Site icon IMLebanon

فوسفات سوريا لروسيا والنفط لأميركا والزيتون لتركيا

كتبت صحيفة ” الشرق الأوسط”: أدى طول أمد الحرب في سوريا إلى تشظي اقتصاد البلاد، خصوصاً منه الثروات الباطنية والزراعية، بسبب سيطرة كل طرف من أطراف النزاع المحلية والدولية على المصادر المتوفرة في منطقة نفوذه.

ومنذ السنة الأولى للحرب، ونظراً لما تشكِّله من مصدر تمويل وضغط على النظام، كانت آبار النفط والغاز الواقعة في معظمها بالمناطق الشمالية الشرقية والشرقية والوسطى من البلاد، هدفاً مباشراً لفصائل المعارضة، ومن ثم لتنظيمي «داعش» و«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، والقوات الكردية.

وبعدما كان النظام المسيطر والمتحكم الوحيد بالثروات الباطنية والزراعية، تظهر الخريطة الاقتصادية للبلاد، مع دخول الحرب عامها الثامن، فقدانه السيطرة على الغالبية العظمى من آبار النفط والغاز ومناجم الفوسفات، وكذلك الثروات الزراعية من قمح وقطن وزيتون وغيرها لصالح فصائل مسلحة معارضة والأطراف الدولية الداعمة لها.

في ظل هذه الحال والعقوبات الاقتصادية العربية والغربية التي فرضت على سوريا، اضطر النظام إلى استيراد احتياجاته من النفط والغاز والكثير من المواد الغذائية عبر خطوط ائتمانية منحته إياها إيران.

النفط

يُقدِّر تقرير للطاقة العالمية احتياطات سوريا من النفط بمليارين ونصف المليار برميل، بينما تؤكد تقارير صحافية توقّف إنتاج النظام من النفط الخفيف منذ النصف الثاني لعام 2012، فيما توقّف إنتاج النفط الثقيل اعتباراً من الشهر الثالث من عام 2013.

وفي حين كان إنتاج النظام من النفط في فترة ما قبل الحرب نحو 385 ألف برميل يومياً، ذكر وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم في حكومة النظام أخيراً، أن إنتاج النفط بلغ 20 ألف برميل يومياً، علماً بأن تقرير الطاقة العالمية، ذكر أن استهلاك سوريا من النفط قبل الحرب كان بين 240 و250 ألف برميل يومياً.

ومع التطورات الميدانية المتسارعة، استعاد النظام السيطرة على حقول نفط وغاز صغيرة في المنطقة الوسطى، وأبرزها «شاعر» و«الهيل» و«آراك» و«حيان» و«جحار» و«المهر» و«أبو رباح» في منطقة تدمر، بينما واصلت «قوات سوريا الديمقراطية» وهي عبارة عن تحالف كردي – عربي مدعوم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، السيطرة على حقول النفط والغاز في المنطقتين الشرقية والشمالية الشرقية، ومن أبرزها «الرميلان» و«الجبيسة» في الحسكة، و«العمر» و«التنك» و«كونيكو» شرق محافظة دير الزور.

ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، مصدر قيادي في «قوات سوريا الديمقراطية» التي تسيطر على مناطق في شمال وشمال شرقي البلاد تُقدّر مساحتها بنحو 30 في المائة من مساحة سوريا الإجمالية، أن القوات تسيطر على نحو 1000 بئر، منها ما بحالة جيدة وتجري بسهولة عملية الإنتاج منها، ومنها ما هو متوقف، وأخرى يصعب الإنتاج منها بسبب عدم توفر آليات متطورة.

ويوضح المصدر أن عملية الإنتاج تشرف عليها الإدارة الذاتية الكردية التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» ذراعها العسكرية، حيث تشكل الأخيرة المكون الأبرز في «قوات سوريا الديمقراطية»، إضافة إلى مشاركة القطاع الخاص بعملية الإنتاج، بناء على رخصة رسمية من «الإدارة الذاتية».

ويُذكر أن عملية تكرير النفط تمت في البداية عبر مصافٍ محلية تمت صناعتها من «حراقات بدائية»، لكن «اليوم بدأت تظهر في (الرميلان) و(الجبيسة) حراقات كهربائية متطورة».

وبينما لم يفصح المصدر عن كميات الإنتاج، يلفت إلى أن عمليات التكرير تهدف إلى «توفير احتياجات السوق المحلية والمناطق المجاورة في سوريا»، من دون أن يذكر إن كان من بين المناطق المجاورة، مناطق سيطرة النظام.

وسبق لمندوب «الشرق الأوسط»، أن شاهد عند مفرق بلدة أثريا المؤدي إلى بلدة خناصر على الطريق البرية البديلة التي افتتحها النظام في عام 2014 إلى مدينة حلب بعد قطع فصائل المعارضة في 2012 طريق حلب – دمشق الدولية، وجودَ مئات الصهاريج الناقلة للنفط مركونة في المنطقة والمقبلة من مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، الأمر الذي فسره اقتصاديون، بأن النظام يشتري النفط من الأكراد كون سعره أقل بكثير مما هو عليه في السوق العالمية.

ويؤكد المصدر أنه تم تأمين مستلزمات السوق المحلية من مادة «المازوت»، بأسعار تدرجت من 35 ليرة إلى 50 ليرة وصولاً إلى 60 ليرة للتر الواحد، على حين يبلغ سعره في مناطق سيطرة النظام 180 ليرة بعد أن كان قبل الحرب بنحو 7 ليرات.

الغاز

ورغم إعلان النظام استعادة السيطرة على كثير من حقول الغاز في المنطقة الوسطى، بعد طرد تنظيم «داعش» من المنطقة، فإن أكبر الحقول هو حقل «كونوكو» في ريف دير الزور الشرقي، ويقع ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، ويقدر إنتاجه بنحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً.

وبينما تشير بيانات لـ«وزارة النفط والثروة المعدنية» التابعة للنظام، نشرت منتصف 2017 إلى أن «إنتاج سوريا من الغاز الطبيعي قبل الحرب كان نحو 21 مليون متر مكعب يومياً، وأصبح حاليا (2017) غير قادر سوى على إنتاج 8.7 مليون متر مكعب»، زعم غانم أخيراً، أن «الإنتاج اليوم ارتفع إلى 16.5 مليون متر مكعب من الغاز يومياً».

ويدحض مزاعم غائم، تكرار أزمات الغاز المنزلي الخانقة التي تحصل في معظم مناطق سيطرته على فترات متقاربة، حيث يشاهد حالياً في شوارع العاصمة طوابير طويلة من المواطنين ينتظرون لساعات للحصول على أسطوانة غاز منزلي، وكذلك في محافظات الساحل الغربية وحلب في شمال البلاد.

وأخيراً ذكر رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي في صفحته على «فيسبوك»، أن «سوريا لديها احتياطي من الغاز يقدر بأكثر من 240 مليار متر مكعب».

وبحسب تقارير صحافية محلية، بلغ استهلاك سوريا اليومي من الغاز المنزلي قبل الحرب ما بين 3 آلاف و3500 طن، على حين وصل إجمالي الاستهلاك السنوي إلى 900 ألف طن استوردت سوريا منها 500 ألف طن، بعد توفير 400 ألف طن من المصادر المحلية.

وعلى حين كان سعر أسطوانة الغاز المنزلي سعة 9 كلغ قبل الحرب 250 ليرة، يبلغ اليوم 2700 ليرة ويصل خلال الأزمات إلى أكثر من 7500 ليرة.

الفوسفات

يُعتبر الفوسفات ثروة مهمة في سوريا التي تحتل المرتبة الخامسة عالمياً على قائمة الدول المصدِّرة له حتى عام 2011، ويقدر الاحتياطي الموثوق به بملياري طن، إلا أن كميات الإنتاج حتى سنوات ما قبل الحرب لم تتجاوز 3.5 مليون طن سنوياً، ويتوزع في السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، ومنطقة الحماد (الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري)، والمنطقة الساحلية (عين ليلون وعين التينة وقلعة المهالبة وحمام القراحلة).

وتصدر الفوسفات قائمة الموارد التي يُمكن أن تشكِّل تعويضاً لحليفي النظام (روسيا وإيران) عن تكاليف دعمهما له، وعزز التنافس بينهما للاستحواذ على احتياطياته، بحسب دراسة صدرت أخيراً.

وبعد تناوب تنظيم «داعش» من جهة، والنظام وحلفائه من ميليشيات أجنبية لبنانية وعراقية يُشرف عليها ضباط في «الحرس الثوري» الإيراني، منذ مايو (أيار) 2015، على السيطرة على مدينة تدمر ومناجم الفوسفات في خنيفيس والشرقية، انتهى الأمر بسيطرة النظام وحلفائه بعد التدخل الروسي في (مايو) 2017، على المدينة ومناجم الفوسفات التي حولها.

وشكلت تلك السيطرة مقدمة لتسليم إيران تلك المناجم تبعاً للاتفاق الذي عقده رئيس الحكومة عماد خميس، خلال زيارته طهران في مطلع عام 2017، القاضي بتسديد الديون الإيرانية الناجمة عن خطوط الائتمان الأربعة التي منحتها إيران للنظام، والتي تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، عبر منح إيران جملة مشروعات وعلى رأسها استثمار الفوسفات السوري في منطقة خنيفيس، بعد تأسيس شركة مشتركة لهذا الغرض.

لكن النظام لم يلبث أن بدأ بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقات مع طهران، وسرَّع من وتيرة التعاون الاقتصادي وتوقيع العقود مع موسكو في المجالات ذاتها التي تطمح إيران للاستحواذ عليها، ففي أبريل (نيسان) من عام 2017، أي قبل شهر من استعادة السيطرة على مناجم الفوسفات (خنيفيس والشرقية)، وقَّع النظام عقداً مع شركة روسية، بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة للمناجم وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرفأ التصدير «سلعاتا» بلبنان، حيث باشرت تلك الشركة عملها فعلياً في يونيو (حزيران) بعد أيام من استعادة السيطرة على المناجم.

وبحسب مصادر مطلعة على النشاط الاستثماري الروسي في سوريا تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن «روسيا بدأت بالفعل أخيراً باستثمار مناجم الفوسفات في سوريا لمصلحتها حصرياً».

زيت الزيتون

وبعد أن كانت سوريا قبل الحرب تحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً بإنتاج الزيتون وزيت الزيتون، وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، حيث قُدّر عدد أشجار الزيتون في سوريا بنحو 100 مليون شجرة، ومتوسط الإنتاج 1.2 مليون طن، تراجع الإنتاج تدريجياً إلى مستويات قياسية مع استمرار الحرب وسط تصريحات رسمية بانخفاضه بنسبة 300 في المائة.

وتتركز زراعة الزيتون في محافظة إدلب شمال غربي البلاد التي تسيطر على جزء كبير منها «هيئة تحرير الشام» بينما تسيطر فصائل مسلحة وإسلامية موالية لتركيا على أجزاء أخرى، وكذلك في محافظة حلب حيث تتقاسم السيطرة في شمالها «قوات سوريا الديمقراطية» وفصائل مسلحة موالية لتركيا.

مع تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي من نحو 50 ليرة قبل الحرب إلى أكثر من 500 ليرة حالياً، ارتفعت أسعار اللتر من زيت الزيتون تدريجياً من 190 ليرة قبل الحرب إلى نحو 2500 ليرة حالياً.

وبحسب مصادر أهلية تنحدر من إدلب تعيش في ريف دمشق، تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فإن سعر «صفيحة» زيت الزيتون (16 كلغ) في إدلب يصل اليوم إلى 20 ألف ليرة، ويكلف نقلها إلى دمشق 5 آلاف ليرة، بينما يصل سعرها في العاصمة إلى نحو 35 ألف ليرة.

وتكشف المصادر أن بعض أهالي إدلب الذين يعيشون في العاصمة يقدمون على جلب محصولهم بعد أن تم جنيه وإنتاجه من قبل أقارب لهم هناك، على حين يفضل آخرون بيعه تفادياً لمشقة جلبه. وفي أواخر الشهر الماضي، ذكرت صحيفة «الوطن» الموالية لدمشق، أن السلطات التركية سهّلت على الفصائل المسلحة الموالية لها في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي عمليات تهريب زيت الزيتون إلى داخل الأراضي التركية، وبسعر لا يتجاوز 10 آلاف ليرة سوريا لـ«الصفيحة» الواحدة، التي يصل سعرها في الأسواق المحلية إلى نحو 25 ألف ليرة.

القمح والقطن

وعلى حين كانت سوريا قبل 2011 تنتج أربعة ملايين طن من القمح في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، قدر تقرير أممي، إنتاج القمح في سوريا لهذا العام بنحو 1.2 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ 29 عاما.

وكانت محافظات الجزيرة (الحسكة، ودير الزور، والرقة) التي تسيطر على معظمها «قوات سوريا الديمقراطية»، إضافة إلى حلب، تشكل الخزّان الاستراتيجي للقمح لأكثر من 23 مليون سوري.

ووفق بيانات وزارة الزراعة التابعة للنظام، فإن الرقة التي كانت الثالثة في إنتاج القمح، بعد الحسكة وحلب، تعرضت لتراجع كبير في زراعته، حتى في الأراضي المعتمدة على قنوات الري، بسبب غلاء الوقود اللازم لتشغيل المحركات والارتفاع المرعب في أسعار الأسمدة. وتراجعت المساحة المزروعة بالقمح في المحافظة من 161303 هكتارات في 2011، وبكمية إنتاج بلغت 607 آلاف طن، إلى 376 ألف طن في 2014، متأتية من مساحة 186 ألف هكتار، وفق أرقام المجموعة الإحصائية.

وبحسب ما نقلت تقارير عن مصدر من حكومة النظام، فإن الحكومة ستشتري كل القمح الذي سيقدم لها عبر مراكز الشراء والتجميع، وستكون الكمية التي سيتم شراؤها أقل من كمية الإنتاج لهذا العام.

وبينما يقوم عدد من المزارعين في المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» ببيع محاصيل القمح لـ«الإدارة الذاتية»، يقوم مزارعون في مناطق الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا ببيع القمح لمراكز تابعة للحكومة المؤقتة المدعومة من تركيا.

وتحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ما بين مليون ومليون ونصف طن سنوياً لسد احتياجاتها من مادة الطحين، ولذلك ستقوم «المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب» التابعة للنظام بطرح مناقصات عالمية للشراء.

وأعلنت الأمم المتحدة أخيرا أن هناك 13 مليون شخص من السكان في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

وخلال فترة سيطرة تنظيم «داعش» على محافظة الرقة، تضررت بنية الري، وتراجع الإنتاج والمساحات المزروعة بالقطن، ويوضح المصدر القيادي في «قوات سوريا الديمقراطية»، أن المساحات التي زُرِعت بالقطن في مناطق سيطرة القوات هذا العام لا تساوي نسبة 25 في المائة من المساحة في فترة ما قبل الحرب، بسبب جفاف نهر الخابور وقلة الهطولات المطرية وندرة الأسمدة اللازمة».

ووفق أرقام المجموعة الإحصائية الزراعية الصادرة عن «وزارة الزراعة» التابعة للنظام، فإن المساحة المزروعة بالقطن في الرقة تراجعت من نحو 50 ألف هكتار أنتجت 187.5 ألف طن في 2011، إلى 20 ألف هكتار أنتجت 50 ألف طن قطن في 2014. وقد بلغ، في عام 2011، إجمالي المساحة المزروعة بالقطن في جميع الأراضي السورية 175 ألف هكتار ووصل الإنتاج إلى 672 ألف طن، وفقاً لأرقام المجموعة.