Site icon IMLebanon

شبكات حشيشة و”ترامادول” أمام القضاء: إخلاء سبيل موقوفين يُشعل العدلية

كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:

تضجُّ عدلية بعبدا بخبر إخلاء سبيل المشتبه فيه حسن ز. باعتباره أحد الموقوفين ضمن شبكة تهريب مخدرات، ضبطها فرع المعلومات قبل أسابيع، من ضمن أربع شبكات تنشط في تهريب المخدرات بين لبنان ومصر وليبيا والهند. المعلومات المتداولة ذكرت أنّ قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور أخلى سبيل الموقوف مقابل كفالة مالية قدرها ٢٠ مليون ليرة، وذلك لقناعته بعدم وجود جرم المخدرات وتورطه حصراً في تهريب دواء «ترامادول». في المقابل، محاضر التحقيق تُظهر أنّه كان يسأل في شأن استيراد كوكايين من أميركا الجنوبية. فما هي القصة؟

أوقفت قوى الأمن الداخلي أربع شبكات تنشط في مجال تهريب المخدرات من لبنان إلى مصر. بدأت القصة بـ«إخبارية» إضافة إلى تحليل تقني، ما كشف وجود أرقام أمنية تتواصل مع بعضها البعض (الرقم الأمني غير مسجّل باسم صاحبه ويُستخدم في اتصالات محددة ثم يُرمى). خريطة الاتصالات بيّنت أنّ عدداً من هؤلاء مشتبه فيهم في تجارة المخدرات، إضافة إلى الاشتباه في تورّط بعضهم في تهريب دواء «الترامادول». كما حدّدت وجود أربع شبكات تتواصل في ما بينها ومع تجار مخدرات خارج لبنان. رُصِدت الأرقام وحاملوها قبل أن تُفكَّك هذه الشبكات قبل نحو شهرين. بيّنت التحقيقات أنّ المشتبه فيهم ضالعون في العديد من عمليات تهريب المخدرات بين لبنان والخارج. كان لافتاً أنّ الرأسين المدبّرين لاثنين من الشبكات المضبوطة، يُعدّ أحدهما من أبرز مصدّري الحشيشة في لبنان، فيما الثاني من رجال الأعمال المعروفين في تجارة التبغ، قد استخدما أكبر عدد من الأرقام الأمنية، لدرجة أنّ أحدهم استخدم خلال نحو سنتين أكثر من ١٥ رقماً خلوياً.

غير أنّه بعد إحالة الملف إلى القضاء خرج اثنان من المشتبه فيهم بكفالة مالية. أحدهما أُخلي سبيله بكفالة قدرها ٢٠ مليون ليرة والثاني أُخلي سبيله مقابل مليون ليرة. علماً أنّ حسن ز. أحد المخلى سبيلهما كان يحمل رقماً أمنياً، يستخدمه للتواصل مع حسين ر. رئيس الشبكة. وبحسب المعلومات الأمنية، فإنّ حديثاً جرى بينهما في شأن تهريب كمية من مادة الكوكايين موجودة في أميركا الجنوبية. وبحسب التحقيقات، فإنّ الرأس المدبّر للشبكة سأل حسن ز. عن إمكانية تهريب كوكايين من أميركا اللاتينية بالطريقة نفسها التي يُهرّب بها «الترامادول»، فردّ الأخير بأنّ المسؤول عن التهريب هو السوري عبدالكريم د. (أُخلي سبيله أيضاً). عندها طلب رئيس الشبكة سؤال عبدالكريم، فرد الأخير بطلب عدم مفاتحته في الأمر مجدداً. ماذا عن التنسيق لتهريب كوكايين؟ رجل أعمال خمسيني، ذائع الصيت في عمله، يسأل صديقه الخمسيني عن تهريب كوكايين… ألا يوحي ذلك بأنّها ليست المرة الأولى أو أنّ أمراً مشبوهاً يحصل؟ لنفترض، في المنظور القضائي، أن جرم تهريب الكوكايين أو بدء التخطيط له لم يحصل بعد، لكن لماذا لم يوقف حسن ز. بجرم تهريب مواد مخدرة أو بجنحة مخالفة قانون الصيدلة، بل أخلي سبيله بعد أقل من شهر على توقيفه. ماذا عن وجود رقم أمني بحوزة الموقوف المخلى سبيله؟ ألا يشي ذلك بالشبهة؟

في هذا السياق، المصادر المطلعة على الملف نفت وجود أي مباشرة بتنفيذ الجرم توجب العقوبة. ترى المصادر أنّ القانون يُعاقب البائع بجرم مخالفة قانون الصيدلة، والبائع في هذه القضية هو عبدالكريم د. (علماً أنّ الصفقة تمّت خارج لبنان). ترى المصادر القضائية أنه لا يمكن الحكم بأنّها أدوية مخدرة، إذ لا يمكن اعتبارها كذلك، بحسب القانون، إلا عندما تتجاوز الجرعة العشرة في المئة. أما في شأن الحديث عن تهريب الكوكايين، فترد المصادر بأنّ الأعمال التحضيرية لا يُعاقب عليها إن لم تصبح أعمالاً تنفيذية. وفي شأن الرقم الأمني، تشير المصادر إلى أنّه لم يحصل أي تواصل مباشر بين المخلى سبيله وأي من تجار المخدرات، كاشفة أنّ التواصل محصور بتهريب الدخان.

قاضي التحقيق الذي أصدر مذكرات توقيف وجاهية بحق المذكورين، بعد ادعاء النائب العام في جبل لبنان غادة عون، عاد هو نفسه وأخلى سبيلهما بعد استجوابهما، وصادقت الهيئة الاتهامية في جبل لبنان بالإجماع على قرار القاضي.

وبالعودة إلى تفاصيل محاضر التحقيقات الموجودة في عُهدة القضاء، في شأن تلك الشبكات الموقوفة، يظهر أنّ الشبكة الأولى يترأسها علي ش. (مواليد ١٩٧٢)، وهو أحد أبرز تجار المخدرات اللبنانيين، لديه أسبقيات وكان موقوفاً بجرم تهريب مخدرات قبل أن يخرج ويتوارى عن الأنظار. علي هذا بعد خروجه من السجن وسّع دائرة نشاطه ليفتح خط تنسيق مع تجار مخدرات مصريين. تاجر المخدرات لم يحتكر تصدير المخدرات لنفسه، إنما يعمد أحياناً إلى تزويد تجار مخدرات لبنانيين بكميات من المخدرات ويقبض ثمنها فوراً، فيما يتولّى هؤلاء تهريب المخدرات وشحنها إلى الخارج. تمكنت القوى الأمنية من توقيف أعضاء الشبكة التي ألّفها المذكور. من بين أفرادها، حسين م. الذي استأجر مستودعاً في بيروت لتوضيب المخدرات في داخله. كذلك تبيّن تورّط المخلّص الجمركي حسّان ض. الذي كان يجري التنسيق معه لتسهيل شحن المخدرات إلى الخارج. الطريف في الأمر أنّ المخلّص الجمركي، المذكور، عمَد في إحدى المرات إلى محاولة سرقة شحنة المخدرات لنفسه مخطِّطاً لإبلاغ أصحابها أنّها ضُبطت. تلك هي الشحنة نفسها، البالغ وزنها أكثر من طنين، التي ضبطها فرع المعلومات. كذلك أوقف علاء ج. الذي كان ينشط على الخط عبر قيادة شاحنة محمّلة بالمخدرات. نقل هذا مخدرات من البقاع إلى بيروت، حيث ضُبِط ٢ طُن من الحشيشة في مستودع في الضاحية الجنوبية.

الشبكة الثانية يترأسها الموقوف حسين ر. (مواليد ١٩٥٩)، وقد أفاد أمام محققي فرع المعلومات بتهريب المخدرات من لبنان إلى مصر، بالتنسيق مع تجار مخدرات مصريين. ذكر أنّ ابن شقيقه علي ر. (مواليد ١٩٨٦) كان يتولّى التنسيق، كاشفاً أنّهم نفّذوا أربع عمليات تهريب إلى خارج لبنان بين العامين ٢٠١٦ و ٢٠١٨. كذلك أفاد بأنّه عام ٢٠١٧ نجح في تهريب كمية كبيرة من المخدرات من لبنان إلى مصر، بالتنسيق مع اللبناني سليمان ا. الموجود هناك، غير أنّ الأمن المصري أوقف الأخير، ولا يزال مسجوناً لغاية اليوم. تبيّن أنّه يملك مصنعاً للمخدرات في مصر، كما هرّب قبلها، بالتنسيق مع أشخاص من الجنسية التركية والمصرية، كميات من حشيشة الكيف كان يشتريها من رئيس الشبكة الأولى علي ش. في لبنان ثم يعمد إلى تصديرها تهريباً. كما أقرّ بأنّه هرّب ثلاث شحنات من مادة «الترامادول» بالاشتراك مع حسن ف. ز. وعبدالكريم د. من الهند إلى ليبيا، وكان يُخطِّط لتهريب كمية كبيرة من مادة الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى مصر بالاشتراك معهما. كذلك كشفت التحقيقات أنّ الرأس المدبّر كان يقوم بعمليات التهريب بالتعاون مع حسين س. أحد الذين ترشحوا للانتخابات النيابية الأخيرة، والذي حصل على نحو ٤ آلاف صوت في تلك الانتخابات.

أما الشبكة الثالثة فيترأسها علي ر. (مواليد ١٩٥٩)، الذي يمتهن تهريب حشيشة الكيف وحبوب «الكبتاغون» من لبنان إلى مصر. فيما الشبكة الرابعة يترأسها محمد ق. (سوري الجنسية)، الناشط على خط تهريب المخدرات من لبنان إلى عدة دول عربية، وتربطه علاقة واسعة بتجار مخدرات لبنانيين وأجانب. المهرّب هذا يملك شاحنات نقل دولية يستخدمها في عمليات التهريب. كان يستحصل على كميات المخدرات من علي ش. والموقوفين علي ع. م. والموقوف مهدي م. وذكرت المعلومات أنّ جميع المذكورين استخدموا أرقاماً أمنية من أجل تنسيق عمليات التهريب.