحكومة و«تفجيرها» في الدقائق الخمس الأخيرة، تستمرّ التحرّياتُ عن خلفياتِ «إجهاض» الولادة الحكومية التي كانت مقرَّرة السبت أو الأحد الماضييْن و«قطبها المَخْفية» في الداخل والخارج، وسط سيناريواتٍ تراوح بين اعتبار التعثُّر المفاجئ انعكاساً لصراعٍ محلي على السلطة والتوازنات وبين التعاطي معه على أنه تعبير عن «تطويع» الواقع اللبناني لمصلحة أجندة إقليمية ربْطاً بالتحولات و«المفاجآت» في المنطقة ومقتضيات التكيُّف و«تنظيم الخطوط» حيالها.
وبعدما ظهّرتْ الإطاحةُ باسم جواد عدرا كممثّلٍ لسنّة 8 آذار في الحكومة من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «مكْمنَ الداء» الداخلي في مسار التأليف وعنوانه رفْض «حزب الله» إمساك حليفه «التيار الوطني الحر» (حزب عون) بالثلث المعطّل في الحكومة على وقع انكشاف تقابُلٍ غير مسبوق في علاقة «الثقة المهتزّة» بين طرفيْ تَفاهُم مار مخايل وتَبادُلهما مسؤولية تعثّر مبادرة الحلّ، فإنّ جموداً سُجِّلَ على خطّ الاتصالات التي بدا واضحاً أنها رُحّلت الى ما بعد السنة الجديدة وسط ملامح «ربْط نزاع» مسبق مع هذه المرحلة عبّر عنها عون بعد مشاركته في قداس الميلاد في بكركي (الثلاثاء) بقوله «يبدو إن البعض يخلق تقاليد جديدة في تأليف الحكومة لم نأْلفها سابقاً ونحتاج لبعض الوقت لإيجاد الحلول لها»، ثم إعلان رئيس البرلمان نبيه بري أمس بعد رفْضه تحميل أي طرف بعيْنه مسؤولية التعطيل «أن لا حلّ إلا بالدولة المدنية»، مؤكداً أن «كل المصائب التي نعانيها ناجمةً عن الطائفية والمذهبية اللتين تستشريان أكثر فأكثر».
وفيما كانت عمليةُ «التَقَصّي» مستمرّة عمّن قصده عون في كلامه وما إذا كان «حزب الله» معنياً به، كما عن مجمل مصير الحكومة بعدما وضع «الجميع أسلحتهم على الطاولة»، فإن أوساطاً سياسيةً تعرب عن مخاوف متصاعدة حيال 3 عناوين داهمة تشابكتْ وتنذر بأن تضغط على الواقع اللبناني وهي:
الخشية من تحوّل الأزمة الحكومية الى أزمة نظام تنتهي على حساب التوازنات الطائفية التي أرساها اتفاق الطائف الذي يعاني عملية قضم ممنْهجة مع كل استحقاق دستوري بفعل تَحكُّم موازين القوى باللعبة السياسية.
استحضار الشارع تحت عناوين معيشية ومطلبية، في تحركات بدأت الأحد الماضي واستُكملت أمس وتضرب مواعيد لاحقة متسلسلة.
ورغم ان التظاهرة التي جرت أمس في وسط بيروت كانت محدودة في الحجم و«من صنْع» مجموعاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي مختلفة عن التي انخرطت في تحرك نهاية الأسبوع، إلا أن إقحام الشارع في توقيتٍ سياسي حسّاس يترك المجال واسعاً لسيناريواتٍ لا تُسقِط من الحساب إمكان توظيف الاحتجاجات في لحظة معيّنة بعملية ضغط في الملف الحكومي، وخصوصاً ان «التيار الحر» كان عبّر عن «ارتياب مبكّر» من هذه التحركات.
تَعاظُم المخاوف من أن يجد لبنان نفسه في عيْن الرسائل الاقليمية المتبادَلة التي تتطاير من فوق رأسه ولا سيما مع تكرار تحوُّل سمائه «منصة» للصواريخ الاسرائيلية التي تُطلق على أهداف في سورية على غرار ما حصل ليل الثلاثاء.
وفي موازاة الخشية من التداعيات المباشرة لإقحام لبنان في مثل هذه الرسائل، فإن «ناقوس خطر» كبير قُرع حيال مَخاطر الاستباحة الاسرائيلية للأجواء اللبنانية في ضوء ما كُشف عن أن وزير الاشغال اللبناني يوسف فنيانوس أجرى اتصالاً بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري «ليضعه في وقائع ما جرى (الثلاثاء) حيث نجا لبنان بأعجوبة من كارثة انسانية كادت تصيب ركاب طائرتين مدنيتين في الأجواء اللبنانية أثناء استباحة الطيران الاسرائيلي المعادي للأجواء اللبنانية في عدوانها على جنوب دمشق».