كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
يطوي لبنان آخِر أوراقِ روزنامة الـ 2018 على مأزقٍ سياسي – دستوري، ظاهِرُه أزمة حكومية تعتمل منذ أكثر من 7 أشهر، وباطِنُه سعيٌ لإجراء «تعديل جيني» على اتفاق الطائف الذي يشهد منذ 2005 محاولةً من «حزب الله» لإرساء نسخةٍ جديدةٍ منه ترتكزُ على «موازين القوى» والأعْراف التي «تَقْضُمُ» تدريجاً من النظام.
وإذ ينتقل ملف تشكيل الحكومة «عبر الزمن» وسط رهانٍ على أن تَحْمِل بداية 2019 تزخيماً لعملية نزْع آخر الأشواك المفترضة من أمام ولادتها والمتمثّل بإيجاد تسوية حول «المرجعية السياسية» للشخصية التي ستمثّل النواب السنّة الستة الموالين لـ «حزب الله» في ضوء رفْض الأخير أن يكمل هذا الوزير نصاب الثلث المعطّل لفريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإنّ تَمدُّد الأزمة الى السنة الجديدة أُبْرَزَ خشيةً من تشابُك عقدة «مجموعة الستّة» مع تطورات خارجية وداخلية من شأنها إضافة «طبقات جديدة» من التعقيدات، وبينها:
* المسار الانفتاحي «التدحْرجي» على النظام السوري بما يمكن أن يعطي دفْعاً لحلفائه في لبنان لمزيد من التشدُّد في مسار التأليف ولا سيما في ما خص تمثيّل سنّة 8 مارس الذي وإن كان الصراع حوله يدور بين الحليفيْن «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، إلا أنه يشكّل امتداداً لرغبة الحزب في توزيع «كعكة السلطة» بما يتلاءم ورؤيته لتوازناتها السياسية والطائفية.
وفيما لا تتعاطى دوائر سياسية مع بعض الدعوات اللبنانية لإشراك سورية في القمة التنموية التي تستضيفها بيروت في 20 يناير على أنها من باب «ربْط النزاع» مع الأزمة الحكومية وسقوفها التفاوضية بمقدار ما أنها محاولاتٌ (شكلية) لـ «تقديم أوراق» اعتماد الى النظام السوري، إلا أنها تنظر بعين الريبة إلى ما عبّر عنه شمول قادة لبنانيين بالقائمة التي أعلنتْها «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» في سورية والتي ضمت أشخاصاً وكيانات من جنسيات عربية وأجنبية.
وبينما جاء كل من الرئيس المكلف سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائبين السابقين عقاب صقر وخالد الضاهر على رأس الأسماء اللبنانية المدرَجة في اللائحة، صدرت ردود فعل على هذا التطور أبرزها من وزير التربية النائب مروان حمادة (القريب من جنبلاط) الذي رأى ان «من سخرية الزمن أن القاتِل يَتّهم بالارهاب»، معلناً «لا للانبطاح لنظامِ يتوهّم الانتصار وهم لا يفتحون سفارات في سورية انما لدى جمهورية روسيا الاتحادية»، فيما تمنى زميله في الكتلة نفسها بلال عبد الله من وزير الخارجية جبران باسيل «استدعاء سفير النظام السوري وتبليغه موقف لبنان الرسمي المعترض على الإساءة لرموز وطنية لبنانية».
* انفجار سجالٍ بين وزارة المال (يتولاها فريق رئيس البرلمان نبيه بري) وبين أحد نواب «التيار الحر» عَكَسَ الخشيةَ من خروج الجمر مجدّداً الى فوق رماد علاقة «الودّ المفقود» بين التيار وبري وذلك في غمرة المساعي لتبريد الأجواء على خط «حزب الله» – «التيار الحر» بعدما اهتزّتْ للمرة الأولى بهذه الحدة منذ تفاهُمهما العام 2006.
فبعد تغريدة للنائب زياد أسود تحدث فيها عن «ميليشيا وزارة المال» و«مافيات واختصاصيي الرشاوى والخوات على الشركات المسيحية»، اندلعت «حرب كلامية» من «العيار الثقيل» بلغت حدّ طلب المديرية المالية العامة (في وزارة المال) «الى قيادته السياسية والحزبية أن تتحداه بتقديم أي معلومة موثقة عما ورد، حتى لا تتحمل هي المسوؤلية المعنوية وتضع نفسها ووزراءها في دائرة الاتهام المباشر عن الكلام الانقلابي على الدولة والميثاق».
* المخاوف من استخدام الواقع الاقتصادي – المالي في سياق أوراق الضغط بالملف الحكومي، وسط كلام لافت أطلقه وزير المال علي حسن خليل الذي حذّر من أن «الأزمة الاقتصادية اليوم في أعلى تجلياتها، وبدأت تتحول من اقتصادية إلى مالية»، آملا ألاً «تتحول نقدية»، داعياً «لإعلان الحكومة فوراً مع بداية العام».
* الخشية من أن يُفْضي عدم تسليم رئيس «التيار الحر» الوزير باسيل حتى الساعة باستحالة الحصول على الثلث المعطّل لفريق عون منفرداً إلى توسيع رقعة الصيغ المطروحة من خارج التركيز على إيجاد تسوية لتموْضع ممثّل سنّة 8 مارس، بما يمكن أن يفضي إما الى عودة هؤلاء الى التشدُّد بالمطالبة بتوزير أحدهم مباشرة وهو ما يستحيل ان يقبل به الحريري، أو العودة بعجلة التأليف الى الوراء في ظلّ ما تردّد عن إحياء فكرة توسيع الحكومة الى 32 وزيراً، الأمر الذي كرّر الرئيس المكلف، الذي يلتزم منذ نحو اسبوع الصمت المطبق، رفْضه للاعتبارات نفسها التي سبق أن حدّدها.
وفيما كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، الذي كلّفه الرئيس عون وضع الآليات التنفيذية لمبادرته الرامية الى تمثيل النواب السنّة الموالين لـ «حزب الله»، يمضي في حركته التمهيدية لاستئناف الاتصالات بعد رأس السنة حيث عُلم انه التقى الحريري عصر السبت بعد أكثر من اجتماع عقده (ابرهيم) مع باسيل، فإن عون أطلقَ إشارةً لافتة خلال توجهه إلى عناصر الجيش، قائلاً: «انتم في التحدي إقدام وفي الثبات صلابة، انتم المدافعون عن كرامة الوطن، بكم يبقى لبنان وطن الرسالة في زمن الإفراط بالأنانيات وانتهاك الحقوق انتم العيد الحقيقي».