كتب عيسى يحيى في صحيفة “الجمهورية”:
يقفل العام الحالي أبوابه في البقاع على جملة استحقاقات تنتظر تحرك الدولة والمعنيين بدءاً من الوضع الأمني الذي يبقى همّ البقاعيين والشاغل لهم، إلى ملفّ السيول الذي ضرب بلدات في البقاع الشمالي مسبِّباً أضراراً جسيمة في الأرواح والممتلكات، وما بينهما استحقاق الانتخابات النيابية الذي أفرز نتائج جديدة في المنطقة تضع على كاهل الممثلين للناس مسؤوليات جمة.
عانى البقاع الشمالي ولا يزال رغم مرور السنين من مشكلات جمّة، ويعيش البقاعيون عند مطلع كل عام على أمل أن تكون السنة المقبلة بادرة خير تفتح معها نافذة أمل على المستقبل وعلّها تعيد الأمن والأمان لهم، وتتحسن أوضاعهم الاقتصادية التي أرهقت كاهلهم ككل اللبنانيين.
أطلّ عام 2018 على البقاع سياسياً عبر الانتخابات النيابية التي جرت وفق القانون الجديد، والذي أفرز نتائج مغايرة لما كانت عليه خلال دورات سابقة في كل لبنان، وفيما كان «حزب الله» يحصد المقاعد النيابية العشرة عن دائرة بعلبك- الهرمل، خسر هذه الدورة مقعدين، واحد لصالح تيار «المستقبل» وآخر لـ»القوات اللبنانية» لتنتهي بذلك حصرية التمثيل التي استمرت سنوات، وفتحت الباب أمام طوائف وفئات وأحزاب لإيصال ممثلين لها عن المنطقة وهو ما يضع تلك الأحزاب جميعها أمام مسؤولياتها تجاه أهالي البقاع.
صورة المشهد السياسي المستجدّ في البقاع لم تحل دون وقوع سيولٍ جارفة كانت أشبه بتسونامي ضربت بلدتي رأس بعلبك والقاع لم تمرّ على المنطقة منذ عشرات السنين، حيث كان وقع هذه الكارثة الطبيعية على الناس مأساوياً وأشبه بنكبة مخلّفةً أضراراً جسيمة في الممتلكات والمحال التجارية والبنى التحتية وانهيار جدران الدعم وجرف سيارات المواطنين، وحصد أرواح.
وبين السياسة والطبيعة يبقى الوضع الأمني المسيطر على ما عداه من أحداث في البقاع حيث بات هم الناس الوحيد، وكانت للعام حصة لا بأس بها حيث كانت مدينة بعلبك على موعد شبه يومي مع إطلاق النار والمشكلات اليومية التي لم تخلُ من إقفال وتسكير محال، ناهيك عن الإصابات في الأرواح وتضرّر أملاك المواطنين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يقطنون بعلبك.
قساوة المشهد الأمني في بعلبك طوال السنوات الماضية والذي استكملت حلقاته في العام 2018 دفع بالمجلس الأعلى للدفاع إلى الإجتماع لبحث الوضع الأمني في المدينة بعد سلسلة مطالبات وزيارات لاتخاذ القرار وحسم حال الشذوذ في المدينة، فكان القرار بإنهاء كل المظاهر المخلّة بالأمن من السلاح المتفلت إلى تجار المخدرات وغير ذلك.
أولى الإجراءات كانت عبر انتشار الجيش على مداخل أحياء مدينة بعلبك والطرقات الرئيسة حيث أقام نقاطاً ثابتة وسيّر دوريات لا تزال حتى الآن، وحيث ظنّ المطلوبون أنّ الخطة الأمنية التي بدأها الجيش كغيرها وظهروا على الساحة مجدداً بعد اختفائهم لفترة، فكانت أولى ضربات الجيش الحاسمة وتنفيذاً لمقررات المجلس الأعلى للدفاع من بلدة بريتال حيث داهم الجيش عبر عناصر استُقدمت من خارج المنطقة منزل المطلوب علي زيد إسماعيل ما أدّى إلى وقوع اشتباكات ذهب بنتيجتها المطلوب إسماعيل وعدد من معاونيه إضافةً إلى والدته.
عملية بريتال التي ترافقت مع حال غضب عمّت البلدة نتيجة الطريقة التي نُفّذت بها العملية والتصفية التي لحقت بالمطلوبين وصلت إلى بعلبك والجوار لكنها لم تكن الأخيرة، حيث نفّذ الجيش عملية دهم ثانية في محلة الشروانة في بعلبك فاشتبك مع مطلوبين ما أدّى إلى مقتل علي حمدان جعفر وثلاثة آخرين، وهو ما خلق حالاً من التذمر عند البعض حول الطريقة التي تنفَّذ بها عمليات الدهم.
حال التذمر هذه لم تقف عند حدود الكلام بل وصلت إلى حدّ التطاول على الجيش وإطلاق النار على حواجزه كان آخره على أحد الحواجز في حيّ الشراونة ما أدّى إلى استشهادِ جنديٍّ من آل يزبك وفتحت الباب مجدداً أمام احتمالات لا تُحمد عقباها.
وتختم السنة الحالية أيامها الأخيرة على جريمة لا تقلّ أهمية عن الوضع الأمني هي جريمة بيئية تمثلت برمي نفايات صلبة ومخلفات مستشفيات في محلة وادي جريبان في بلدة الطيبة قضاء بعلبك، حيث تمّ تفريغ حمولة عشرات الشاحنات في المحلة بعلم ودون علم، وكأنّ المواطن البقاعي غير مدرج وأمنه وصحته على لائحة الاهتمام والرعاية.