شكّل قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب قواته العسكرية (2000 عنصر) من سوريا الحدث الابرز نهاية العام، وقلب المشهد في سوريا رأسا على عقب، قبل ان يُحدث بلبلة في الادارة الاميركية كان عنوانها وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي اعترض على القرار مقدّما استقالته وملمّحا الى “اختلافات في رسم السياسات مع الرئيس ترامب”. ولم يتبلغ البنتاغون قرار ترامب ليُحدد موعد انسحاب القوات الاميركية التي تبين انها تعزز مواقعها في مدينة منبج الحدودية لمنع حصول مواجهات بين الجيش التركي والاكراد (قسد) المحميين من واشنطن.
وتستغرب اوساط سياسية اميركية قرار ترامب “بالانسحاب من سوريا، في وقت تُعزز القوات الاميركية من وجودها بإنشائها 12 قاعدة عسكرية في الشمال الشرقي من سوريا الغنية بالآبار النفطية والغاز في مقابل قاعدتين لروسيا هما طرطوس على الساحل السوري وحميميم”.
ومع ان القرار الاميركي “فاجأ” عواصم دول اقليمية وغربية، الا انه كان بالتنسيق بين البيت الابيض والكرملين، وهو يأتي، وفق تأكيد الاوساط الدبلوماسية، من ضمن خريطة طريق لحل الازمة السورية تبدأ بوضع جدول زمني لإيران لسحب قواتها وأذرعها العسكرية المنتشرة، اي “حزب الله” و”الحشد الشعبي”، بالتزامن مع وضع دستور جديد لسوريا وصياغة آلية لعودة النازحين بعد تثبيت وقف اطلاق النار وتوسيع بيكار مناطق خفض النفوذ واجراء انتخابات نيابية ورئاسية بعد الاتفاق على صيغة النظام الذي لايزال الخلاف حوله دائرا.
وتتراوح الصيغ، بحسب الاوساط الدبلوماسية الأميركية، بين الفيدرالية والاقاليم واللامركزية الموسعة، في وقت تتمسك قوى المعارضة بوحدة الارض والشعب والمؤسسات على ان يتم اعتماد “طائف” سوري لإشراك جميع المكوّنات في السلطة وفي القرار. ويبدو ان “حزب الله” الاكثر حرجا من الترتيبات السياسية والعسكرية الاتية على سوريا، لأن بقاءه هناك لم يعد ممكنا، لاسيما أن هناك تغييرا في هوية النظام، الأمر الذي قد ينعكس على مستقبل الحزب الذي كان نظام الاسد يوفّر له التواصل مع ايران ووصول الصواريخ والاعتدة العسكرية، وهو ما لن يكون متاحا بعد حصول الاتفاق على الحل.
وفي السياق، ينقل سياسي عن دبلوماسي غربي قوله ان “لا بد من العمل على تجفيف منابع تمويل الحزب ونزع الذرائع والاعذار من يده كمحاربة الارهاب وتحرير الاراضي المحتلة في جنوب لبنان وحماية التنقيب عن الغاز والنفط الذي ينطلق بعد اشهر، وذلك لمنعه من التلطي وراءها للاستمرار في الاحتفاظ بسلاحه”.
ويشدد الدبلوماسي الغربي على ان “محاربة الارهاب من مهمات الجيش وهو سطّر نجاحات كثيرة في هذا المجال، خصوصا في حماية الحدود وضبطها فضلا عن منع التعدي الاسرائيلي على لبنان، وهذه المسؤوليات الامنية من مهمته حصرا”.
واعتبر الدبلوماسي كما نُقل عنه ان “المطلوب لبنانيا لمواكبة التطورات السورية استعجال وضع استراتيجية دفاعية تؤكد حصرية السلاح بيد الدولة والشرعية، ولبنان سبق وأعلن امام مجموعة الدعم الدولية خلال انعقاد مؤتمرات الدعم، خصوصا “سيدر”، إنشاء هيئة حوار وطني وحصر مهمتها بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، وذلك بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية”، لذلك يُشير الدبلوماسي الى ان “هذه الاستراتيجية من ضمن شروط اساسية وضعتها مجموعة الدعم لمساعدة لبنان، وبالتالي لا يمكن لبيروت تجاهلها، فضلا عن المباشرة بورشة الاصلاحات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والنهوض بالبلاد”.