IMLebanon

الثورة لم تعد موجودة في قاموس اللبناني؟

تكفي جولة سريعة في الشوارع اللبنانية اليوم، الاساسية منها والفرعية، لتكوين فكرة عن نسبة الالتزام بالاضراب الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام وقطاعات نقابية عمالية عدة..الدكاكين والمحال التجارية فتحت بمعظمها ابوابها كالمعتاد ولسان حال أصحابها “بدنا نشتغل..الإقفال لن يقدم ولن يؤخّر لا بل سيرتد سلبا علينا”.

إخفاق الحركة الاحتجاجية، رغم أحقيّة أهدافها وهي رفع الصوت ضد الاوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية والمطالبة بالاسراع في تشكيل حكومة، يحمل في طياته أكثر من رسالة لعلّ أبرزها انعدام ثقة الشعب اللبناني بالجهات الداعية الى الاضراب كونها في شكل مباشر او غير مباشر، مرتبطة بأطراف سياسية مشاركة في السلطة، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. هذا ناهيك عن غياب التنسيق بين هذه الجهات، حيث اكتفى بعضهم بالدعوة الى التزام المنازل فيما اكتفى البعض الآخر بالاضراب لساعة، أما جزء ثالث فكان يفضّل التظاهر والتحرك في الشارع.

وتشير المصادر الى ان غياب التجاوب الشعبي مع الاضراب يدل من جهة ثانية، الى مدى ارتباط اللبناني بمرجعيته السياسية وولائه المطلق لها.. فالقوى المحلية الكبرى وإن عبّرت عن تضامنها مع مطالب العمّال، الا ان غالبيتها رأت ان الاضراب اليوم غير مجدٍ، فانعكس هذا الموقف سلبا على نسبة التقيّد بالتحرك المطلبي. وتسأل المصادر، لو كان التيار الوطني الحر وحزب الله والقوات اللبنانية وحركة أمل، على سبيل المثال لا الحصر، دعت الى الاقفال والتظاهر، هل كانت صورة السوق، كما ظهرت عليه اليوم؟ قطعا لا!

لكن هذا المشهد غير صحيّ، وفق المصادر. فهو يُظهر تكيّف الشعب اللبناني مع الأحوال السلبية التي يعيش فيها، واستسلامه للأمر الواقع هذا. فالثورة يبدو لم تعد موجودة في قاموسه، والانتفاضة على الطقم الذي أوصله الى هذا الدرك المنحط اقتصاديا ومعيشيا، غير واردة في حساباته، لغياب البديل؟ ربما، ولاعطائه الاولوية لحزبه وزعيمه أيضا ربما، لكن على الارجح، لعدم اقتناعه بأنه قادر على التغيير في المخططات المرسومة للبنان والتي تطبخ برأيه، في المطابخ الاقليمية والدولية الكبرى…

ولعلّه من المفيد التذكير في هذا السياق، بأن اللجوء الى الشارع لم يكن يوما في لبنان الحل، ولم يتمكن، الا في محطات نادرة، من تحقيق الاهداف التي من أجلها تحرّك: ففي العام 1992، اضطرت حكومة الرئيس عمر كرامي الى الاستقالة بعد تظاهرات في الشارع احتجاجا على تردي الوضع الاقتصادي. وعرفت تلك الحركة بـ”ثورة الدواليب”، بعد ان ترافقت مع احراق اطارات في معظم المناطق اللبنانية تصاعد منها دخان اسود غطى كل سماء لبنان تقريبا. وجاءت بعد ان بلغ سعر الليرة اللبنانية أسوأ مستوياته (ثلاثة آلاف ليرة للدولار الواحد)، من دون ان تنجح الحكومة في اتخاذ تدابير رادعة لوقف التدهور.

اما في شباط 2005، فاضطر كرامي مرة جديدة الى تقديم استقالته بعد ان تفجر غضب الشارع ضده اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي 14 آذار من العام نفسه، خرجت تظاهرة مليونية الى الشارع مطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان، فكان لهم ما ارادوا وخرجت القوات السورية من لبنان في نيسان 2005.

ووفق المصادر، في هذه الحالات، سمحت الاوضاع المحلية (ارادة حزبية سياسية شبه جامعة) معطوفة الى الظروف الاقليمية والدولية المؤاتية، لحركة الشارع بإتيان ثمارها. أما اليوم، فكلا العنصرين معدومين، وقد يكمن هنا سبب فشل الاضراب…