في غياب اي اهتمام داخلي بملف التشكيل المعطّل على جانب طريق الازمات اللبنانية المتناسلة حيث يستعصي على مهندسي الصيانة اصلاح الاعطال التي اصابت المحرك الحكومي بفعل العقد والمطالب والشروط، لتقلع مجددا عربة التأليف في اتجاه محطة الولادة، وفي ضوء التسليم بالامر الواقع ان لا حكومة في العام 2018، انحرفت الانظار في الاتجاه الخارجي وتحديدا الاقليمي، نسبة لكمّ التطورات ذات الدلالات في سياق مسار ازمات المنطقة وتأثيرها على الداخل والارجح على التشكيل، اذ يبدو ان الجميع يقبع في محطة الانتظار علّه يتمكن من تحصيل القدر الاكبر من المكاسب في زمن التسويات السياسية الكبرى المقبلة والمتوقعة في العام 2019.
من اليمن ومستجداته التفاوضية، الى العراق التي حط فيها الرئيس الاميركي دونالد ترامب، في زيارة مفاجئة وخاطفة هي الاولى من نوعها، تفقد خلالها قوات بلاده هناك، معلنا من قاعدة عين الأسد الجوية ان “الولايات المتحدة ليس لديها أي خطط لسحب قواتها من العراق، الذي سيشكل قاعدة لنا إذا أردنا القيام بشيء في سوريا”.
وجاء هذا الإعلان ليؤكد، وفق تفيد مصادر سياسية مطّلعة “المركزية”، استمرار اهتمام واشنطن بما يدور على المسرح السوري والجهوزية التامة للتدخل اذا ما دعت الحاجة، خصوصا اذا ما تم ربط كلام ترامب بمعلومات متداولة عن نية واشنطن بناء قاعدتين عسكريتين جديدتين غربي العراق، الاولى في بلدة الرمانة التابعة لمدينة القائم، والثانية شرقي مدينة الرطبة.
عمليا، تضيف المصادر، يمكن تفسير كلام ترامب على ان الانسحاب من سوريا شكلي والارجح انه مطلوب ضمن التسوية التي تنسج خيوطها بين واشنطن وموسكو بعيدا من الاضواء، تمهيدا لخروج جميع القوى الاجنبية من الميدان السوري في حين ان الوجود الاميركي قائم عن بعد واكثر من ذي قبل على الارجح.
اما اسرائيل التي تستفيد من كل تطور لتبرير شعار حماية امنها، فسارعت فور القرار الاميركي الى استخدام فائض قوتها مستأنفة مسلسل غاراتها على سوريا وتحديدا على المواقع الايرانية وتلك التابعة لـ”حزب الله”. وليست العودة الإسرائيلية، بحسب المصادر، سوى نتاج الانسحاب الاميركي وغض الطرف الروسي مع عودة الحرارة الى العلاقات الروسية – الإسرائيلية اثر زيارة وفد عسكري إسرائيلي موسكو الأسبوع الماضي، ووفد برلماني روسي رفيع تل أبيب منذ أيام، في اطار السعي الى إنهاء الأزمة الديبلوماسية القائمة بين البلدين منذ أيلول الماضي على أثر إسقاط طائرة روسية فوق اللاذقية.
لكن الاخطر، بحسب المصادر، ان تكون تل ابيب، وفي اطار فائض قوتها المستجد واطلاق يدها اميركيا وروسيا، في وارد استكمال مسار التصويب على “حزب الله” عسكريا، انما على الساحة اللبنانية، بعدما مهدت لذلك بإعلان مصانع الصواريخ في بيروت ثم بالكشف عن الانفاق الحدودية قبل ان تهدد الطيران المدني في لبنان بفعل استخدام أجوائه لقصف أهدافها في سوريا، كل ذلك عشية الانتخابات المبكرة المزمع اجراؤها في التاسع من نيسان المقبل والتي ترجح استطلاعات الرأي فوز رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاكثرية فيها.
وفي الملعب السوري ايضا، تطورات متسارعة تبدأ مع تغريدة ترامب عن موافقة المملكة العربية السعودية على صرف الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة بناء سوريا، بدلا من الولايات المتحدة، ولا تنتهي مع بدء انفتاح عربي على النظام ان من خلال عودة العمل في السفارة الإماراتية في دمشق مقدمة لعودة سفارات عربية اخرى، او بإعلان وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو ان “تركيا على استعداد للتعامل مع الأسد إذا فاز في انتخابات ديموقراطية”، او حتى بطرح موضوع استعادة سوريا الأسد لمقعدها في الجامعة العربية، وقبل ذلك زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا، فيما يتوقع ان يزورها رئيس الحكومة العراقي عادل عبد المهدي، وليست محطة رئيس مكتب الامن القومي علي المملوك في مصر اخيرا سوى مدماك اضافي في سيبة التسوية التي تنسج لسوريا.
وبين كل هذه التطورات، تختم المصادر، قد تبقى حكومة لبنان معلقة على حبال التسويات المنتظرة الا اذا ارتأت الاطراف الاقليمية المؤثرة تمريرها في غفلة من الزمن.