تراوح الأزمة الحكومية في لبنان مكانها، وسط دعوات متصاعدة من قبل قيادات روحية وسياسية تدعو إلى تشكيل حكومة مستقلة مصغرة، لإنهاء الانسداد السياسي خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
ورغم مرور أكثر من 8 أشهر يعجز السياسيون اللبنانيون عن التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، في ظل صراع التوازنات حيث يحاول كل طرف تحقيق امتيازات تجعله المتحكم الفعلي في المعادلة السياسية القائمة.
وتنحصر العقدة الحكومية حاليا في إصرار حزب الله على تمثيل حلفائه من النواب السنة الستة المنضوين ضمن تحالف “اللقاء التشاوري”، لضرب احتكار تمثيل تيار المستقبل للطائفة السنية في الحكومة من جهة، وأيضا للحيلولة دون امتلاك التيار الوطني الحر الثلث المعطل من جهة ثانية.
وبرزت قبل فترة أجواء إيجابية توحي بقرب تشكيل الحكومة على ضوء المبادرة التي طرحها رئيس الجمهورية ميشال عون وسوق لها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وتقضي بمنح حقيبة من حصته لممثل عن اللقاء التشاوري، بيد أنه سرعان ما انتكست جهود “ربع الساعة” الأخير، في ظل خلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله على تموضع الوزير الجديد، حيث يصر الأخير على وجوب أن يكون صوتا للنواب السنة داخل الحكومة، فيما يعتبر التيار أنه لا بد أن يكون محسوبا على تكتل لبنان القوي (يمثل الرئيس عون وحزبه في البرلمان).
وكشفت الانتكاسة الأخيرة أن المشكلة أعمق من تمثيل النواب السنة، حيث أن حزب الله لا يريد حصول التيار الوطني الحر على 11 وزيرا وبالتالي امتلاك الثلث المعطل وهو ما يجعله المتحكم في مصير الحكومة، رغم ما قاله قادة في حزب الله من أنه لا مشكلة في امتلاك حليفهم لـ11 أو 12 وزيرا في الحكومة.
وفي ظل صراع التوازنات تبدو جهود تشكيل حكومة الوحدة تدور في حلقة مفرغة لا نهاية لها، وأكد الأحد القيادي في حركة أمل قبلان قبلان “لا نرى في الأفق حكومة قادمة لأن منطق السياسيين ليس سليما فهو غائب كليا عن الوطن، وعقلية المحاصصة والاستئثار هي المسيطرة على عقولهم”.
وترى قيادات روحية أنه أمام الاستعصاء القائم في إنجاز حكومة وحدة وطنية قد يكون تشكيل حكومة مصغرة مؤلفة من تكنوقراط الخيار الأمثل خاصة وأنه لم يعد بإمكان اللبنانيين الانتظار أكثر لجهة الشلل الاقتصادي الذي يُخشى تحوله إلى شلل مزمن، وإمكانية كبيرة لانهيار منجزات “مؤتمر سيدر” الذي عقد في أبريل في باريس لإنعاش اقتصاد لبنان.
ويعتبر بطريرك الكنيسة المارونية الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أكثر الداعين إلى تبني هذا الخيار، حيث قال الأخير في عظته الأحد “لا نرى مخرجًا من نفق الحصص بين السياسيين إلّا بحكومة مصغّرة مستقلة من ذوي اختصاص معروفين بصيتهم العاطر وحسّهم الوطني ومفهومهم السليم للسياسة. تعمل على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دوليًّا، وتوظّف الأموال الموعودة، وتخلّص البلاد من الخطر المتفاقم”.
وأضاف “قبل أن تغرق السفينة بنا جميعًا، ينبغي أن يقتنع الجميع بوجوب تسيير شؤون الدولة أوّلًا، والتخلّي عن المصالح الخاصّة، السياسيّة والمذهبيّة. فلا يحقّ لأحد أو لفئة أخذ البلاد، بشعبها وكيانها ومؤسّساتها، رهينة لمصالح تعطّل خير الأمّة. بعد التفاهم على النقاط الخلافيّة، يُصار إلى تأليف حكومة عادية وفقًا للدستور والميثاق الوطني”.
وكان الراعي هدد قبل أسبوع بتصعيد سياسي للدفع باتجاه تبني خيار حكومة تكنوقراط، في حال لم يفرج حزب الله عن حكومة الوحدة خلال أيام، جاء ذلك بعد لقائه وفدا من الحزب.
وتصطدم الدعوات إلى تشكيل حكومة كفاءات برفض من بعض القوى وعلى رأسها حزب الله الذي يعتبر أنه في أمس الحاجة إلى حكومة سياسية يكون أحد مؤثثيها.
ويرى حزب الله أن مشاركته في الحكومة مسألة وجودية لأنها تمنحه غطاء سياسيا قويا في ظل الضغوط الإقليمية والأميركية على وجه الخصوص التي يتوقع أن تزداد وطأتها في الفترة المقبلة، في ظل إصرار من إدارة الرئيس دونالد ترامب على التصدي لإيران وأذرعها.
وفي إجراء جديد ضد الحزب، تنظر محكمة فيدرالية في نيويورك في دعاوى أقامها مدنيون ضد مصارف لبنانية لتضررهم من أعمال إرهابية ارتكبها “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني” في العراق بين 2004 و2011.ويطالب أميركيون بتعويضات من المصارف اللبنانية التي يقولون إنها قدمت خدمات إلى حزب الله رغــم علمهم أنه منظمة إرهابية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وقّع قانوناً في أكتوبر الماضي، أقره الكونغرس، يفرض عقوبات إضافية على حزب الله.
وتعتبر مصادر مقربة من حزب الله أن الدعوات إلى تشكيل حكومة مستقلة هي مؤامرة خارجية تستهدف عزل الحزب سياسيا، وأن الأخير لن يقبل تمريرها.
ويعول الحزب على دعم حركة أمل، في الوقوف ضد الدعوات إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، وإن كانت الأخيرة تبدي تبرما من استمرار تعثر تشكيل حكومة الوحدة.
ويرى مراقبون أن التيار الوطني الحر قد لا يوافق أيضا على تشكيل حكومة مستقلة، رغم اشتباكه الحاصل مع حزب الله، واهتزاز الثقة بينهما، ويشير المراقبون إلى أن رئيس التيار جبران باسيل يعتبر أن من صالحه حكومة يكون أحد أقطابها، لتعزيز موقع التيار ورئاسة الجمهورية سياسيا، فضلا عن كون باسيل يرنو إلى حكومة وحدة تمهد له الطريق لخلافة الرئيس عون في قصر بعبدا.
ويعتبر البعض أن طرح الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لخيار حكومة تكنوقراط قد يكون الهدف منه هو الضغط على السياسيين لتشكيل حكومة الوحدة.