كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
إنتهت سنة وبدأت سنة أخرى جديدة… ونتمنّى للجميع 365 يوماً مليئة بالنجاح والصحة. منذ بضعة أيام، إحتفل في الملاهي الليلية والبيوت والساحات العامة وحتى في أماكن العمل (كالمستشفيات مثلاً) المتزوجون والعزّاب والصبايا والشباب والأهالي والمسنّون وحتى الأطفال، بليلة رأس السنة. وعند الساعة الثانية عشرة ليلاً، ودّع المحتفلون سنة 2018 وإستقبلوا بالترحاب 2019 متمنّين جميعهم سنة حلوة مليئة بالمفاجآت السعيدة. ولكن ماذا عن أطفالنا؟ فهل يفهمون مبدأ «السنة الجديدة»؟ هل للوقت قيمة عندهم؟ وفي أيِّ عمر يبدأ الطفل بإستيعاب مفهوم «الوقت»؟
كثيراً ما نسمع خلال موسم الأعياد عبارات يكّررها الجميع كـ»نتمنّى لكم سنة جديدة مليئة بالنجاح» أو «عقبال كل سنة» أو «365 يوماً من الفرح والسعادة»… أو غيرها من التمنيات التي تصبّ كلها في مبدأ الزمن. ويستعمل الراشد تلك العبارات بشكل عفوي لأنها مفهومة ومكتسبة.
أمّا بالنسبة للأطفال، فهذه الجمل لا تكون «واضحة» لهم أبداً، بل جدّ غامضة. لذا لا يمكن أن نطلب من طفلنا عملاً ما «مرتبطاً بالوقت» قبل عمر معيّن، لأنّه لن يفهم ما نقصده. لا يمكن مثلاً أن نطلب من طفل عمره 4 سنوات أن يستعد للخروج من البيت بعد 10 دقائق أو أن نسأله ماذا يتمنّى في السنة الجديدة؟. فهذه الجمل مبهمة جدّاً بالنسبة له، لأنّ هذا الطفل، الذي يبلغ من العمر 4 سنوات، لم يكتمل عنده مبدأ الوقت بعد.
مفهوم الوقت عند الأطفال
هو من أكثر المبادئ صعوبةً للشرح. فكلمات «اليوم أو الغد»، «بعد ساعة»، «السنة المقبلة»، «الماضي»، «الحاضر»، «المستقبل»… وغيرها من المصطلحات المرتبطة بالوقت، هي غامضة عند الطفل. فالوقت عنده مقسّم إلى ثلاث فئات وهي: «منذ قليل» المُستخدَمة للتعبير عن زمن الماضي، و«الآن» للتعبير عن الحاضر، و«بعد قليل» للتعبير عن المستقبل.
وفي معظم الأحيان، تختلط عند الطفل، الذي لم يتجاوز الـ8 سنوات، الأزمان الثلاثة ولا يفهم منها إلّا الحاضر. فإذا جاع الطفل الرضيع مثلاً، لن يفهم مبدأ «الوقت» وينتظر بضع دقائق لتُعطيه أمّه الحليب، بل هو يفهم مبدأ «الآن» فقط.
كما أنّ الطفل الذي بدأ يذهب إلى الحضانة، حتى لو فسّرت له أمه أنّه بعد بضع ساعات ستعود وتُرجعه إلى البيت، لن يفهم أبداً مبدأ الوقت وسيشعر أنّ وقت غياب أمّه لا متناهٍ.
وعندما تطلب الأم من طفلها أن يوقف اللعب بعد 10 دقائق، لن يفهم هو هذا المطلب. فبالنسبة للطفل، إنّ الوقت غير محدّد، أي لا بداية له ولا نهاية. فيشعر الطفل أنه يعيش «الحاضر» أو «الآن» دائماً. لذا نسمعه يردّد، خلال سهرة رأس السنة، سؤاله «هل إنتهت السنة؟» أو «متى تنتهي السنة؟».
وتنهال الأجوبة عليه: «بعد ساعة» أو «خلال ساعتين»، وطبعاً هذه الأجوبة لا تشفي غليل الطفل الذي لم يفهم مبدأ الوقت وسيبقى يكرّر السؤال نفسه مرّات لأهله. فالجواب الأصح للطفل الذي لم يكتسب مبدأ الوقت هو: «ليس الآن».
متى يبدأ الطفل بفهم الوقت؟
يتعلّم الطفل مبدأ الوقت تدريجاً ويتأثّر طبعاً النموّ العقلي والمعرفي عنده مع اكتسابه هذا المبدأ. ولكن لن يفهم الطفل مبدأ الوقت قبل عمر الـ7 أو 8 سنوات.
أمّا بين عمر السنتين والـ4 سنوات، فالوقت بالنسبة للأطفال ليس سوى «الآن».
ويعرفون الفرق ما بين الأمس والغد، إلّا أنّهم لا يميّزون ما بين الماضي والمستقبل. كما يتعرّفون على مفهمومَي «الصباح» و»المساء» من خلال ارتباطهما بـ«وقت النوم» و«وقت الإستيقاظ».
وفي عمر الـ5 أو الـ6 سنوات، يبدأ الطفل فهم «مرور الوقت» بشكل بسيط. كما يمكنه تسمية مدار الفصول بشكل صحيح. وعند نهاية السنة الخامسة وبدء السنة السادسة، يجب أن يكون الطفل قد تعلّم أيّام الأسبوع وبعض أشهر السنة.
أمّا بالنسبة لمبدأ الوقت، فالأمور تختلف في عمر الـ7 أو 8 سنوات، حيث يبدأ الطفل فهم أنّ الوقت مقسّم إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل وبالتالي يفهم أنّه غير قادر على الرجوع بـ»الزمن» ولا يمكنه تخطّيه.
وعندما يدرك الطفل هذين المبدأين، يكون قد استوعب مفهوم الوقت ويبدأ بتطبيقه على حياته ويصبح بمقدوره أن يتعلّم تحديد الوقت عبر ساعة اليد. كما يمكن للطفل أن يستعمل كلمات «غداً»، «بعد أسبوع»، «الشهر الفائت»… والروزنامة بشكل صحيح.
ما هو دور الأهل؟
إلى جانب الإهتمام بالطفل وتوفير الحاجيات الأساسية له من مأكل ومشرب وملبس والعاطفة والحنان والشعور بالإنتماء… يمكن للوادين أن يؤدّيا دوراً آخر تجاه طفلهما وهو التربية والتثقيف.
وهناك نشاطات عدة يمكن أن يقوم بها الأهل مع أطفالهم لكي يفهموا مبدأ الوقت واستعمال الكلمات البسيطة التي يمكن أن تدلّ على «تدرّج الوقت» مثلاً: «سنشاهد التلفاز ثم نذهب إلى الدكان لشراء الحاجيات» أو «بعد إحتفال رأس السنة، سنذهب عند جدتك لزيارتها».
كما يجب أن يكرّر الأهل الكلمات نفسها التي تدلّ على الزمن مثلاً: «في المساء، سأسرد لك قصة»، «بعد الظهر سنذهب إلى المكتبة العامة»، وهم لا شك يستعملون وقائع يومية لتعليم الطفل مبدأ الوقت، مثلاً: «عندما تبدأ الألعاب النارية، تكون بدأت السنة الجديدة».
كما يمكن أن يهدي الأب ولده ساعة يد لتساعده في معرفة الزمن بشكل عام: قبل الظهر، المساء، الصباح… وليس بشكل خاص قراءة الساعة في البداية الى أن يصل لقراءتها بشكل دقيق.
وهناك العديد من الألعاب التي يمكن أن تساهم في تعليم الطفل أيام الأسبوع وأشهر السنة، منها الروزنامة، واستعمالها أمام الطفل من خلال شطب التواريخ والأيام والأشهر… كما يمكن للأهل أن يبتكروا ألعاباً تساعد في فهم الوقت، منها رسم ساعة وكل رقم يعبّر عن نشاط يقوم به الطفل مثلاً:
– الساعة السادسة صباحاً: صورة فطور
– الساعة السابعة صباحاً: باص المدرسة
– الساعة الثامنة صباحاً: صورة صف وتلامذة…
كما يمكن أن تلصق الأم جدولاً فيه بعض الصور عن نشاطات الطفل وعلاقتها بالوقت: كصورة صف كرة سلّة يوم الثلثاء الساعة الثالثة بعد الظهر…
وطبعاً يجب إحترام ما يستوعبه الطفل من معلومات ويجب ذكر أنّ مفهوم الوقت يكتسبه الطفل تدريجاً وليس بطريقة سريعة، لذا، هذا الإستيعاب يتطلّب الكثير من التروّي والصبر.