Site icon IMLebanon

الـ”هيليكوباكتر”… غالبية اللبنانيين مصابة بها

كتبت جنى جبّور في “الجمهورية”:

زاد الحديث في الايام الاخيرة عن بكتيريا شائعة الانتشار على مستوى عالمي، والتي تحفّز الاصابة بها، عوامل عدّة، كلها موجودة في لبنان لا سيما التلوّث، بالاضافة الى أنّ التناول العشوائي للمضاد الحيوي يصعّب علاجها، كما يؤدّي تطوّرها الى الإصابة بسرطان المعدة.

نصف سكان العالم مصابون ببكتيريا الهيليكوباكتر بيلوري (Helicobacter pylori) أو ما يُعرف بالملوية البوابية، ما يجعلها العدوى الأكثر شيوعاً وانتشاراً. ففي البلدان النامية تصل الاصابة بين عمر 20 والـ40 الى 80 و90 في المئة، لتنخفض في البلدان المتطوّرة بين 30 الى 40 في المئة. فما هو وضع هذه البكتيريا في لبنان؟

يجيب الاختصاصي في الجهاز الهضمي الدكتور ميشال أشقر في حديث خاص لـ«الجمهورية»، عن تفاصيل هذا الموضوع قائلاً: «في لبنان، تراوح نسبة المصابين بين عمر الـ20 والـ40 سنة بين الـ60 والـ70 في المئة. وتنتشر بكتيريا الملوية البوابية عبر الماء الملوث في حال غسل الخضار بالماء الملوث او في حال تداخل ماء الشرب مع ماء الصرف الصحي في البلدان النامية، بالاضافة الى امكانية انتقالها من الفم للفم، عبر التقبيل مثلاً».

هل تتحوّل كل الحالات الى سرطان؟

في السابق، كانت مضاعفات الإصابة بهذه البكتيريا خطيرة، لا سيما انها كانت تسبّب الكثير من المشكلات الطبية كالنزيف والحاجة الى التدخل الجراحي. فهل مازالت اليوم المضاعفات بهذه الجدّية؟

يجيب د. أشقر «تستقرّ هذه البكتيريا في مخاض المعدة وتسبّب الاحمرار في غشائها لتنتج عنها التقرّحات. وفي حال تطوّرت هذه الحالة الى مزمنة، تؤدي الى تغيّر الخلايا ما يسبّب سرطان المعدة. وبالتالي، يمكننا القول إنّ كل مصاب بالهيليكوباكتر يحمل خلال حياته خطر الاصابة بسرطان المعدة بنسبة 0,1 في المئة.

لذلك، يحتّم على البلدان التي ترتفع فيها الاصابة بسرطان المعدة أن يخضع الناس فيها لاختبار اكتشاف هذه البكتيريا ومعالجتها باكراً لمنع تطوّرها لتصبح سرطان. كما يمكن أن تكون مسؤولةً عن الخلل في الغدد الليمفاوية في غشاء المعدة ما يسبب ايضاً السرطان، ومن المهم التوضيح انّ في هذه الحالة، يؤدّي علاج الهيليكوباكتر الى علاج السرطان والتخلّص منه دون الحاجة الى العلاجات الكيميائية والشعاعية».

مؤشرات تنبيه طارئة

في المقابل، ترتكز العوارض على الامراض التي يمكن أن تسببها هذه البكتيريا والتي يجب أن يتحرك إثرها المصاب لاستشارة طبيبه، ويشير د. اشقر الى ابرزها:

«ألم في المعدة، الغثيان، التقيّؤ، براز دموي أو أسود (في حال الاصابة بالتقرحات)، فقر دم جدّي، وفقدان الوزن في حال تحوّل البكتيريا الى سرطان. ويهمّني أن اشدّد، على وجود مؤشرات تنبيه طارئة، تحتّم التوجّه مباشرةً لزيارة اختصاصي الجهاز الهضمي، لا سيما الم المعدة بعد عمر الـ40 أو فقدان الوزن أو تقيّؤ الدم. وبعد زيارة الطبيب، يرتكز التشخيص على الاختبارات والإجراءات المستخدَمة لتحديد الإصابة من عدمها. ففي حال المعاناة من المؤشرات الطارئة نبدأ اولاً بالفحص عبر المنظار، وأخذ خزعة للتحليل، للكشف اذا كانت العوارض الجانبية التي تتسبّب بها هذه البكتيريا متقدّمة أو غير متقدمة. امّا اذا كانت العوارض غير طارئة، فنُخضع المصاب الى 3 فحوصات مخبرية؛ الأول، هو فحص الأجسام المضادة، الثاني فحص التنفس، والثالث فحص البراز».

عشوائية المضاد الحيوي… وفشل العلاج

لطالما كثرت حملات التوعية التي تتمحور حول أهمية الابتعاد من التناول العشوائي للمضادات الحيوية. ففي الهيليكوباكتر يلعب هذا الموضوع دوراً اساسيّاً في العلاج.

ويشرح د. اشقر أنّه «يتمّ علاج هذه الجرثومة باثنين على الأقل من المضادات الحيوية المختلفة في وقت واحد، للمساعدة في منع الجراثيم من تشكيل مقاوم لأحد المضادات الحيوية المعيّنة. وتوجد اتّجاهات عدّة للعلاج، الأول «Triple therapy» ويرتكز على إعطاء مثبطات مضخة البروتون (PPI)، والتي تُعرف بأدوية «حماية المعدة»، اضافةً الى مضادين حيويّين معاً، ويقتل هذا العلاج البكتيريا بنسبة 80 في المئة.

ولكن في البلدان المتخلّفة، حيث يتمّ تناول المضاد الحيوي عشوائياً دون وصفة طبّية، تكون هذه البكتيريا لديها نوع من المقاومة ضد المضادات، ما يُصعّب التخلص منها بسهولة، الامر الذي يتطلب منّا الاتجاه نحو «Quadruple therapy»، أي وصف للمريض 3 انواع من المضادات بالاضافة الى ادوية «حماية المعدة».

وفي اوروبا، تمّ تحديث علاج الـ«Quadruple therapy» ليصبح معروفاً بـ«bismuth quadruple therapy»، ويتميّز بإمكانية قتل البكتيريا بأعلى نسبة ممكنة وهي 95 في المئة. وتجدر الاشارة الى أنه في لبنان، لا نستعمل ابداً الـ«Triple therapy»، بل نعتمد في علاجنا للمصابين على الـ«Quadruple therapy» الـ«Quadruple therapy»، بسبب مقاومة هذه البكتيريا جرّاء التناول العشوائي للمضادات».

لقاحٌ وقائيّ

تؤمّن العلاجات المطروحة في هذا الاطار قتل البكتيريا، والاهم ما في الموضوع انّ الاكتشاف الباكر يسهّل العلاج ويحدّ من تطوّر المرض، ويمكن تكرار الإصابة بعد الشفاء بنسبة 1 الى 3 في المئة سنوياً.

ويوجد بعض الإرشادات التي يلفت اليها د. أشقر في نهاية حديثه، والتي تؤمّن نوعاً من الوقاية أهمها «التأكد من أنّ مياه الشرب سليمة ومعقّمة وكذلك الخضار، عدم استعمال اغراض الغير، غسل اليدين جيدّاً بعد دخول المرحاض، ضرورة ان يتعالج الشريك في حال اصابته، لمنع انتقال البكتيريا الى الشريك الآخر. أمّا الوقاية المثالية فهي اللقاح المخصّص للهيليكوباكتر، الذي يُكسب الشخص المناعة على هذه البكتيريا منذ الصغر ما يمنع الاصابة بها لاحقاً. ويتمّ العمل حالياً على تطويره، حيث تشير احدث الدراسات الى أنه يمكن أن يوضع اللقاح قيد الاستعمال بعد حوالى 6 اشهر».