كتب وليد خدوري في صحيفة “الحياة”:
شهدت أسواق النفط العالمية تجربة صعبة خلال الفصل الأخير من عام 2018، إذ ارتفعت الأسعار بسرعة وخلال أسبوعين من الزمن في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الى نحو 86 دولاراً لتنخفض بعدها، وبسرعة أيضا، لتصل في الأيام الأخيرة من العام الى أقل من 52 دولاراً لبرميل نفط «برنت». يعود السبب الرئيس لارتفاع الأسعار الى التهديد الأميركي بفرض حصار نفطي عالمي على الصادرات النفطية الإيرانية ابتداء من 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، في حين يعود سبب تدهور الأسعار السريع الى الاستثناءات التي أعلنت عنها واشنطن عشية بدء الحصار لأهم الدول التي تستورد النفط الإيراني (اليابان، والصين، والهند وكوريا الجنوبية)، ناهيك عن امتناع الدول الأوروبية الالتزام بالحصار الأميركي، الامر الذي يعني فعلا عدم حصول انخفاض مهم للصادرات الإيرانية. من ثم حصول تضخم المخزون النفطي العالمي بسبب زيادة انتاج الإمدادات التي دعت اليها الولايات المتحدة لتفادي أي نقص في الامدادات في حال فرض الحصار، ما كان سيؤدي الى ارتفاع عالٍ للأسعار.
لكن الذي حصل هو العكس. فلم ينفذ الحصار كما كان مفروضاً، بسبب الاستثناءات الاسيوية والممانعات الأوروبية. وفد زادت الدول المصدرة من انتاجها قبيل بدء فترة الحصار. وبالذات الدول المنتجة الكبرى الثلاث حيث زادت السعودية انتاجها الى 11.1 مليون برميل يوميا في نوفمبر، وروسيا زادت انتاجها الى 11.4 مليون برميل يوميا في أكتوبر. والولايات المتحدة زادت انتاجها الى 11.5 مليون برميل يوميا في نوفمبر. ويقدر معدل صادرات النفط الخام الأميركية حاليا حوالى 2.33 مليون برميل يوميا. هذا، ويشكل مجمل انتاج الدول الثلاث نحو 40 في المئة من مجمل الإنتاج العالمي.
يبدأ عام 2009 مع عاملين أساسيين: محاولة خفض الإنتاج من «أوبك» وحلفائها للجم تخمة المخزون العالمي. سيعني التعامل مع هذين العاملين الأساسيين استمرار مسلسل انخفاض الأسعار خلال النصف الأول من العام الى حين تقليص التخمة النفطية المهيمنة المقدرة بنحو 800 ألف برميل. التزمت «أوبك» وحلفائها الخفض، بالذات السعودية وروسيا، لكن هناك في الوقت نفسه الكثير من التكهنات حول مدى الزيادة الممكنة للنفط الصخري. ازداد انتاج النفط الصخري أخيراً، على رغم ما أشار اليه كبار الصناعيين النفطيين الأميركيين عقبات محتملة قد تحد من زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط الصخري، مثل عدم توفر بنية تحتية كافية من انابيب لنقل النفط من حوض «بيرمين» الضخم في ولايتي تكساس ونيو مكسيكو الى مرافئ التصدير، الأمر الذي كان من المفروض ان يشكل صعوبة الحصول على انتاج متزايد وبسرعة في المستقبل المنظور لامدادات إضافية من النفط الصخري في الاسواق العالمية. وتشير إحصاءات «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية انه يتوقع زيادة انتاج النفط الصخري نحو 135 ألف برميل يوميا. كما تقدر الإدارة معدل انتاج النفط الأميركي خلال 2018 نحو 10.9 مليون برميل يوميا ليرتفع الى 12.06 مليون برميل يوميا في 2019.
تبنت منظمة «أوبك» وحلفائها قراراً بخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يوميا خلال النصف الأول من عام 2019. يتوقع ان يؤدي هذا الخفض الى تقليص التخمة نحو 100 ألف برميل يوميا بحلول شهر حزيران (يونيو) المقبل، لينخفض فائض المخزون النفطي الى 700 ألف برميل يوميا في بداية الفصل الثاني، ومن ثم يستمر انخفاض التخمة الى مستوى معقول بنهاية عام 2019، من خلال توازن ميزان العرض والطلب في النصف الثاني من العام واستقرار الأسعار في حينه.
لكن السؤال ما مدى تأثير هذا الخفض للإنتاج، في وقت زيادة الإنتاج الأميركي المتصاعد. فهل ستنخفض معدلات زيادة إنتاج النفط الصخري بشكل ملحوظ في الربع الثاني؟ هذا الامر لا يزال غير واضحا. كما هناك مسألة مدى التزام بعض الدول بمبدأ الخفض. وهنا تبرز عدة أسئلة وتحفظات لبعض الدول؟ فالاستمرار والتكرار لخفض الانتاج، رغم أهميته لتعديل واستقرار الأسعار. الا انه يشكل وضعا صعبا لعض الدول، روسيا والعراق مثلا، التي لها عقود مع شركات دولية لتطوير الحقول وبدء الإنتاج في موعد محدد، وحيث تتحمل هذه الدول مسؤوليات مالية مع الشركات المتعاقدة لتعويضها عن أي تأخير في الإنتاج، ناهيك عن الحاجة لتقليص عجز الموازنات السنوية. والأهم في الأمر ان هذه الدول وعدد كبير من دول أخرى في المنظمة او خارجها، لا تتبنى سياسة الالتزام بسياسة الحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة. هذه السياسة التي تتبناها بشكل خاص وبكلف عالية الدول ذات الاحتياطات الضخمة في الخليج العربي ذات الاقتصادات المستقرة. وبما ان سياسة خفض الإنتاج قد أصبحت متكررة في ظل زيادة امدادات النفط الصخري، فقد حان الوقت لبحث هذا الموضوع ضمن «أوبك» ومع الحلفاء لدراسة الخيارات لمواجهة الزيادات للنفط الصخري وكيفية التعامل معها من اجل تحقيق استقرارا في الأسواق.
هذا السيناريو كان مرتبطا بتوقع استمرار زيادة الطلب العالمي. فكان التصور ان الذي سيساعد أيضا على استقرار الأسعار هو استمرار زيادة الطلب في عام 2019. وقد سجل الطلب في عام 2018 نحو 99.7 مليون برميل يوميا، او بزيادة 1.5 في المئة عن 2017 بسبب زيادة ناتج الدخل القومي العالمي 3.7 في المئة بحسب صندوق النقد الدولي وبالذات في كل من الولايات المتحدة والصين والهند. ومن ثم كان يتوقع استمرار زيادة الطلب نحو 1.5 مليون برميل يوميا في عام 2019 ليزيد على 100 مليون برميل يوميا، أيضا لنفس الأسباب أعلاه. ومما دعم هذا التصور هو تهدئة الحرب التجارية ما بين الولايات المتحدة والصين، مما سيساعد التبادل التجاري والنمو الاقتصادي في هاتين الدولتين.
لكن، أخذ يبرز أخيراً سيناريو جديدا بسبب عوامل اقتصادية مختلفة ممكن ان تؤثر على الأسواق خلال عام 2019. فهناك أولا، مدى تأثير الانهيار الذي حصل خلال الأسابيع الأخيرة في قيمة أسواق الأسهم الأميركية وما سيتبعها لاحقا من انهيارات في بقية الأسواق العالمية، ومدى تأثير هذه الانخفاضات على السيولة المالية المتوفرة للشركات العالمية في الطلب العالمي على النفط، إضافة إلى تأثير الانهيار في السوق الأميركي على قيمة الدولار الذي صاحبه ارتفاعا تدريجيا مهما في الفوائد على الدولار. كما هناك الغموض لسياسة الحماية للاقتصاد الأميركي، هذه السياسة التي تتأثر بين اليوم والآخر بتغريدات الرئيس دونالد ترامب اليومية.