كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: مع انتهاء «استراحة» الأعياد، دَهَمَتْ بيروت أجواء متناقضة حيال أفق أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، وسط مناخٍ تفاؤلي أوحى بإمكان استيلادها خلال أسبوع، في مقابلِ شكوك كبيرة وتشاؤم بإزاء مسار التأليف العالِق عند «قطبةٍ مَخْفية» لم تعد خافية على أحد وتتمثّل في الصراعِ على «الثلث المعطّل» الذي يريده رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والذي يرفض «حزب الله» التسليمَ به، متسلّحاً بـ «ورقةِ» تمثيل النواب السنّة الستة الموالين له بشخصيةٍ «تأكل» من حصة الرئيس ميشال عون عبر ربْط «مرجعيتها السياسية» بـ «اللقاء التشاوري» (النواب الستة).
وبدا واضحاً، أن لبنان دَخَل في «سباقٍ مهل» جديدٍ «حدودُه» القمة التنموية العربية التي تستضيفها بيروت في 20 كانون الثاني، والتي تَحوّلتْ عامل ضغطٍ سياسياً تحت عنوان، أن عدم حصول التأليف قبل موعدها سيعني خفْض مستوى تمثيل الوفود المشارِكة وتالياً تفويت الفرصة على لبنان للاستفادة من الزخم الذي ستعطيه لـ «بلاد الأرز» وموقعها العربي كما ممّا يُتوقّع أن تشكّله لجهة تمهيدِ الأرضية لمسار إعادة الإعمار في سورية.
وفيما استوقف أوساطٌ سياسية، أن «الضغط بالقمة التنموية» تَرافَق مع تَدحْرُج «كرة» إضراباتٍ وتحركات على استمرار المماطلة في تأليف الحكومة كما على مجمل الواقع الاقتصادي والمالي وما يحوط به من فساد، بدءاً من الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام غداً (يشارك فيه اتحاد النقل الجوي لساعة واحدة) مروراً باستعدادِ أحزاب يسارية ومجموعات من المجتمع المدني لتظاهرات تنطلق الأحد تحت عنوان «نداء: إلى الشارع… للإنقاذ في مواجهة سياسة الانهيار»، فإن مسار التأليف، كان رهْن «رياح متعاكسة» بَرَزَتْ على النحو الآتي:
عدم استبعاد تحقيق اختراقٍ في الأيام القليلة المقبلة على قاعدة صيغةٍ جرى طرْحُها وتقضي بفصْل كتلة رئيس الجمهورية عن التكتل المحسوب عليه، على أن يكون وزير «اللقاء التشاوري» في كتلة عون، بما يعني عملياً عدم حضوره اجتماعات تكتل «لبنان القوي»، ما قد يشكّل حلاً وسطياً ويُضْفي عليه صفة «الغموض البنّاء» مع ضماناتٍ كافية بين المعنيين لعدم تحوّله عنصراً «كاسِراً للتوازنات» عبر الثلث المعطّل الذي يمكن ان يتحوّل «مقرِّراً» في مفاصل سياسية ودستورية.
وكان لافتاً ان «حزب الله» الذي أوْفد أمس وفداً منه برئاسة نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عبّر عن تفاؤلٍ بـ «حلّ قريب جداً يدْخل في إطار عيدية الأعياد»، مؤكداً «أن العلاقة في أمْتن حالاتها مع الرئيس عون والتيار الحر».
تريُّث أوساط سياسية بالانسياق وراء أي جرعات تفاؤل، متكئة أولاً على تجربتين سابقتيْن أوشكت فيهما الحكومة على الولادة قبل ان تتعثّر في «الدقيقة الأخيرة»، وثانياً على مجموعة مؤشراتٍ لا تشي بقرب نزْع آخر الألغام من طريق التأليف، ومنها دعوة رئيس البرلمان نبيه بري، حكومة تصريف الأعمال لإقرار مشروع موازنة 2019 «نابِشاً» تجربة مماثلة حصلت قبل نصف قرن، الأمر الذي اشتُمت منه أجواء توحي بأن الحكومة لم تقترب من «ساعة الانفراج».
واعتبرتْ مصادرُ سياسية أن كلام الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بعد لقائه عون أول من أمس عن «عقدة أخيرة» (تمثيل سنّة 8 آذار) لا يعني بالضرورة تخلّي باسيل عن طروحاته القديمة، ومن بينها اقتراح توسيع الحكومة إلى 32 وزيراً، ولا حتى عن سعيه الى تحسين حصة تكتله من الحقائب الوزارية.
وفيما شَكّلَ مسارُ التأليف محور الزيارة التي قام بها باسيل أمس، للحريري، رأتْ الأوساطُ السياسية أن مدْخلَ أيِّ خرْقٍ في الملف الحكومي يبدأ بإقرار رئيس «التيار الحر» باستحالةِ حصولِه على الثلث المعطّل، متوقّفة عند كلام الأخير من دارة الرئيس المكلف عن «أفكار جديدة» لحلّ «يتقاسمه الأفرقاء» ويراعي عدالة التمثيل، ما يعني عملياً أن «عصْف الأفكار» ما زال في أوْجه، كما عند إشارته الى أنه سيستكمل اتصالاته في شأن هذه الأفكار بما فُهم على أنه تَراجُع للدور الذي كان أناطه عون بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لترجمة مبادرته لحلّ عقدة تمثيل سنّة 8 آذار.