أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ان “المخرج من نفق الحصص بين السياسيين يكون بحكومة مصغرة حيادية من ذوي اختصاص معروفين بصيتهم العاطر وتجردهم وحسهم الوطني ومفهومهم السليم للعمل السياسي.”
وشدد الراعي في عظة عيد الغطاس ويوم السلام العالمي في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي على مفهوم السياسة الصالحة، معتبراً أنه “عندما تمارس السياسة الصالحة يتصف العمل السياسي بالعدالة والإنصاف والاحترام المتبادل والإخلاص والصدق والأمانة، ويتحلى رجل السياسة بالصفات الحميدة التي تجمل عمله ونشاطه ومسؤوليته، من مثل: الضمير المدرك للمسؤولية؛ العمل الدؤوب من أجل الخير العام، لا من أجل المصلحة الخاصة، السعي بجدية الى تحقيق تغيير جذري في الممارسة والإدارة من أجل الخير العام الأفضل، الشجاعة في الدفاع عن الحقيقة والعدل، حسن سماع حاجات المواطنين والعمل على تلبيتها، أخيرا لا آخرا احترام حقوق المواطنين الأساسية وتعزيزها، مع ما يقابلها من واجبات”.
وتابع: “إذا القينا نظرة إلى واقعنا اللبناني، وإلى كيفية ممارسة السياسة عندنا، في ما آلت اليه اليوم، لرأيناها بعيدة كل البعد عن مفهوم السياسة الصالحة. فكيف يمكن قبولها عندما تكون وسيلة للاغتناء غير الشرعي ولتأمين المصالح الخاصة والفئوية والمذهبية والحزبية، على حساب الصالح العام؟ كيف يمكن القبول بتعطيل تأليف الحكومة بعد ثمانية أشهر من أجل مصالح النافذين ومن معهم ومن وراءهم، غير آبهين بالخراب الاقتصادي والخطر المالي المتفاقم، وبالشعب المتضور جوعا، والعائلات التي تتفكك، وبالبطالة المحطمة للقدرات الشبابية؟ كيف يغمضون عيونهم ويصمون آذانهم عن أنين هذا الشعب ومطالباته في تظاهرات وإضرابات، نحن نؤيدها تماما لأنها محقة وعادلة؟ لقد سئم الشعب والرأي العام كل ذلك! وعندما نسمعهم كل يوم يتكلمون عن حصص من أجل تأليف حكومة، لسنا ندري متى تأتي، تشعر كأنك أمام مشهد جثة وطن يتناتشها المنقضون عليها، ويسمون ذلك وحدة وطنية.”
وأضاف: “اننا لا نرى مخرجا من نفق الحصص بين السياسيين إلا بحكومة مصغرة حيادية من ذوي اختصاص معروفين بصيتهم العاطر وتجردهم وحسهم الوطني ومفهومهم السليم للعمل السياسي، تعمل على تنفيذ الإصلاحات الضرورية والمطلوبة دوليا، وتوظف الأموال الموعودة في مؤتمر سيدر، وتخلص البلاد من الخطر المتفاقم. ولتجلس الكتل السياسية حول طاولة الحوار أو الكتل النيابية في المجلس النيابي للتفاهم على جميع المواضيع الخلافية، بدءا بما سمي بمعايير أو أعراف، لى ضوء الدستور والميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني. فقبل أن تغرق السفينة بنا كلنا، ينبغي أن يقتنع الجميع بوجوب تسيير شؤون الدولة أولا، والتخلي عن المصالح الخاصة، السياسية والمذهبية والحزبية. فلا يحق لأحد أو لفئة أخذ البلاد، بشعبها وكيانها ومؤسساتها، رهينة لمصالح تعطل خير الأمة. بعد التفاهم على النقاط الخلافية، يصار إلى تأليف حكومة عادية وفقا للدستور والميثاق الوطني”.
ولفت إلى أن “العيوب التي تفقد السياسة صلاحها وصدقيتها وهيبتها في قراراتها وأعمالها، إنما هي عيوب في السياسيين، من مثل: الفساد، بمختلف أشكاله، والاغتناء غير المشروع، والسعي إلى المصالح الشخصية فقط، والاحتفاظ بالسلطة بكل السبل، والتمييز العنصري، والخوف من الآخر المختلف، واللاثقة، والانغلاق على الذات وعلى الحزب والمذهب. هذه كلها تقضي على الأخوة التي يحتاجها عالمنا ونحن في زمن العولمة. ما يعني أن أكثر ما تحتاج إليه مجتمعاتنا هو صانعو سلام كرسل وشهود أصيلين لله الآب الذي يريد الخير والسعادة لكل العائلة البشرية.”
وأشار إلى أنه “بنتيجة هذه العيوب، يكون مستقبل الشبيبة مظلما ومقلقا، وتولد فيهم اللاثقة بالمسؤولين السياسيين وبالوطن، حيث محكوم عليهم أن يعيشوا على هامش الحياةالعامة، ومن دون إمكان المشاركة في مشروع بناء المستقبل، بما لهم من مواهب وقدرات. في هذه الحال، لن يعيش الشباب في سلام ولن يتذوقوا طعمه، لأنهم لا يجدون قلبا يحب، وعقلا يفكر ويخطط، ويدا تمتد لتعضد وتنهض. فهذه الثلاثة تولد السلام، ومن أخطار العيوب المشوِهة للسياسة، استراتيجية الحرب والتخويف، التي يعززها انتشار الأسلحة المنافية للأخلاقية، والمولدة للرعب في أشخاص سريعي العطب. وتجدر الإشارة إلى أن طفلا من أصل ستة هو ضحية عنف الحرب ونتائجها”.