على وقع نحيب الشقيقتين القاصرتين، ابنتا المغدور عماد حسن الذي قضى في «جريمة عربصاليم» قبل نحو عام في شباط الماضي، رفع رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي طارق البيطار في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس الخميس، جلسة محاكمة ستة موقوفين في الجريمة التي يُلاحق فيها أيضاً بالصورة الغيابية المتهم محمد حسن فواز الذي أطلق عليه لقب «الأمير» على مجموعة تضم إلى المتهمين عدداً آخر انضووا تحت ما سمي بـ«حزب الامير» الأمر الذي نفاه الموقوفون الستة في الجريمة.
استدعاء الشقيقتين للاستماع إلى إفادتيهما في الجريمة، سلّط الضوء على الشرخ الحاصل في عائلة المغدور، فإلى جانب دموع الشقيقتين ونحيبهما أثناء الإدلاء بشهادتيهما في جلسة سرية، واللتين أفادتا بأن والدهما كان قد طلّق والدتهما وهو «عنيف» وكان يضربهما، برز نفور بين العائلة الواحدة داخل قاعة محكمة الجنايات في بيروت، حيث جلست الشقيقتان إلى جانب جهة الدفاع عن المتهمين في جريمة قتل والدهما، فيما اتخذ أقرباء المغدور وبينهم شقيقه، المكان المقابل من دون أن يحصل اي تواصل بينهم، ليبدي أحد أشقاء المغدور خلال استجواب أحد المتهمين، امتعاضه من أقوال الأخير، محدثاً جلبة داخل القاعة، وعندما استوضحه القاضي البيطار أجاب شقيق المغدور: «ما عاش قادر إتحمل».
وما لم يقوَ على حمله شقيق المغدور، لم ينسحب على الطفلتين اللتين كاد الصقيع داخل قاعة المحكمة أن يمزق أحشاءهما، بعد انتظار دام لأكثر من ست ساعات قبل أن يحين وقت سماع إفادتيهما، قرابة السابعة مساء، هما أمضتا الوقت تحدقان في سقف القاعة الممزق، والقضبان الحديدية التي تتدلى منه والتي تكاد أن تسقط.
لا يأبى رئيس «الجنايات» ولا مستشارتاه القاضيتان فاطمة ماجد وميراي ملاك، للظروف المناخية التي كانت تنعكس في داخل القاعة صقيعاً أثناء الجلسة، فهو صبّ اهتمامه على الانتهاء من استجواب المتهمين الستة ليتسنى في تلك الجلسة الاستماع إلى إفادتي الفتاتين، حرصاً منه على عدم تكرار دعوتهما في الجلسة المقبلة، وبالتالي «تعطيل مدرستهما»، واستطاع أن يصل بـ«الجلسة المسائية» إلى «بر الأمان»، قبل أن يرفعها إلى الخامس من آذار المقبل للاستماع إلى عدد من الشهود، بعدما أنهى استجواب المتهمين بحضور وكيلهما المحامي يوسف لحود، فيما مثّل جهة الادعاء المحامي شوقي شريم.
في تلك الجلسة، كان تركيز على مدى العلاقة التي كانت تربط المتهم الفار محمد فواز بالمغدور خصوصاً، وبين الأخير وباقي المتهمين، الذي وصف أحدهم «الشيخ» فواز بأنه «قدوته»، وكذلك مدى استفحال الخلافات المادية من خلال العلاقة التجارية التي كانت تجمع المغدور بفواز المذكور، قبل أن يقع «الطلاق» بين الرجلين نتيجة اعتبار المغدور أنه «خُدع» بعد اقتناعه سابقاً أن الشيخ الإيراني أحمد النجفي يتواصل مع الإمام المهدي، وحملّ المسؤولية في ذلك للمتهم الفار فواز، وفق ما أفاد به الموقوف مازن عمار الذي اعترف في جلسة سابقة إطلاقه النار على المغدور ما أدى إلى مقتله.
وباستجواب شقيق فواز الموقوف طه فواز، أفاد أن علاقته بشقيقه الموجود حالياً في جنيف «كتير منيحة»، إنما لم يكن يخبره بشيء لأن عمله في أفريقيا حيث يدرّس مادة الاتصالات في جامعات عدة هناك، إنما أثناء مجيئه إلى لبنان مرة أو مرتين على الأكثر في السنة، لم يكن شقيقه محمد يذكر له أي تفاصيل، إنما علم أن خلافاً مادياً كان بين شقيقه والمغدور حول مبانٍ وعقارات وقد حُلّ حبياً. وبسؤاله أفاد بأنه لم يكن مقتنعاً بقدرة النجفي على التواصل مع الإمام المهدي «وأخي لم يحدثني عن ذلك إنما على ما أعتقد كان مقتنعاً بالموضوع». وأوضح المتهم أنه رأى المغدور في إحدى زياراته للشيخ النجفي في إيران يسلمه ظرفاً بداخله مبلغ مالي، وكان يعلم أن شقيقه الفار قدّم المال أيضاً للنجفي، إنما لم يسبق أن حدّثه عن الأمر. أما تلك الأموال فكانت تأتي من مجالس العزاء التي يقيمها شقيقه ومن بيت الزوار وتبرعات كانت تذهب إلى النجفي.
وأشار المتهم إلى أنه في الفترة الأخيرة كان قد شعر بفتور بين شقيقه والنجفي، وهذا ما لمسه من خلال مكوثه وباقي المتهمين في بيت الزوار في إيران حيث كانت المعاملة سيئة، وكذلك طبيعة الطعام الذي قدّم لهم، موضحا ان شقيقه محمد اختلف مع النجفي قبل ان يقع الخلاف مع المغدور، مؤكدا بان الخلاف لم يكن سببه النجفي ولم يأخذ طابع الحدّية والتهديد «لأن أخي شخص مسالم ولا يخالف القانون».
ومن جواب المتهم انطلق رئيس المحكمة من سؤاله للمتهم: «لماذا إذاً لا يسلم نفسه؟»، فقال المتهم طه: «لا استطيع أن أجيب عنه، لا أعرف، ولم أسأله». ويؤكد المتهم أن شقيقه لم يطلب منه مطلقاً العمل على التخلص من المغدور، وهو اتصل به عبر خدمة «الفايبر» قبل الحادثة بيوم وسأله عما يطلبه من جنيف ليحضره له قبل عودته إلى لبنان.
أما عن سبب الاجتماع الذي عُقد في استراحة المتهم عمار قبل يوم من الحادثة، أفاد طه أنه قصد الاستراحة مع ابنه لاستلام جهاز لابتوب من المتهم مهدي المقدم قبل سفره إلى أفريقيا، وهناك التقى أيضاً بمازن عمار والمتهم بلال فقيه الذي كان عابساً عندما عرض عليه إفادة تظهر أن المغدور وضع إشارة على عقاره.
وبعدما أفاد أنه علم بالحادثة عبر مواقع إخبارية قبل أن يتصل به المتهم علي زين العابدين ويقول له «مازن عامل مصيبي كبيرة»، سئل عما ذكره سابقاً بأنه «فرحنا» بعدما علمنا بالحادثة ليأتي جواب المتهم ملتبساً قبل أن يوضح قائلاً إن خبراً ورد عن مقتل تاجر مخدرات على يد القوى الأمنية الذي تزامن مع خبر مقتل عماد فاعتقد حينها المتهم أن المغدور كان هو التاجر، ولم يكن يعلم بذلك رغم معرفته به قبل عشر سنوات، فـ«إرتحت لكون مازن لا علاقة له». والآن – سأله رئيس المحكمة – فأجاب: «أنا زعلان، ومن المستحيل أن أشمت بوفاته».
وتحدث المتهم عن لقاء جمعه بالمتهمين علي زين العابدين ومهدي المقدم في منزله بعد الحادثة و«كنا متوترين»، أما لماذا أطلق مازن النار على عماد؟ فقال: «لا أعرف، شيء مؤسف أن يصل الأمر إلى القتل».
وفي رده على أسئلة جهة الادعاء أفاد المتهم طه أن الإشارة التي اطلعه عليها بلال تعود لمنزل إيراني ولا تقع على حسينية وهو منزل بداخله ناطور وغير منجز، وقال إن شقيقه محمد فواز قام بترجمة كتاب للشيخ النجفي عام 2002 كما فعل آخرون، نافياً أن يكون شقيقه يستحصل على أموال من المغدور «إنما كانا يتشاركان»، موضحاً أن شقيقه ميسور الحال والبناء والمحال التي قام شقيقه بتشييدها «هي من مالنا وكلفتنا 75 ألف دولار». وقال المتهم رداً على سؤال للمحامي لحود، إن اللقاء في استراحة مازن لم يتطرق إلى أي نقاش ديني.
واستجوبت المحكمة المتهم علي المقدم الذي أفاد بأنه يعتبر محمد فواز بمثابة أب له «ولم أرَ إنساناً صالحاً مثله». وقال عن المغدور إنه «طيب»، وإن الخلاف بين الرجلين كان على عقارات «وشي بيتعلق بإيراني إنما لا أعرف تفاصيله». وقال إن المغدور كان يردد دائماً أنه سيسترجع أمواله من الايراني، وبعد وقوع الخلاف بين الأخير وفواز لم يعد علي يراه. وحول اللقاء في الاستراحة قال علي إن أحداً لم يذكر المغدور بالسوء وجرى الحديث عن إشارة وضعها على منزل بلال، و«لم أصدق أن مازن قتله»، وقد «أصبت بالصدمة والتوتر عندما علمت بالحادثة»، وأضاف أنه قصد منزل طه بعد الحادثة بسبب توتره «واستغرب ما قيل اننا كنا مسرورين».
وفي رده على أسئلة الادعاء لفت علي أن إفادته أمام قاضي التحقيق تداخلت مع بعضها، وأن القاضي قال له إنهم «حزب الأمير» إنما نفى ذلك وكان المتهم يقصد بالمجموعة رفاقاً وأصدقاء. وردّ سبب التناقض في تلك الإفادة إلى اعتبار أنه كان مضطرباً حينها وأن حجز المغدور على العقار لا يضرّه أساساً ولا يعنيه هذا الأمر، وما ذكره سابقاً بأن المغدور كان يقدم هبات للمجموعة وقد استرد أمواله وحجز على العقار، ما تسبب لهم بالضرر، إنما كان يقصد أن ثمة خلافات مادية كانت قائمة وجرت مصالحة. وأكد المتهم انه بعد اتصال «المعلومات» به توجه إلى محله حيث ألقي القبض عليه، وعن سبب ذهابه إلى منزل طه مع باقي المتهمين إثر الجريمة؟ أفاد بأنهم كانوا في موضع اتهام سيقت بحقهم من قبل أهل القرية وكان عماد قد أطلقها فخاف من ردات الفعل.
وباستجواب المتهم مهدي المقدم قال: «الشيخ محمد هو قدوة لي وأنا أثق به وصاحب أخلاق وأنا أجزم أنه لا يمكن أن يقتل». أما عن الشيخ النجفي فقال: «لا يعني لي إنما كنا نتحدث عنه مع الشيخ ولم ألتقِ به إلا نادراً». وأفاد بأنه لا يعلم ما إذا كان المغدور قدّم أموالاً للنجفي أو لبناء حسينية، وكان يسمع عن خلاف وقع بينه وبين الشيخ محمد بعد أن اختلف الأخير مع الشيخ النجفي، ثم تبين له أن الخلاف كان على أراضٍ. وأوضح أن الاجتماع قبل الجريمة في استراحة مازن كان صدفة «ونحن لسنا جماعة إنما أصحاب».
ثم أعلن رئيس المحكمة تحويل الجلسة إلى سرية لسماع القاصرتين ابنتا المغدور.