كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
يبلغ عدد الولادات السورية في لبنان منذ بداية الأزمة السورية والنزوح إلى لبنان من عام 2011 لغاية الآن، والمُسجَّلة رسمياً لدى الدولة اللبنانية، نحو 100 ألف مولود، وفق معلومات خاصة بـ»الجمهورية». ماذا عن غير المُسجّلين، خصوصاً أنّ مفوضية اللاجئين سبق أن أعلنت أنّ 70 في المئة من الولادات بين 2011 و2014 غيرُ مُسجّلة؟ هل سيشهد لبنان أزمةً جديدة بعد سنوات، ويُواجه توطينَ عشرات آلاف مكتومي القيد أو دمجهم؟ وهل تنبّهت الدولة اللبنانية لهذه الكارثة؟ وكيف تتفاداها؟
كلّ شخص لا تُعرف جنسيّة والديه يُعتبر مكتومَ القيد. وإنَّ تواجد عشرات آلاف الأطفال مكتومي القيد (سوريون بلا جنسية) بعد 5 سنوات أو 10، سيؤدي إلى دمجهم في المجتمع اللبناني وسيفتح بابَ التوطين لدوافع ديموغرافية وسياسية، داخلية أو دولية.
مديرية الأحوال الشخصية تتنبّه للأزمة
من الأزمات التي سبّبها النزوح السوري إلى لبنان، كثافة الولادات السورية، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً منها غير مُسجَّل، وتتضارب الأرقام حول نسبتها الفعلية، فهل إنّ نسبة غير المُسجّلين تبلغ 15 في المئة أو 20 في المئة أو 40 في المئة أو 70 في المئة من نسبة الولادات؟
وكيف استَبَقَت الدولة اللبنانية الأزمة، وعملت على إغلاق باب آخر للتوطين؟
يُمكن لكلِّ أجنبيٍّ باستثناء الفلسطينيين، أن يُسجِّلَ زواجاً أو ولادةً أو وفاةً أو طلاقاً جرى في لبنان، في سجلات وقوعات الأجانب لدى مديرية الأحوال الشخصية، التي توثِّق وتُسجِّل الوثيقة وترسلها إلى وزارة الخارجية، التي ترسلها بدورها إلى سفارة بلاد أصحاب الوثيقة ليتمّ تصديقُها، ومن ثمّ إرسالها إلى بلد المعني.
قبل آب 2017، كان يتعذّر تسجيلُ زواج سوري وسورية وضعهما غير شرعي في لبنان، وعقدا قرانهما على الأراضي اللبنانية، قبل أن يقوما بتسوية وضعهما القانوني لدى الأمن العام والحصول على إقامة صالحة. كذلك، لم يكن مُمكناً تسجيل ولادة سوري، إلّا إذا كان وضع والده ووالدته شرعياً.
وبالتالي، لاحت حاجة مُلحّة لتعديل القوانين أو الإجراءات اللبنانية التي تُطاول النازحين، تفادياً لتراكم أعداد السوريين الموجودين في لبنان، من دون أوراق تُثبت أنهم سوريون. فقد دخل كثير من السوريين إلى لبنان بطريقة غير شرعية، أو فقدوا أوراقهم الثبوتية، وليس من السهل حصولهم على أوراق ثبوتية جديدة بسبب معارضة عدد كبير منهم للنظام السوري، وبالتالي تخوُّفهم من دخول السفارة السورية أو رفضهم الاعتراف بها، وفي ظلّ عدم توافر الكلفة اللازمة لتسوية أوضاعهم أو إعادة الاستحصال على أوراقهم الثبوتية، إضافةً إلى قلّة وعي النازحين لتداعيات عدم التسجيل.
هذا «الفراغ» القانوني الذي قد يؤدّي إلى كارثة، تنبَّهت له المديرية العامة للأحوال الشخصية. وبعد أقل من شهر على تسلُّمه مهامه، أصدر المدير العام للأحوال الشخصية العميد الياس الخوري، المذكرة رقم 43/2، تاريخ 12 – 9 – 2017، التي سمحت بالإكتفاء ببطاقة إقامة صالحة لأحد طرفي عقد الزواج فقط، لتسجيله. وكذلك، تقضي المذكرة بتسجيل الولادات الخاصة بالسوريين الجارية على الأراضي اللبنانية، حتى وإن لم تتوافر الإقامة أو قسيمة الدخول الصالحة، أو إن كان الوالد أو الوالدان يحملان شهادة تسجيل لاجئ صادرة عن الأمم المتحدة. وفي هاتين الحالين يُصار إلى إبلاغ المديرية العامة للأمن العام نسخة لأخذ العلم.
لكن، وفق القانون إن لم يُسجَّل المولود في لبنان قبل بلوغه العام، لا يُمكن للمديرية قيد ولادته، إن كان لبنانياً أو أجنبياً، بل يُبَتّ الأمر قضائياً، ويجب صدور حُكم لتسجيل الطفل، وذلك يتطلّب إجراءاتٍ ومعاملاتٍ عدة معقدة.
واستكمالاً لاهتمامها بهذه المسألة، استشارت مديرية الأحوال هيئة التشريع والاستشارات. وبناءً لهذه الاستشارة، إضافةً إلى كتاب من كلّ من وزير الدولة لشؤون النازحين، ووزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الداخلية والبلديات، أقرّ مجلس الوزراء في 8 شباط 2018 القرار 93، القاضي بتسجيل أيِّ مولود سوري وُلد في لبنان حتى وإن تخطّى عمره السنة، في دائرة وقوعات الأجانب ودوائر الأجانب في المحافظات اعتباراً من 1 – 1 – 2011، وإرسال لوائح بتلك الولادات إلى وزارة الخارجية والمغتربين، التي تقوم بتبليغها إلى الجهات السورية المختصة.
وعلى رغم أنّ العميد الخوري يوضح عبر «الجمهورية»، أنّ لـ«للقرار مفعولاً رجعيّاً ويشمل كل الولادات السورية في لبنان إلى حين انتهاء الأزمة السورية، وأنّ القانون يحفظ حقّ تسجيل المولودين، مهما بلغوا من العمر، طالما أنّ الأزمة في سوريا قائمة»، إلّا أنّ قرار مجلس الوزراء يثير الالتباس إذ إنه ينصّ على أنّ التسجيل يشمل ولادات السوريين وقيد باقي الوقوعات من 1 – 1 – 2011 ولغاية صدور القرار، أي في 8 – 2 – 2018.
مع الإشارة إلى أنّ آلية تسجيل المواليد السوريين وكيفية إبلاغ وزارة الخارجية وكلّ المراحل التي تمر بها (المعاملة أو ملف التسجيل) تمّ توضيحها بموجب قرار مجلس الوزراء.
المستندات اللازمة للتسجيل
ويُمكن للسوري تقديم طلب تسجيل طفله المولود في لبنان في دائرة وقوعات الأجانب ودوائر الأجانب في المحافظات، وعليه إبراز المستندات الآتية:
- بيان قيد سوري عائلي حديث ومُصدّق أصولاً أو دفتر عائلي سوري.
- شهادة ولادة صادرة عن المستشفى أو القابلة القانونية.
- وثيقة مُنظمة لدى مختار محل الولادة.
- طوابع تُلصق على الوثيقة بقيمة 5 آلاف ليرة لبنانية.
- طابع ألف ليرة لبنانية على كلّ مستند.
- في حال وجود إقامة صالحة لا مانع من ضمّ صورة إلى الملف.
130 ألف ولادة موثقة
من جهتها، تعمل وزارة الدولة لشؤون النازحين، على رغم قلّة أعضاء فريقها، وفق إمكانياتها وصلاحياتها على حثّ النازحين لتسجيل ولاداتهم،. وتوضح الوزارة لـ»الجمهورية»، أنّ ولادات السوريين المُسجّلة لدى مفوضية اللاجئين، قبل صدور هذا القرار، أي بين 2011 و2017، بلغت 130 ألف ولادة وذلك استناداً إلى أرقام وزارة الصحة، عن الذين وُلدوا في مستشفيات أو لدى قابلات قانونيّات، فيما أنّ هناك ولاداتٍ أخرى غير معروفة أو موثقة إذ إنّ السوريين قد يولدون في خيمهم أو لدى أقارب.
وتشير إلى أن 50 ألفاً من الـ130 ألف مولود لم يُسجَّلوا كولادات في سجلّ قيد الأجانب في مديرية الأحوال، وبعد قرار مجلس الوزراء، سُجل منذ أيار الفائت إلى أواخر الصيف نحو 3 آلاف من الـ50 ألفاً.
السفارة السورية تُسهِّل التسجيل أو تعرقله؟
تُجري السفارة السورية في لبنان بين 800 و1500 معاملة رسمية لمواطنيها يومياً، من بينها تسجيل الولادات. ويُمكن للسوري حين ينهي مرحلة تسجيل مولوده لدى الدولة اللبنانية، أن يتابع هو إفرادياً مرحلة التسجيل في سفارة بلاده.
ولا تختلف المعاملات والإجراءات، بين سوريٍّ وآخر، إن كان عاملاً أو نازحاً أو سائحاً. ويتطلب تسجيل الولادات وثائق عدة، منها أن يقوم مقدِّم استمارة شهادة الولادة بإملاء بيان ولادة ويقوم بتوقيعه بالإضافة إلى توقيع الشاهدين والقنصل.
فماذا لو لم تعترف سوريا لاحقاً بوثائق الولادات التي ترسلها وزارة الخارجية اللبنانية إليها، واحتجّت أنّ المعني لم يحضر شخصياً لملأ بيان الولادة وتوقيعه؟
كذلك، تسجَّل واقعة الولادة مجاناً لدى البعثة خلال شهرين من تاريخ حدوث الواقعة وتُستوفى غرامة مقدارها 50 دولاراً أميركيّاً أو ما يعادلها بعد مضي هذه الفترة وقبل مرور سنة على تاريخ الواقعة وتصبح الغرامة 100 دولار أميركي أو ما يعادلها إذا تجاوزت المهلة سنة كاملة. ويرى البعض، أنّ هذه «المئة دولار» قد تُشكّل إضافةً إلى تكلفة الحصول على الأوراق الثبوتية أو بطاقة عائلة، عائقاً أمام النازح الذي بالكاد تتوافر له لقمة العيش.
أزمة «مكتومي القيد» في واشنطن
إلى واشنطن، حمل النائب نعمة افرام، هذه القضية، الشهر الفائت، حيث تحدّث في مؤتمر «الدفاع عن المسيحيين في الشرق الأوسط»، عن «أفق كارثة أخرى تلوح، وتتمثل في ولادة حوالى 60 ألف طفل سوري سنوياً في لبنان، وهو عدد يفوق عدد المواليد اللبنانيين خلال السنوات الست الأخيرة. بمعنى آخر، قد نتوقع ولادة أكثر من 300 ألف طفل في لبنان، معظمهم من دون أوراق ثبوتية سورية، وبالطبع من دون جنسية لبنانية. وقد تشكل هذه النقطة الأزمة الإقليمية المقبلة في الشرق الأوسط بوجود الملايين من السكان من دون أوراق في دولة اللامكان».
الأرقام التي أوردها افرام تستند إلى إحصائيات، أجرتها مؤسسات غير حكومية لبنانية وأجنبية، يعتبر أنها الأكثر دقة إذ إنّ كثيراً من النازحين السوريين غير مسجّلين، لذلك لا معلومات رسمية عن ولاداتهم. ويعلن عبر «الجمهورية»، أنّ «الإحصاءات تشير إلى أنّ 40 في المئة من السوريين الموجودين في لبنان غير مُسجّلين».
وعن تخوّفه من أزمة «مكتومي القيد» على رغم قرار مجلس الوزراء، يبدي افرام قلقه من آلية التسجيل ومن مرحلة تسجيل الولادات في السفارة السورية.
ويعتبر، أنه «يجب أن تكون هناك اتفاقية أو آلية محدّدة وواضحة، قد تُجرى على سبيل المثال بين السفارة السورية والمديرية العامة للأمن العام، الجهاز الذي يتولّى التنسيق مع الجهات السورية في عودة النازحين، تقضي بأن تُسجَّل تلقائياً لدى السفارة السورية كلّ الولادات المُسجلة أو الموثقة لدى الأمن العام».
ويكشف، أنه تناول هذه الأزمة، خلال اجتماعاته مع معنيين ومسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض.
بعد تأكيد وزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر لوفد لبناني ضمّ نواباً ورئيس «المؤسسة اللبنانية للانتشار» وأعضاءَها، في تشرين الثاني الماضي، أن «ليست لدينا اشارة ايجابية من واشنطن وصولاً الى أيّ دولة اخرى في العالم حيال عودة النازحين السوريين الى بلادهم قبل التوصل الى الحل السياسي الانتقالي»، يقول افرام، الرئيس السابق للمؤسسة، إنه لم يلمس أنّ هناك هدفاً لدى المسؤولين الأميركيين بإبقاء النازحين السوريين في لبنان، ولكنه لمس أنّ اهتمامهم لا يوازي اهتمام لبنان، إذ إنّ «اللي بياكل العصي غير اللي بِعِدّا».
ويُبدي افرام تخوّفه من أن يبني السوريون حياتهم ومستقبلهم في لبنان ما يؤدي إلى عدم عودتهم، إذ إنّ مَن يسكن في بلد غير بلده لـ10 سنوات أو 15 سنة لا يغادره بسهولة أو لا يعود إلى بلده.
لا شك أنّ قرار مجلس الوزراء رقم 93، تاريخ 8 – 2 – 2018، أزال العراقيل من أمام تسجيل المولودين السوريين في لبنان وحصولهم على جنسيتهم كي لا يُعتبروا مكتومي القيد وتتعذّر عودتُهم إلى بلدهم. لكن ماذا عمّن لن يُسجِّل أولاده قبل انتهاء الأزمة؟ ماذا عمّن لا يرغب في تسجيلهم ويُفضِّل أن لا يعرفوا سوريا وأن يبقوا في لبنان؟ ماذا إن لم تعترف سوريا بجميع المولودين في لبنان؟ ماذا عمّن قد يستفيد من توطين جزء منهم؟ صحيح أنّ هناك قوانين لبنانية ودولية تُعالج هكذا حالات، ولكن حين تتدخل يد السياسة، خصوصاً بضغط دولي، تعلو إرادتها فوق كلّ الدساتير والقوانين.
وعلى رغم «فزلكات» مسؤولين لبنانيين حالت دون تعامل لبنان مع النزوح مثل الأردن، ما على لبنان إلّا أن يحميَ كيانه، بما تيسّر من مواقف وقرارات وقوانين.