كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تَمْضي بيروت في حالٍ مفْرِطة من «انعدام الجاذبية» بسبب المأزق السياسي – الدستوري الناجم عن احتجازِ عملية تشكيل الحكومة الجديدة منذ نحو 8 أشهر وتَعاظُم التحديات المالية نتيجة الانكماش الاقتصادي والمجازفة في التفريط بالدعم الدولي المرصود للبنان من مؤتمر «سيدر 1» والانكشاف على العالم العربي بمشهدٍ داخلي هشٍّ مع استضافة القمة التنموية – الاقتصادية في الـ 20 من الجاري.
فالمعركةُ «المُقَنَّعَة» على رئاسة الجمهورية والتي اندلعتْ باكراً، تَشُلُّ القدرةَ على تشكيل الحكومة «المُحْتَجَزَة» بفعل الصراع الذي أَخْرَجَ الجمرَ من تحت الرماد بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل و«عِراكهما» بالثلث المعطّل في التشكيلة الحكومية الموعودة، بوصْفه «الورقة الثمينة» في أروقة الاستحقاق الرئاسي و«مفاتيحه».
ولم يعد خافياً أن «الاسم الحرَكي» للثلث المعطّل هو المقعد الذي «حَجَزَه» «حزب الله» عنوةً لممثّل النواب السنّة الستة الموالين له في الحكومة و«الهنْدسات» لتموْضعه، بحيث يريده الحزب «من كيس» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقراره بيد الحزب بما يعطّل عملياً حصول فريق عون منفرداً على الـ 11 وزيراً (من أصل 30)، في مقابل رفْض باسيل رفْع «الراية البيضاء» عبر إصراره على أن يكون هذا الوزير من حصة رئيس الجمهورية و«تحت سلطة قراره» بما يضمن تالياً إمساكه بالثلث زائد واحد الذي يتيح التحكّم بمصير الحكومة برمّتها، سواء لجهة إمكان إسقاطها باستقالة هذا «البلوك» أو الإطاحة بقراراتٍ تحتاج الى غالبية الثلثين، والأهمّ القبض على نصاب انعقادها، بما يمنح باسيل «أفضلية استراتيجية» في تحديد اتجاهات المعركة الرئاسية.
ويشي الدوران حول هذه العقدة و«الكرّ والفرّ» بالأفكار التي تتهاوى الواحدة تلو الأخرى أن طرفيْ هذا الصراع ما زالا يمتْرسان كلٌّ خلف «هدفه»، رغم ملامح «مناورات كلامية» و«بالونات اختبار» بصيغ قديمة – جديدة ترمي إلى التعمية عن حجم الخلاف بين شريكيْ تفاهم «مار مخايل» أي «حزب الله» والتيار الحر بشخص باسيل وخصوصاً في ضوء أزمة الثقة التي تعتمل بينهما منذ فترة والتي تجعل الحزب غير مستعدّ لتقديم أي «وعود مبكرة» حيال الاستحقاق الرئاسي، في مقابل اعتبار أوساط متابعة أن رئيس «التيار الحر» يحاول اقتناص «الفرصة الذهبية» لانتزاع إقرارٍ بتقدُّمه على المرشّحين الآخرين في السباق الى القصر متى دقّت ساعته.
وفيما كان لافتاً «حديث العواصف» بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وباسيل الذي استقبله رأس الكنيسة قائلاً قال «إنت بتحب تمشي بقلب العاصفة» ليردّ باسيل «مشكلتك يا سيدنا إننا ببلد عايش دايماً بالعاصفة»، لم يكن عابراً كلام الرئيس عون غير المسبوق عن «أن خلافات في الخيارات السياسية لا تزال تعرقل تشكيل الحكومة الجديدة»، داعياً جميع الاطراف المعنيين الى تحمل مسؤولياتهم الوطنية وتسهيل عملية التشكيل، مضيفاً «لقد حافظنا على الأمان والاستقرار في لبنان في زمن الحروب الحارة، فمن غير الجائز إضاعة ما تحقق من خلال الحروب الداخلية الباردة».
وتساءلت أوساط سياسية إذا كان موقف عون وتحديداً في الشق المتعلق بالخلاف حول «الخيارات السياسية» ينطوي على رسالة برسْم «حزب الله» تؤشر إلى حجم التباين بين الطرفين وإمكان تَمدُّده الى مستويات أكثر تقدماً، كما الى ان رئيس الجمهورية ليس في وارد السماح بليّ ذراعه في ما خص عقدة تمثيل السنّة الموالين لـ «حزب الله» والتي تحول دون الإفراج عن حكومةٍ يريدها عون منصّة للانطلاقة الفعلية لعهده.
ولم يتأخّر باسيل في إضفاء المزيد من الضبابية مع «الرسائل» التي وجّهها بعد زيارته الراعي وخصوصاً كلامه عن ان تشكيل الحكومة لا يفترض ان يكون مناسبة «لتحقيق مكتسبات سياسية أو تغيير في النظام»، وهي الإشارة التي اعتبرتْها الأوساط السياسية غمزاً ضمنياً من قناة «حزب الله» ربطاً بما آل اليه مسار التأليف بعد رمي عقدة توزير «مجموعة الستة» في طريق عملية التشكيل بوصفها «القفل والمفتاح» من خلف ظهر الصلاحيات الدستورية لكل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
وفيما كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يربط عقب لقائه البطريرك الماروني استمرار التعثّر الحكومي بـ «وجود صراعٍ خفي ولكن جدي جداً وعميق حول المسألة الرئاسية، وهذا ما أخْرج العفاريت السياسية دفعة واحدة، وأعتقد ان فتح الملف الرئاسي هو الذي يعطّل بشكل أو بآخر ومن أكثر من طرف»، رفض باسيل هذا الربط معتبراً «ان تشكيل الحكومة غير مرتبط بأي استحقاق آخر ولا أحد يعرْقل نفسه، وهناك أفكار قدّمْتُها وننتظر الأجوبة عليها».
ولم يتوانَ رئيس «التيار الحر» (وزير الخارجية) عن الحض على تأليف الحكومة قبل موعد القمة التنموية في بيروت «اذ لدينا أفكار حول الوضع العربي وسورية وإعادة الإعمار فيها، وفي رأينا انه كما كان لبنان شريكاً في الانتصار على الإرهاب يجب ان يكون شريكاً في النهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار بسورية»، قبل ان يجيب رداً على سؤال حول إمكان دعوة سورية الى القمة «نحن نعمل ما يلزم ومنذ فترة لتكون سورية في قلب الجامعة العربية، ولبنان ليس هو الذي يدعو بل يتقيّد بالجامعة العربية وليس صاحب قرار ولكن بإمكانه ان يبادر ويعمل لتكون سورية في الجامعة، ونحن مبادِرون ورأينا معروف».
وجاء موقف وزير الخارجية في غمرة تصاعُد المطالبات داخلياً بدعوة سورية الى القمة التنموية وآخِرها من «حزب الله»، وسط خشية متزايدة من ان يؤدي عدم تأليف الحكومة قبل موعد هذه التظاهرة العربية الى خفْض مستوى المشاركة فيها، علماً ان تقارير بدأت تروّج لاحتمالات تأجيل هذه القمة.
إلا أنّ الناطق باسم القمة المستشار الإعلامي لرئاسة الجمهورية رفيق شلالا أكد أن كل الترتيبات والإجراءات المتعلقة بالقمة التي سيستضيفها لبنان أُنجزت وجدول أعمالها جاهز، مشددا على ان لبنان لم يتلق حتى الساعة أي طلب من أي جهة معنية بالقمة لتأجيلها.
وفي موازاة ذلك، وبينما كان زعيم «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط يعبّر عن تشاؤمه حيال أفق مسار التأليف اذ غرّد «يبدو أن أبواب تشكيل الوزارة مقفلة او أن الضوء الأخضر لم يأت بعد. أنه مجرّد تحليل ولا أملك معلومات»، كسَرَ الإضراب الصامت الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام وحزب «سبعة» (المجتمع المدني) وشاركت فيه إدارات ومؤسسات عامة وخاصة، المرواحة في المشهد الحكومي ولا سيما ان هذا «التحذير الأولي» حَمَلَ عنوان الضغط لتشكيل الحكومة والدعوة لوقف شلل المؤسسات وتدهور الاقتصاد تمهيداً للتصدي لرزمة مطالب عمالية بينها «وضع خطة لاقتصاد وطني وتصحيح الأجور وحماية النقد الوطني وتعديل السياسات الضريبية ووضع حد للبطالة ومزاحمة اليد العاملة الأجنبية (…)».
ورغم ان الإضراب نُفذ تحت شعار «خلّيك بالبيت» ولم يشهد أي تحركات في الشارع، فإن مجرّد إطلاق مساره (وبمعزل عن الاستجابة غير الكبيرة له) مربوطاً برزمة مواعيد لتظاهرات متدرّجة لمجوعاتٍ حِراك يسارية ومن المجتمع المدني ابتداءً من الأسبوع المقبل وصولاً الى أيام انعقاد القمة التنموية، ترك علامات استفهام حول خلفيات زجّ الشارع والعنصر النقابي في آليات الضغط بالملف الحكومي، وسط خشية من توظيف هذا المعطى «المتفلّت» في سياق عملية «عض الأصابع» التي تبدو مفتوحة على جولات جديدة.