كتبت صحيفة “الأخبار”:
أعيد إحياء المبادرات الهادفة إلى تشكيل الحكومة، إذ يجري العمل على ترميم المبادرة السابقة لرئيس الجمهورية، في محاولة لاستنساخ طريقة تمثيل حزب الطاشناق داخل تكتل «لبنان القوي»
تودّع البلاد عام 2018 بفراغ حكومي وأزمة سياسية وشلل شبه كامل يصيب الدولة اللبنانية، أو ما تبقى منها. وإن كانت الانتخابات النيابية على أساس القانون النسبي تُعدّ الإنجاز السياسي الوحيد في البلاد طوال سنة كاملة بعد نحو عامين على تسوية الرئاسة وانتخاب الرئيس ميشال عون، فإن خطاب المحاصصة العلني واستعار الخطاب الطائفي والمذهبي والأزمة الحكومية المستفحلة، وضعت أزمة النظام السياسي اللبناني بأكمله على طاولة البحث، وإن كانت القوى لا تزال تحاول النجاة من الاستحقاق التاريخي، عبر تسويات مصلحية مرحلية.
فالصراع اليوم على تشكيل الحكومة لا مبرّر منطقياً له، لا على المستوى الإقليمي الذي يشهد تحوّلات جذرية في العلاقات السورية ـــ العربية وانعكاساتها على لبنان، ولا على المستوى الداخلي الذي يفرض تشكيل حكومة، أي حكومة، علّها تسعى (وهو مستبعد) إلى وضع خطط لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، ريثما تؤجّل أمد الانفجار أو الانهيار الحتمي للنظام السياسي. ومع كل التبريرات التي تقدّمها القوى السياسية المختلفة حول حسن نيّتها في عمليّة التشكيل، إلّا أن الصراع اليوم يختصر باللهاث خلف الحقائب وعلى النفوذ داخل الحكومة، ذلك النفوذ الذي لا يمكن أن يُصرف إلّا إذا انفضّ توافق الحدّ الأدنى السائد اليوم، وباتت البلاد أمام افتراقات جذرية بين القوى السياسية المتحالفة، لا سيّما بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله أو بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، وهو ما يصعب تخيّل حدوثه.
منذ ما بعد الانتخابات النيابية، وعملية التشكيل الحكومي مرتهنة في كل مراحلها لتوزيع الحقائب والنفوذ والتمثيل داخل مجلس الوزراء. في الأشهر الأربع الأولى، احتلّت عقدة تمثيل حزب القوات اللبنانية الحيّز الأكبر من المفاوضات والمماطلة والتراشق الإعلامي مع التيار الوطني الحرّ، وسعي القوات للحصول على خمسة وزراء مع حقائب وازنة، من ضمنها حقيبة العدل، مع رفض الوزير جبران باسيل لهذه المطالب. وحين بدا الرئيس سعد الحريري على وشك السير بتأليف الحكومة من دون القوات إذا ما استمرت على عنادها، تراجعت القوات، وقبلت بأربعة وزراء والتخلي عن وزارة العدل. وكان سبق ذلك بقليل تراجع أوّلي من النائب السابق وليد جنبلاط عن مطلبه باحتكار تسمية الوزراء الدروز الثلاثة في الحكومة، بعد أن وصل التجاذب بين التيار والحزب التقدمي الاشتراكي إلى بوادر توتّر في قرى الشوف المختلطة، فما كان من جنبلاط إلا أن تراجع عن شرطه، وقَبِل بمبادرة بدأها النائب جميل السيد لمنح رئيس الجمهورية حقّ تسمية الوزير الدرزي الثالث من ضمن مجموعة أسماء يطرحها النائب طلال أرسلان. ومع انتهاء العقدتين المسيحية والدرزية، بقيت العقدة السنيّة، المرتبطة بتمثيل نواب اللقاء التشاوري، الذي أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بخطاب ليقول إن الحزب يدعم مطالب هؤلاء بالتمثيل، وإنه يقبل بما يقبلون به ولا يودع أسماء وزرائه لدى الرئيس المكلف ما لم تُحلّ أزمة تمثيل اللقاء التشاوري مع اللقاء.
وفيما تصلّب الحريري في موقفه برفض التنازل عن أي وزير سنّي من حصته ورفضه توزير أي نائب من اللقاء وتمثيل «سنّة 8 آذار»، في مقابل تشدّد حزب الله في دعم مطلب التشاوري بالتمثيل، ورفض باسيل حلّ الأزمة عبر توزير اللقاء بوزير سنّي يطالب رئيس التيار الوطني الحرّ بأن يكون من حصتّه من ضمن 11 وزيراً هي حصّة التيار وعون مجتمعين، تقدّم رئيس الجمهورية خطوة إلى الوسط، معرباً عن قبوله تمثيل اللقاء التشاوري من حصّته. وعلى هذا الأساس، قاد المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم مبادرة لإيجاد مخرج للتسوية، إذ إن الحريري تراجع عن رفضه تمثيل «سنّة 8 آذار»، وتراجع اللقاء التشاوري عن مطلبه تمثيله بأحد النواب الستة، فيما تراجع باسيل عن رفضه تمثيل اللقاء من حصّة التيار والعهد. إلّا أن مبادرة ابراهيم اصطدمت بشياطين التفاصيل. وفيما كان من المفترض أن يختار عون اسماً من بين أسماء يقترحها النواب الستة ليكون وزيراً ممثلاً لهم في الحكومة، توقّفت المبادرة عند إصرار باسيل على أن يكون الوزير المختار، أي جواد عدره، ضمن تكتل «لبنان القوي»، وهو ما رفضه اللقاء التشاوري الذي أصرّ على أن يكون عدره ممثلاً حصرياً له. بالنتيجة، لم تراعَ المبادرة لا شكلاً ولا مضموناً، قبل أن تطلّ من جديد أزمة توزيع الحقائب، لا سيّما الخلاف على وزارة البيئة بين باسيل والرئيس نبيه برّي.
وفي غضون أسبوع، انعكس فشل التأليف توتّراً على مواقع التواصل الاجتماعي بين جمهور حزب الله وحركة أمل من جهة، وجمهور التيار الوطني الحرّ، قبل أن تتحرّك قيادة الطرفين واللواء إبراهيم للعمل على التهدئة، وإعادة إطلاق مبادرة جديدة والسعي للتأليف الحكومي.
المبادرة الجديدة بدأت حين كلّف عون، قبل أيام، المدير العام للأمن العام بمعاودة الاتصالات، مانحاً الاخير ورقة تفاوضية مع تأكيده القبول بأن يكون الوزير ممثّلاً حصرياً للقاء التشاوري في حصّة رئيس الجمهورية، لكن الاقتراح الأخير لا يحلّ أزمة بقاء الخلاف حول الجهة التي سيصطفّ إلى جانبها الوزير المفترض في حال التصويت في مجلس الوزراء، إذ لا يزال باسيل مصرّاً على أن يكون الوزير من ضمن تكتل «لبنان القوي» وأن يشارك في اجتماعاته، في استنساخ لتجربة حزب الطاشناق في التكتل. وبعد إجازة رأس السنة، ستُبحث تفاصيل هذه المبادرة مع أعضاء «اللقاء التشاوري». في المقابل، يؤكّد مصدر معني بالمفاوضات أن «الصيغة القديمة انتهت، وعدنا إلى البحث في صيغ تتضمن توسيع الحكومة إلى 32 وزيراً». غير أن صيغة الـ32 وزيراً، التي يطرحها باسيل منذ البداية، والتي تتضمّن إضافة وزير علوي ووزير للأقليات (سرياني)، ويوافق عليها حزب الله، لا تزال حتى الآن تصطدم بعدم قبول الحريري لها. فالأخير يرى أن إضافة وزير علوي الآن إلى الحكومة من حصّته مقابل تخليه عن وزير سنّي، تسمح لسوريا في المرة المقبلة بتسمية هذا الوزير وتحويل توزير العلويين إلى عُرف. ومع أن أصحاب المبادرة ابتدعوا حلّاً للحريري، عبر تبديل المقعد الوزاري الذي منحه للرئيس نجيب ميقاتي من سني إلى علوي، وإعطاء المقعد السّني إلى ممثّل عن اللقاء التشاوري، إلّا أن الحريري لم يعلن موافقته بعد.